مبدعون ينزفون قصائد ويتبادلون أنخـــــــــاب الشجن في يومهم العالمي

الشعر جلي غامـض تخســــــر البشـرية فضائله

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد غد يحتفل العالم بيوم الشعر العالمي، وفي ذلك ما فيه من الحنين العميق نحو زمان أشاع فيه الجلي الغامض فضائل المحبة والسلام والقيم النبيلة بين الناس، والآن قد نزعم أن تخصيص يوم عالمي لأي شأن كان، يعني بالضرورة أن ثمة مشكلة وأن هنالك دعوة ضمنية مفتوحة على مستوى العالم، لتسليط الضوء من أجل التضامن لصالح هذا الكائن الرقيق الذي لا يلقى الاهتمام الكافي، ويأتي تالياً على هذا التآزر الجماعي، إظهار آيات التقدير والاحتفاء بإسهامات الذين كانوا - وما يزالون- يقدمون الدعم والترويج له والعناية به.

إن تخصيص يوم عالمي للشعر يصادف الحادي والعشرين من مارس قد يعني الأخذ بيد الشعر الذي تحول من مركز الصدارة والعلامة الفارقة، الدالة على حسن الثقافة والفصاحة والبلاغة، إلى هذا الوضع الماثل بين ظهرانينا، حيث يحتاج إلى الترويج والنصرة في ظل إهمال المجتمع له على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ، ودون أن يدري أحد السبب!.

بالتأكيد سيقول قائل إن شعر اليوم قد بدل صورته وسيرته التي جذبت الناس إليه طوال ما مضى من عمر الزمان جراء محاولات تطويره على نحوه أفقده النكهة والمذاق، وبالتالي فإن الكرة في ملعب شعراء هذا العصر، الذين يتعين عليهم الاهتمام بذائقة المتلقي واستعداداته أكثر من الميل نحو المغامرة بتجارب تطويرية لا تروق إلا لهم وحدهم.

هذا طبعاً زعم ليس في محله، بدليل أن انحسار الشعر بات سائداً في كل مكان، وليس في عالمنا العربي وحده، وبالتالي فالمسألة لا ترتبط بفقدان الوزن والقافية وجلاء المعاني والأغراض الشعرية مثلاً، ثم إن الشعراء الذين ما برحوا مستمسكين بشروط الشعر التقليدي "الرصين إياه" هم أيضا يستشعرون هذا الجحود والإهمال .. بينما باتت الرواية مثلاً سيدة الموقف الأدبي، في مشارق الأرض ومغاربها، مع أننا في زمان السرعة والإيجاز، والشعر وحده يضمن التعبير بكثافة ما قل ودل أكثر مما تفعل الرواية.

ومن جهة أخرى فإن هيمنة الثقافة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي التي تساق أحيانا تبريراً لأزمة الأدب عموما، لم تهزم الرواية، بينما استطاعت أن تخلخل مكانة الشعربين الناس.

ولذلك يبقى السؤال على ما هو عليه: ما الذي صرف الناس جماعياً عن الشعر؟.. ذلك الكائن الأثيري الواضح في تأثيره والغامض في تحديد كنهه، ولطالما أسعد الناس وأبكاهم؟

لعل أهم المقاربات التي يمكن التعويل عليها بهذا الصدد هي التي تذهب إلى أننا في الحقيقية في عصر "الترفيه" والرواية والسينما والالعاب الذكية تعد مجالاً للامتاع أكثر مما تفعل القصيدة، خاصة حينما تجنح القصيدة نحو التعقيد الفلسفي والمقاصد المبهمة وأحيانا التقريرية المسطحة.

ومما يعزز وجاهة هذا الطرح أن المسلسلات الرومانسية وبرامج الفكاهة والأغاني ذات الطابع الرومانسي ما تزال تحتفظ برصيد أوفر لجهة الجمهور الذي قد يصل حد الهوس بها بقدر ما يهتم ببرامج مايكروسوفت وألعاب البلاي استيشن وبوكيمون غو الخ .. نحن فعلاً في زمان الترفيه والاستمتاع الاستهلاكي، وليس الأعمال الجادة ذات الرسائل الوطنية أو التربوية.

