شخصيات فاعلة خاطبت نقاط الضعف بخبرات عملية

ندرة جمهور الفعاليات الثقافية.. أفكــــــــار للخروج من الأزمة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ترى، ما الذي بقي من دور تلعبه المؤسسات الثقافية، إذا فشلت في توفير فضاء مشترك يجتمع ويتفاعل فيه المهتمون بالشأن الثقافي ليتبادلوا التجارب ولتتلاقح وتتخلّق أفكارهم حتى تنجز خصوبتها ونماءها؟..

وأين يذهب المبدعون بنتاجاتهم الأدبية والفنية والفكرية الجديدة إذا أرادوا أن يستعرضوها ويتحسسوا رأي الآخر فيها، ومن ثم يبلغوا رسائلها للمجتمع بغرض تفعيل قيمها الرؤيوية والتنويرية، إذا كانت مراكز الثقافة خاوية من الجمهور المتلقي، ولا يردد قصائد الشعراء ورؤى المبدعين فيها إلا صدى الجدران الأنيقة؟

مشكلة جفاف المؤسسات الثقافية من الجمهور تعتبر عقبة كأداء اليوم، تصيب القيّمين على تلك المؤسسات بالإحباط والارتباك، حيث لا يدرون ماذا يتعين عليهم فعله حتى يردوا الجمــهور إلى مقاعد الندوات والمـــحاضرات والمسرحيات والأمسيات الشعرية.. فلا منتديات بلا منتدين، ولا مراكز ثقافية بلا مثقفين.

أين ذهب الجمهور، ولماذا انفض السامر أصلاً؟ هل لأن منصات التواصل الاجتماعي قد ذهبت بهم كل مذهب، بعيداً عن الواقع الملموس، حيث استحوذت على وقتهم وشغفهم وهواياتهم جملة وتفصيلاً؟! هذا جائز طبعاً، ولكن آخرين يعللون الظاهرة بالاختناقات المرورية التي تثبط هممهم كلما عزموا على حضور فعالية لا تبعد عن بيوتهم سوى مسافة عشرة كيلومترات فقط، بينما تستغرق بالسيارة زمناً أطول من مدة الفعالية نفسها.

ومن جانب آخر يبرر بعض المهمومين هذا الانصراف بسبب ضعف الفعاليات نفسها، وخفة وزن المستضافين فيها جراء المجاملات والوساطات، وبالتالي تصبح مشكلة إدارة الأزمة في قلب العاصفة، إلا أن من أقوى المبررات ما يزعمه بعضهم بأن ثقافة الترفيه قد أخذت بشغاف الناس.

الجديد الذي تسهم به «البيان» اليوم عبر هذا الملف، ليس تشخيص الظاهرة، فتشخيصها منجز ومعروف.. الجديد هو سؤالنا الذي جعلناه مباشراً وبسيطاً هكذا: ما هي المقترحات والأفكار الخلاقة التي يمكن أن تسهم بها، لتجاوز هذه المشكلة المزمنة والمستعصية؟ ما الذي لم يفطن إليه المسؤولون في هذه المؤسسات؟

فكان هذا العصف الذهني الذي ننشره تالياً ههنا بعد أن نتقدم من جانبنا بملحوظات تصب في الهدف ذاته: إدارة الأزمة...

إذ لماذا لا تخرج المؤسسات الثقافية بأنشطتها النوعية نحو مظان كثافة الجمهور، مثل الجامعات وأندية القوات المسلحة والشرطة، فضلاً عن أندية الجاليات والمؤسسات الكبرى، شريطة اصطحاب مستضافين من العيار الثقيل، شعراء وعازفي عود وتشكيليين مرموقين ومفكرين وباحثين أكاديميين وأعمال مسرحية فائزة.. الخ، وعموماً، لقد كانت حصيلة استطلاعنا ما يلي:

الهوة والتقليد

الباحث والكاتب نجيب الشامسي، يأبى إلا أن يبدأ بتشخيص الحالة من جانبه فيقول:

على الرغم من جهود الدولة بحكومتها الاتحادية وحكوماتها المحلية المتمثلة في تأسيس مراكز ومؤسسات ثقافية وتنظيمها لمهرجانات ومعارض وندوات ولقاءات ومؤتمرات، إلا أن الفعل الثقافي لم يكن يسير بنفس وتيرة وسرعة الفعل المادي، فحدثت الهوة مع مرور الزمن، واتسعت.