أليس مناسباً البناء على مثل هذا التشخيص والتحليل تمهيدا لإيجاد حل للمشكلة؟ .. أليس ممكنا كتابة قصيدة ممتعة وطريفة وفيها تحد مثير أو دعابة تتضمن رسالة ما؟.. كيف ننكر أن الإمتاع هو "الشعرية" بصورة ما؟

يجب ألا تخيفنا المسلمات، من قبيل رفض مبدأ الكتابة الترفيهية مثلاً ، فمطلب الترفيه هنا لا يعني بالضرورة ابتذال الشعر وإخضاعه لمبدأ " الشباك يريد ذلك" أو " ما يطلبه المستمعون" لا ، ولكن على كل شاعر اثارة الجاذبية والتشويق و"لذة النص" بالصورة التي يراها مناسبة لأهل زمانه ، ومحافظة على هيبة الشعر.. لمَ لا؟

قديماً قال الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى "ومن لم يصانع في أمور كثيرة.. يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم". واستمالة الجمهور سياسة كسياسة الخيل، وبالتالي فلابد من الإمساك بشعرة معاوية، ولابد من خوض "فن الممكن"، حتى يستعيد الشاعر والشعر دفة القيادة، ولكل حادثة حينئذ حديث.. فما رأي الشعراء؟ ..

التأثير على السلوك

في مستهل الاستطلاع تحدثت "البيان" إلى الشاعرة عبير البريكي عن علاقة الشعر بتعزيز قيم الخير والإنسانية فقالت : الشعر أرقى أنواع الأساليب الأدبية ، وهو سهل الحفظ والتقبل لدى المتلقي نظراً لارتباطه بالرتم أو الموسيقى التي يخلقها البحر ، لذا كان العرب يحرصون على تعليم أبنائهم القيم من خلال القصائد فهي أدعى للحفظ والثبات .. والشعر ديوان العرب الذي احتوى فضائل أخلاقهم فتواترت قصائدهم محفوظة في الصدور قبل الكتب ؛ وديوان الإمام الشافعي يعتبر من هذا النوع من شعر الحكمة وهو بمثابة مدرسة للقيم والأخلاق والفضائل . وفي الحاضر يمكن أن يتنافس الشعراء في خلق قصائد معاصرة في ظلال الفضيلة والخير والحق والإنسانية ؛ خاصة وأن تأثيرهم على أترابهم سيكون أكثر وقعاً، وبالأخص باللهجة المحكية أو البيضاء .

وتؤكد عبير أنه منذ سنوات وهي تدعو في كل لقاءاتها لنبذ الحزن واستبداله بالفرح والسعادة ، حيث إن الكلمات لها نوع من البرمجة المؤثرة فينا ، وتقول : لم أكتب نصاً حزيناً منذ سنوات .. فالحزن ذنب لا يجب اقترافه ، وقد لفت نظري بحث ياباني عن أثر الكلمات في شكل مركّب الماء بعنوان "رسائل من الماء" ، وكيف يمكن أن تخلق الكلمة الجميلة شكلاً جميلاً من مركب الماء والعكس صحيح .. وينطبق هذا على تأثير الكلمات فينا ... لذا يقع على عاتق الشعراء دور إيجابي في التغيير البناء من خلال طرح نصوص مشبعة بالحب والخير والجمال والسعادة .. فهذا الأمر معدٍ حقيقة ومؤثر بشكل لا يجب الاستهانة به ، وحين نتتبع الأغاني الحالية والتي هي نتاج قصائد سنلاحظ مدى خطورة الكلمة التي تخلق الشعور والفكرة ثم القناعة .

وتضيف عبير : حين يسن قانون كقانون نبذ الكراهية والتمييز ستكون القصائد ميداناً لمدى الالتزام بهذا القانون واحترامه، فالعنصرية والتمييز هو المحرض لخلق قصائد فيها التقليل من قدر الآخر أو التعالي عليه وبالتالي كرهه وربما الاعتداء عليه أيضاً ، كما أن القصائد المحرضة على العنف كقصيدة (أخذ حقه بدق خشوم) نوع من التحريض الذي ينساق خلفه بعض الجهلة أو صغار السن وينتج عنه سلوكيات عنيفة ليست في الحسبان ، ومخالفة للقانون كأخذ الحق بالذراع ، ووسائل التواصل الاجتماعي بما فيها من مواد مصورة ومسجلة ؛ خير دليل على هذا الأثر السلبي .

وعن علاقة عبير البريكي الشخصية بالشعر تقول : الشعر ... صور فوتغرافية .. والتقاطات ذاتية عميقة لذاتي ... لا أظهرها إلا من خلال معرض إيجابيتي فقط ..

ومن أبياتها باللهجة الإماراتية تهدي يوم الشعر قولها :

جمّع مزايا صاحبك واوزنها

في كفّة الميزان جنب عيوبه

                             يا ترجح الكفّة على ألعنها

أو تاخذك عزة عفو لذنوبه

                               الممكن اللي يستفزك منها

يسوى خطايا العشق ذنب وتوبه!

               نكث الوعود الممكنه واللي بعد مو ممكنه

طبع اللعوب اللي تحب تسبي قلوب احبابها

                    لنْ الوفا لوعودها صورة مملة مزمنه

رسالة خير

كما وضح الشاعر عبدالله الهدية الشحي بأن الشاعر يجب أن يكون صاحب رسالة هذا بجانب تعبيره عن مكنونه الداخلي، ومن جانب آخر فإن القصيدة حينما تخرج وتحمل قيمة بحد ذاتها فهي عمل يمثل الخير، واذا خرجت القصيدة بطريقة جميلة تعبر عن مشاعر الآخر وبالتالي هذا الآخر حاول أن يسقطها على نفسه بعيداً عن جلد الذات، وعمل من أجل أن ينتشر الحب والمودة بعيداً عن الصراع ، وهذا بحد ذاته سعادة، والكلمة الجميلة هي طاقة وكل حرف من الحروف اذ ننطقه بأي وسيلة فإن ذلك طاقة، فتلك الحروف ايجابية ونورانية ، فما بالك اذا خرجت هذه الحروف بأبيـــات شعرية ومن القلب إلى القلب، وهي مصدر من مصـادر الســعادة ، لذلك يأتي الشاعر كونه مصدراً للسعادة وعامل خير يبحث عن الخـــير، وهو ليس بالجديد في عالم الشعر العربي ، منذ الأزل وقف الشاعر العربي في كل المحـــافل، يغني ويطرب الأسماع وينــشر السعادة ويعمل على توليف القلوب وبث روح الحماس ، لتكون كلها مصادر خير وسعادة .

وعن علاقة الشعر بتحفيز روح التطور والطموح يقول الهدية: الشعر الذي يحمل قضية، يبحث على الجديد بالنسبة لقصيدته وإذا ارتقى بكلماته ارتقى المجتمع، ويبحث عن الجديد لكونه جزءاً من هذه الأمة ولسان حال المجتمع، فله رؤاه وتطلعاته ، إذا حاول أن يترجم هذه التطلعات واستطاع أن يغرس قيمة معينة في سبيل الوصول إلى هدف معين وإلى مستقبل باهر، ليتغذى من الماضي ويتعايش مع الواقع، ولكن أعتقد الشاعر اللبيب هو الذي ينظر ويشتاق إلى المستقبل من خلال رؤى مخــــتلفة وابتكـــارية بالنسبة لقصيدته ، حيث إن الرسالة الشعرية الخالدة هي اكثر تأثيراً واهتماماً اليوم .

علاقة أبدية

وعن علاقته الشخصية بالشعر يقول عبد الله الهدية : هي علاقة أبدية وعلاقة سرمدية، علاقة وجدان بوجدان علاقة لا يمكن أن تنتهي، واستغرب لمن يقول اعتزل الشعر ومن ينزوي ولا يكتب هي حالة ، وملكة الشعر اذا الله وهبها لإنسان معين فهي نعمة كبرى ، وأؤكد على عبارة كن جميلاً ترى الوجود جميلاً ، الشاعر اذا نظر إلى جماليات الكلمات وقدر ذاته فسيحترم البوح الذي يقوله، فهي عملية تكاملية وأبدية، ولا يمكن أن أتوقف عن الشعر ودائماً أبحث عن الجمال في الشعر، وكوني إنساناً فقد أبكي ولكن ليس بمعنى جلد الذات والوقوف على الأطلال، ولكن ابكي للتعبير ولخلق نوع من التوازن الذي يسكن أعماقي ولذلك صديقي الأول هو الشعر.

ويكشف الهدية شدة انفعاله برؤية الإمارات الاستراتيجية 2021 فيقول: من يعايش هذا التطور والرؤى والابتكار للقيادة الرشيدة في الدولة اعتقد بأننا خلقنا المجد من جديد لهذه الأمة، ورؤية دولتي بأن تكون من أفضل الدول في عام 2021 تقودني كإنسان وشاعر بأن لابد أن أواكب هذه الرؤية لأكون من أفضل الشعراء.