لا سيما بعد أن تحول مفهوم الثقافة في المجتمع، خاصة لدى مؤسساتنا الثقافية كنوع من التقليد أو الوظيفة أو كمظاهر مكملة لما نشهده من تطور مادي، وحينما تتراجع القناعات بأهمية الثقافة باعتبارها أهم مفاصل العملية الإنتاجية والتطور والازدهار والتنمية وتحصين الإنسان والمجتمع، فإن تصدعاً خطيراً ما.. كان أمراً طبيعياً حدوثه بعد أكثر من ثلاثة عقود عانت خلالها الثقافة في ظل التنمية من اليتم والحرمان.

ويمضي الشامسي إلى القول: إذا كانت قناعتنا بالعمل الثقافي المؤسسي خلال سنوات التأسيس بأنه لم يكن يسير بنفس وتيرة العمل في المسارات المادية، وإذا كان اهتمامنا من خلال تلك السنوات مبنياً على أساس أن الفعل الثقافي أحد مظاهر التقدم المادي أكثر من كونه مطلباً مهماً في إحداث التنمية المنشودة، وهو إحدى أهم ضرورات المجتمع وأهم مفاصل العملية الإنتاجية.

فإنه من الطبيعي أن تصنع حصيلة العمل الثقافي لتلك السنوات تراجعاً في الوعي وسلبية لدى الفرد، الأمر الذي يحتم علينا تحديد الأسباب والعوامل المؤثرة في العمل الثقافي خلال مسيرة العقود الثلاثة الماضية لتحديد ماهية الخلل وأسبابه وسبل المواجهة والمعالجة، لعلنا نستطيع ترميم ذاتنا الثقافية وغربتنا الحقيقية قبل فوات الأوان.

تراجع الميل

ويؤكد نجيب الشامسي أن الميل نحو الثقافة في تراجع حالياً بشكل كبير أمام المناشط والفعاليات الثقافية التي تنظمها مؤسساتنا الثقافية رغم كل الإغراءات والدعوات التي تصلهم، فيما كان جمهور الثقافة في العقود الماضية يحجون إلى المؤسسات الثقافية رغم بعد المسافة وتواضع المكان وغياب المغريات، فتغص بهم الأماكن والصالات، فإن هذا الجمهور النوعي قد غاب والحضور تراجع.

الأمر الذي دفع ببعض المؤسسات إلى تقديم وجبات خفيفة /‏‏‏‏ دسمة عقب كل ندوة أو محاضرة لجذب جمهور (العدد) كي لا يفشل التنظيم ويقع المنظمون في إحراج أمام المحاضر ووسائل الإعلام، وربما من مبررات إحجام الجمهور نوعية البرامج الثقافية أو الانشغال بالبحث عن أسباب المعيشة.

وربما البعض يبحث عن ثقافة رخيصة يجدها في التلفزيونات والسينمات والمراكز التجارية، وربما يعزى السبب إلى التساؤل الذي يطرحه الإنسان على ذاته (لماذا يتعاطى الثقافة الجادة وهو لا يستطيع استثمار أو توظيف معطياتها في حياته أو يمارسها في مجتمعه وحياته؟!).

وأخيراً يتساءل نجيب الشامسي تمهيداً لاقتراح الحلول: هل نقنع بموسمية الثقافة، ونسلم بأن هناك فترة زمنية محددة، ربما لا تتجاوز الثلاثة أشهر للعطاء الثقافي؟! أم أن هذا دليل على أن القائمين على الثقافة أصبحوا يتعاطون الفعل الثقافي من منظور وظيفي فحسب؟!مقترحات جريئة

الإعلامية ميرة علي ترى أنه وبعد بناء الصروح العلمية ومنابر التنوير مع بدايات بناء الدولة، ونتيجة لقلة وسائل الإعلام المساعدة في إشاعة المعرفة، فقد حرصت وزارة الإعلام والثقافة حينها على نقل الثقافة إلى القرى النائية وإلى البوادي في كافة مناطق الدولة، وقد كان للقوافل الثقافية دور فاعل في استقطاب كثير من الناس إلى المسارح التابعة لوزارة الإعلام من أجل حضور الندوات والمحاضرات.