حديث الروح

أما الشاعر محمد البريكي، مدير بيت الشعر في الشارقة، فيقول في مناسبة يوم الشعر : استطاع الإنسان أن يزرع الورد في أراضي المشاعر، ولأن الشعر هو حديث الروح الذي يفيض على الشعور فإنه يخرج من فكرة الشاعر وحسه ِإلى الوجود جميلاً ليسهم في نشر كل ما هو مبهج ومرتبط بالفطرة الإنسانية السليمة النقية، ولهذا فهو رسالة محبة وخير وسلام للإنسانية، ينشر بين البشر روح البهجة ويدعو من خلالها - بكلام يرقق الشعور- إلى أن تكون السعادة هي سيدة الموقف بين البشر ليعيشوا على هذه الأرض في حب وفرح، كما أن الشعر يرتبط بالقيم الجمالية بين البشر فينبذ كل ما من شأنه أن يعكر صفو التعايش بينهم، وفي المقابل فهو يذود عن الوطن والإنسان ضد كل من يعرض هذه الفطرة للعبث والدمار والحروب، ليعيد للأرض التوازن وللإنسان استقراره.

والشعر عند البريكي إنما هو ارتباط باللغة وطموح نحو تقديم كل جميل والحث عليه وتطوير سبل تحقيق حلم الشاعر الإنسان لهذا الوجود، يقول: ولا أبالغ إن قلت إن الشعر حياة الشاعر ووجوده، فهو الهواء الذي يتنفسه وغذاء الروح التي تحلم ببلوغ سماء تحلق فيها بالضوء والمطر والعطر، ولهذا أقول:

هو الشعرُ

لا يأتي على غيرِ نـــزوةٍ تُلوّعُــــهُ بالبعــــدِ

والشوقِ والكرى

يعيــــشُ بــــهِ الإنسانُ

خارجَ كونِـهِ

لأنَّ محيطَ الأرضِ

لا يحملُ القِـرى

تعبير فطري

الشاعر عبد الرزاق الدرباس موجّه لغة عربية في وزارة التربية والتعليم بدبي يقول في هذه المناسبة: إنه منذ أن عرف الإنسان الحياة، عرف الأغاني التي هي نموذج جميل للشعر، ولعل المقولة " الشعر ديوان العرب " هي الأكثر تعبيراً عن علاقة الشعر بالإنسان العربي ، فهو فطرته البشرية المتوارثة ، وقد كانت القبيلة تحتفل بظهور شاعر فيها نظراً لأهمية هذا الشخص ودفاعه عنها في حربها وسلمها ، والشعر باب من أبواب الحب والخير والتسامح ، والباحث في التراث الشعري العربي يجد معظم الإرث الشعري هو في الحب والخير والسعادة ، ومن أمثلة ذلك نجد الشاعر زهير بن أبي سلمى الذي هو من أصحاب المعلقات الجاهلية، كان داعية سلام ومصالحة وتسامح حيث أفضت مساعيه لوقف الحرب الطويلة التي سميت بحرب داحس والغبراء .

والشعراء بطبعهم طموحون للعلا ولا يحبون عيشة الذل والهوان بل يحفزون الجمهور على الارتقاء في سلم المجد ذلك أنهم يملكون النفوس الكبيرة الطموحة .

وينتقل الدرباس إلى عصرنا الراهن ليؤكد استمرار السجية الإنسانية للشعر فيقول: مازالت هذه السجية موجودة في الشعراء فهم دعاة محبة وخير وسلام وتسامح ، وهم المدافعون عن العدالة والأمان والقيم العليا مع عدم التفريط في حقوق الفرد والأمة .

ولعل تخصيص يوم للاحتفال بالشعر في الحادي والعشرين من شهر مارس كل سنة دلالات كبيرة فهو بداية فصل الربيع والــشعر ربيع دائم للنفس والشاعر والجمهور ، وهو يوم الأم والشعر أبو الآداب ومنـــه تناسلت الأجناس الأخرى .

ويختم الدرباس بقصيدة شعرية مهداة لوطنه الجريح سوريا على أمل المحبة والسلام والتسامح والسعادة والحرية له ولكل الأوطان :

يا موطني قلْ لي : متى تلقـاني؟

            فلظى عذابِ البعدِ قدْ أضنـاني

لكَ في حنايـا الروحِ لحنُ تشـوّقٍ

             وعلى شـفاهِ البوحِ دفقُ معانِ

ما زلتُ أذكرُ دارَنا وحَمامها

           ورغيفَ أمّـي، والفؤادَ الحاني

والبئرَ، والكرمَ القريبَ ، وتينةً

             أرجوحتي فيهـا ودفءُ مكاني

كانت فراشـاتي طليقةَ روضِهـا

               أنسـى مـدى رفّاتِهـا أحزاني

غرناطة

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا

ما أطـيب اللقـيا بلا ميعادِ

عينان سوداوان في جحريهما

تتوالـد الأبعاد مـن أبعـادِ

هل أنت إسبانـيةٌ؟ ساءلـتها

قالت: وفي غـرناطةٍ ميلادي

غرناطة؟ وصحَتْ قرونٌ سبعةٌ

في تينـك العينين بعد رقادِ

وأمـيةٌ راياتـها مرفوعـة

وجيـادها موصـولة بجيـادِ

ما أغرب التاريخ كيف أعادني

لحفيـدة سـمراءَ من أحفادي

وجهٌ دمشـقي رأيت خـلاله

أجفان بلقيسٍ وجيـدَ سعـادِ

ورأيت منـزلنا القديم وحجرة

كانـت بها أمي تمدّ وسـادي

واليـاسمينة رصّعـت بنجومها

والبركـة الذهبيـة الإنشـادِ

ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها

في شعـرك المنساب.. نهر سوادِ

في وجهك العربي، في الثغر الذي

ما زال مختـزناً شمـوس بلادي

سارت معي والشعر يلهث خلفها

كسنابـل تركـت بغيـر حصادِ

ومـشيت مثل الطفل خلف دليلتي

وورائي التاريـخ كـوم رمـادِ

الزخـرفات أكاد أسمع نبـضها

والزركشات على السقوف تنادي

قالت: هنا «الحمراء» زهو جدودنا

فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي

أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاً

ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي

يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـتْ

أن الـذين عـنتـهمُ أجـدادي

عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها

رجلاً يسمـى «طـارق بن زياد»

Ⅶنزار قباني

إماراتي

Ⅶشعر: عبدالله الهدية

هزّي إليكِ بأوتارِ المسراتِ

                   يسّاقط اللحنُ عيداً في مداراتي

وغردي واملئي الدنيا بقافيتي

                 واستمطري بابتهالِ الحبِّ أبياتي

ودوزني في مقام الودِّ أشرعتي

              كي أسكبَ النايَ في موالِ مرساتي

يا أجملَ العذبِ في تاريخِ بوصلتي

                   وأعذبَ البوحِ في سرِّ النبوءاتِ

كم شدَّ قلبي رحالَ العشقِ متجهاً

                      إليك منّي ومن ذاتي إلى ذاتي

من كلِّ بيتٍ مقفّى ساق قافلتي

                       إليك يسعى بإحرامي وميقاتي

من كلِّ فجٍّ عميقٍ بين أوردتي

                         أَتَتْكِ حجاً تراتيلُ العباراتِ

لبَّيْكِ يا دارُ لبّاكِ الطموحُ معي

                    واستغفرتْكِ عن التقصيرِ أوقاتي

لبَّيْكِ لا ندَّ فوق المشتري لكِ أوْ

                        شريكَ بالمجدِ والتحليقِ مولاتي

إنَّ الوفا لكِ بعد اللهِ ملهمتي

                            والانتماءَ وأسرارَ المناجاةِ

حتى بساتين أشواقي تحومُ على

                        سريرِ شبّاككِ السّاري بواحاتي

يا عطرَ جدّي خذي مفتاحَ أدعيتي

                      وَمَوْقِعي النورَ في بروازِ مرآتي

هذي مسالكُ قصرِ العشقِ مشرعةٌ

                      أبوابُها فادخلي صالونَ ساحاتي

دعي يساركِ ركنَ الحبِّ واتجهي

                   نحو اليمينِ إلى مقهى الحضاراتِ

ثمَّ افتحي بعد شربِ الشايِ ذاكرتي

                        واستخرجي من حناياها ملفاتي

خذي من الأخضر المُلقى على أملي

                      قصيدةً ضمَّها فجرُ اعترافاتي

الله الله يا ميثاقَ حاضنتي

                    الله يا وحيَ من صاغتْ مروءاتي

ورديةٌ بمعانيها تسرُّ عقو

                      لَ الناظرينَ إلى هامِ السماواتِ

تَمْتَدُّ من أكسجين الشعرِ في رئتي

                          إلى حداثةِ أنفاسِ الرواياتِ

تُمَكْيِجُ العمرَ بالإبداعِ ساكبةً

                      عطرَ الحراكِ على خدِّ الثقافاتِ

فهي السنابلُ في وجهِ العجافِ إذا

                        تَشَبَّبَ اليأسُ والتغريبُ بالآتي

وإنَّها الروحُ في عهدِ الولاءِ وما

                        يحوي وشاحُ التفاني في مساراتي

محفوظتي في عيون الذوق أغنيةٌ

                        على ترانيمها تشدو شعاراتي

بيتُ القصيدِ بها بيتان قد ألِفا

                     بعضيْهِما وتساما في الفضاءاتِ

إنّي أهنيءُ نفسي ثُمَّ أغبطُها

                        على خليفة نبراسِ الزعاماتِ

وإنّني حينَ طافَ الكونُ في نظري

                       حَمدْتُ ربّي على كوْني إماراتي

يوم عالمي

اليوم العالمي للشعر 21 مارس من كل عام، أعلنته منظمة اليونسكو عام 1999، من أجل تجديد الاعتراف وإعطاء زخم للحركات الشعرية الوطنية والإقليمية والدولية. ولقد بدأت الفكرة في مايو 1997 حينما وجه الشعراء فدوى طوقان ومحمود درويش وعزالدين المناصرة نداء الى مدير اليونسكو حينئذ فيديريكو مايور بعنوان (الشعر روح الانسانية) طالبوا فيه بـ«ضرورة تسمية يوم عالمي للشعر». وفي 1998 تابع مثقفون مغاربة الفكرة واستصدروا القرار .

أسئلة عبده وازن المشروعة

كتب الأديب والناقد اللبناني عبده وازن منذ عدة سنوات خلت، مقالاً في مناسبة يوم الشعر العالمي 21 مارس، ما يزال صداه يتردد في الأوساط الثقافية العربية وغير العربية، ولأهميته وتجدد أسئلته المشروعة نعيد مقتطفاً منه.

يوم الشعر

الشعراء يزداد عددهم في العالم، أما قرّاء الشعر فلا. حتى الشعر نفسه يكاد يصبح «كائناً» معزولاً في عصر لم يبق فيه إلا مساحة ضئيلة للهموم الشخصية و«الصناعات» الفردية الخافتة والشعر في مقدمها. ليس الشعر في أزمة بل قراءته أولاً ثم موقعه في هذا العالم أو دوره أو رسالته. هل يمكن عالماً يغرق في ماديّته أن يصغي إلى أصوات الشعراء، أولئك الهائمين في غابة اللغة والحلم والماوراء؟ حتى الشعراء الواقعيون المحتجّون والطامحون إلى «تغيير» العالم فعلاً لا رؤية، أصبحت أماكنهم قليلة جداً في مسرح هذه الحياة، حياتنا الراهنة.

ليس الشعر في أزمة وإن دار الكلام كثيراً عن أزمته. متى لم يكن الشعر في أزمة؟ أليست أزمة الشعر هي جوهر كينونته؟ أليست أزمته هي أزمة الحياة نفسها، هذه الحياة التي لا يمكنها أن تتقدّم إن لم تعرف الأزمات؟ أزمة الشعر هي حافزه إلى التجدد وإلى مماشاة الزمن الذي لا يرجع إلى الوراء.

شاعر مثل نزار قباني استطاع خلال حياته أن يكوّن لنفسه «شعباً» من القراء، أضحى جمهوره الآن قليلاً وقد انحسرت أرقام مبيعه، ولعلها إلى المزيد من الانحسار. والأمر نفسه يكاد ينسحب على شاعر «شعبي» كبير مثل محمود درويش وبدا ناشره الشرعي يعاني فعلاً من تكدّس أعماله في المستودع.

الناشرون يفسّرون الظاهرة هذه بغياب «الأثر» الذي كان يمارسه مثل هؤلاء الشعراء على قرائهم في حياتهم. في معارض الكتب كان نزار قباني يصاب بحال من الإعــياء من شــدة ما كــان يوقّع، وكان القراء يقفون أمام طاولته في صــفّ طويــل. أما محمود درويش فكان قامة كبيرة، شخصاً ورمزاً، وكان يحســن للكثــيرين أن يستــظلوا به وبقصــائده. معظم قراء مثل هؤلاء الشعراء يعنيهم الشعراء أنفسهم أولاً، أما شعرهم فيأتي لاحقاً.

تُرى ما يكون شأن الشعراء الآخرين الذين لا يملكون جمهوراً يُسمّى باسمهم؟

Ⅶبرقيات

موقف من العالم

Ⅶالقول الشعري، باعتباره طريقة في التعبير عن الذات، وموقفاً من العالم، لا يقع بعيداً عن هذه القيم. فالجمال قرين الخير دائماً، وهو عصب القول الشعري ودافعه الأساس. ومهما كان موضوع القصيدة فإنها دعوة إلى الجمال في الحياة، وتعزيز للقيم الخيرة والمتحضرة فيها. لكن القصيدة لا تعلن عن أهدافها بطريقة مباشرة أو تعليمية أو وعظية، ولا معنى للحياة حين تخلو من الأدب والفنون. ستكون في هذه الحالة حياة ناقصة، لا تفي حتى بالحدود الدنيا للشرط الإنساني. ولا تكون حياتنا إنسانية وجديرة بأن تعاش دون الشعر، لأن الشعر والأدب والفنون هي التي تجعلنا قادرين على تحمُّل أعباء الحياة ومواجهة تحدياتها، فهي مواجهة جمالية للقبح والبؤس وتصحُّر النفوس.

Ⅶفي قصيدة بعنوان «الشاعر»، يقول أدونيس:

كن ألقاً وابتكرْ قصيدةً وامضِ

زدْ سعةَ الأرضِ..

Ⅶلا يصدر الشعر إلاّ عن نفس رحبة بيضاء، مفتوحة على الحياة بكل ما فيها من مكنونات إيجابية. والشعر لا يجتمع، في ذات واحدة، مع الغرائز السلبية والمشاعر المشحونة بالكراهة والعنف، وحرمان الآخر من حقه في الحياة والجمال والمحبة.

Ⅶالشعر ليس سلاحاً مباشراً لقتال العدو، بل هو طاقة رمزية شديدة التأثير، لا يتناول موضوعاته كما يفعل النثر الصحفي، بل بطريقته الخاصة، بوسائله اللغوية والبلاغية. ومن خلال ذلك، يواجه الشاعر عالمنا الدموي المجنون، ليعبّر عما في النفس البشرية من حلم بالخلاص، وبذلك يظل الشعر لغة المقهورين، يعززون به الأمل والإرادة في نفوسهم من جهة، ويواجهون به القبح والاستبداد واليأس من جهة ثانية، وهكذا، كلما كان الشعر حاضراً في نفوسنا، كنا محصَّنين ضد الكراهية والغطرسة، وشغــوفين بكل ما هو جميل وإيجابي .

Ⅶالشعر بالنسبة إلي شهادة جمالية على وعي الإنسان للحياة وصلته بها، وهو مغامرة لغوية وروحية يرتقي بها الإنسان على عالمه الواقعي البائس المحدود إلى عالم أجمل وأرقى. كما أن الشعر طريقنا للتحرر من غرائزنا الأرضية الرخيصة والارتقاء إلى آدميتنا الحقيقية الخالصة من الأنانية والجبن والنفاق.

Ⅶيوم الشعر، يوم نلتفت فيه إلى أرواحنا لنعيد اكتشافها من جديد. نكتشف ما فيها من نزوع إلى الجمال والمحبة والحرية، هذه القيم التي أبعدتنا عنها مشاغلنا اليومية، حتى صرنا جزءاً من آلة صاخبة لا تكف عن الدوران والضجيج .

Ⅶفي هذا اليوم نصغي إلى نداءات أرواحنا وقد استيقظت من خدرها اليومي لتتمرد على روح القطيع فيها، تلك الروح المجبولة على الطاعة والتكرار.

Ⅶختاماً أهدي هذا اليوم:

يمضي وحيداً

أخفقةٌ من شذى الغاباتِ في دمهِ؟

أم من قصيدته يأتي الرعاةُ ضحىً

يضيئهم غبشُ الذكرى

يرافقهم

رعدُ الخريفِ وربُ الكمأةِ، المطرُ..؟

لم يلقَ أرضاً تغطيه بفتنتها

حيران لا حلم يؤويه..أيّ فتىً

يمضي وحيداً يغنّي، لا يحفّ بهِ

إلاّ قصيدتهُ العزلاءُ والسهرُ..

Ⅶد. علي جعفر العلاق

شاعر وناقد عراقي

ما الشعر؟

Ⅶربما لدواعي الضبط الأكاديمي وتيسير النقد ومنعاً للتغول والاستسهال.. اجتهد الناس لتحديد مفهوم الشعر، فتباينت الآراء حتى لم نعد نتفق على تعريف بعينه، إلا أن أكثر التعاريف العربية شيوعاً: الشعر هو الكلام الموزون المقفى، وحتى هذا المفهوم التقليدي انقلب عليه البعض مطالبين بالتفريق بين الشعر والنظم، فقال العراقي جميل صدقي الزهاوي: إذا الشعر لم يهززك عند سماعه.. فليس خليقاً أن يقال له شعر. وأضاف أحمد شوقي: والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفةً أو حكمةً فهْو تقطيع وأوزان.

Ⅶعلى هذا النحو استبعد المعنيون بهذا الفن العتيد مركزية الشكل «الوزن والقافية» وخلصوا إلى أهمية المضمون «الذكرى والعاطفة والحكمة بأسلوب مدهش». وفي الحقيقة فإن أمير الشعراء لم يكن يعني اتخاذ الذكرى والعاطفة غرضاً للشعر وإنما رمى إلى إثارة لواعج الذكرى والشوق من خلال ما يقال شعراً، وبالتالي يمكننا أن نفهم بطريقة ما أن: الشعر هو الكلام المدهش المثمر الذي يثير مكنونات النفس «الأشواق والعواطف والذكريات».

Ⅶوفي الحقيقة فإن كل من قاربوا مفهوم الشعر وقعوا في لبس الخلط بين الشعر والقصيدة، بينما التفريق بينهما ضروري لوضع حد لمثل هذه البلبلة المتعلقة بتحديد مفهوم الشعر.

Ⅶ ويمكننا البناء على رأي كل من الزهاوي وشوقي لتأكيد أن الشعر شيء يثير العواطف ويستفز الأفكار، بينما القصيدة هي نظرية فلسفية لها مبدأ وغاية وملامح محددة. الشعر هو إثارة المشاعر والتفكير بشعور، والقصيدة هي تلك الشروط التي يقترح البعض أن يكون من بينها الوزن والقافية والبلاغة في التعبير وكثافة اللغة والإيجاز فيها.

بمعنى أن القصيدة يمكن أن تحقق ذاتها وتستوفي شروطها النظرية من دون أن تحتضن الشعر، فهي حينئذ كما قال شوقي مجرد «تقطيع وأوزان». وفي المقابل فإن الشعر بمعنى «الكلام الذي يثير كوامن الشوق ولوعج الذكرى ويوقظ الأفكار بما يقدمه من حكمة ورؤى فلسفية رقيقة بأسلوب الإيحاء لا التقرير»، يمكن أن يستوطن في الرواية، أو القصة القصيرة، فكم من رواية حققت متعة الشعر «لذة النص» بلغتها المكثفة ومعانيها المجنحة وحكمتها البالغة.

Ⅶنحن هنا ندعو إلى ضرورة فك الارتباط بين نظرية الشعر ونظرية القصيدة، من أجل تجلية الالتباس المزمن الذي يجعل البعض لا يعرف كيف يفرق بين الشعر وغير الشعر. أو لا يدري لماذا يعتبر نصاً ما شعراً وغيره لا.

Ⅶأحدهم قال لي يوماً أنا لا أعرف الشعر إلا بعد أن أسمعه أو أقرأه: فإذا دفعني لأن أقول: الله! لشدة ما يفاجئني به من أخيلة، فهو إذاً شعر صرف، وأما ما يعجبني حسن التفنن فيه وسمو معانيه وغاياته، فهو جنس آخر يجب أن يتخذ اسماً مختلفاً أو أنه درجة ما باتجاه الشعر الحقيقي.

Ⅶوعليه فإن القصيدة الواحدة يمكن أن تتضمن نقاطاً أو بؤراً شعرية متوهجة هنا وهناك، كما تنطوي على نقاط أخرى نظمية وأخرى جميلة.. الخ، فالقصيدة إنما هي حامل أو وعاء مخصوص يندر أن يحتوي خمرة الشعر صرفاً. الشعر حرون وجموح ويستحيل أن تسعه قصيدة.

Ⅶد. محمد سبيل

Email