وبعد تخطي تلك المرحلة وتطور المجتمع حضارياً وثقافياً عبر عدة منافذ، على رأسها التقنية المعولمة وما فيها من تواصل لم يقرب بين أمكنة البشر فحسب، بل تعداه إلى الأزمنة، وعليه فإنه لا بد أن تكون هناك أجندة تثقيفية حقيقية وصارمة لتمريرها ثقافياً عبر وسيلة مباشرة ومن قبل كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وبالتنسيق مع الجهات الثقافية، والتي هي جزء لا يتجزأ من جهاز الدولة الإداري، ولتحقيق هذا الهدف ترى ميرة علي أنه لا بد من تضافر الجهود بقرار حكومي يلتزم به الجميع وعلى حسب الترتيب الثقافي وتنوعه وتوجهه.

وأن يتم إخطار الجهات المختلفة بمواعيد البرامج الثقافية وأن يمنح الموظفون في القطاعين العام والخاص ساعات يوقعون عليها بإمضاءاتهم داخل الصروح الثقافية، وأن تحتسب لهم فترة حضور الفعالية كنقاط تقدير، وأن يكافؤوا عليها كتحفيز، حتى وإن كانت الفعالية في المساء، فحضور الجمهور المشارك يمكن التثبت منه بسهولة، من خلال التواصل إلكترونياً مع الجهات المنظمة، لتخصم فترة الحضور من ساعات الدوام.

وتقترح ميرة أيضاً تفعيل الأنشطة الثقافية في مجالس الأعيان المعروفين ثقافياً، وتضيف أهمية تمرير إعلانات فعالة عن أوقات وأمكنة تلك الفــــــعاليات الثقافية، وتختم بالقول: أنا ومنذ أكثر من عشر سنين لم أشاهد إعلانات عن ندوة أو محاضرة أو دعوة للحضور والمشاركة، النخب فقط هم الذين يتبادلون بطاقات دعواتهم الثقافية.

خلل جذري

الشاعر كريم معتوق، أمير الشعراء في الدورة الأولى، ونائب رئيس اتحاد كتاب الإمارات في دورات سابقة، لا يبدو أقل جرأة في التصدي للمسألة المؤرقة، ففي نظره فإن هنالك خللاً جذرياً في نظام وأسلوب إدارة المؤسسات الثقافية، والحل في نظره يكمن في أن يقوم بإدارة المؤسسات الثقافية والجوائز الأدبية مبدعون وليس موظفين يشعرون بالقلق إزاء المبدع، ولا يريدون أن ينبهروا بأنواره.

ويستطرد كريم معتوق قائلاً: إن المشكلة تكمن في أولئك الموظفين الذين يريدون من خلال حصانة الوظيفة أن يكونوا أهم من المبدع، لذا تراهم يهتمون بالمبدع المستضاف من أماكن بعيدة ليرتفع معه اسمهم عربياً، فما قتل الثقافة إلا أنصاف الثقافة. يجب أن يقوم على أمر مؤسساتنا الثقافية مبدعون حقيقيون.

الإعداد والأهداف والعزيمة

الأديب الدكتور شهاب غانم، ينظر إلى الحل من زاوية مختلفة فيقول: لقد شاركت في أمسية إماراتية هندية ثقافية أقيمت في الأول من هذا الشهر باتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع دبي، وكانت القاعة ممتلئة عن آخرها، بل اضطر المنظمون لإحضار كراسي إضافية، وأخبرت أن الحضور كان ضعف المتوقع. إذاً فإن كثافة الحضور تعتمد على الفعالية وعلى المنظمين وحسن اختيارهم للمحاضرين والمتحدثين وحسن إعلانهم عن الفعالية والاتصال بالمهتمين لجذبهم للحضور.

ويمضي غانم قائلاً: في يوم السبت الرابع من فبراير كان هناك حفل لمهرجان «القلب الشاعري» السادس في الساعة الرابعة والنصف عقد في قاعة معهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية في المدينة الأكاديمية بقرب جامعة زايد وشارك في الحفل عشرة شعراء من جنسيات مختلفة وبلغات مختلفة، كما وكانت هناك بعض الفواصل الموسيقية والغنائية، وقد حضر الحفل أكثر من 450 شخصاً.

وفي اليوم التالي شارك شاعران فقط إضافة إلى 32 من الشعراء الطلبة من مختلف المدارس بالعربية والإنجليزية وضمنهم 4 من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث امتلأت القاعة بنحو 800 شخص، فهذا المهرجان قد حضر له جيداً منذ شهور وأعلن عنه، والحضور مجاني وأهدافه سامية تدعو إلى التسامح والسلام وحماية البيئة، وتجتذب الطلبة نحو الشعر والإبداع وتشجع ذوي الاحتياجات الخاصة.

ويضيف د. شهاب غانم: لا شك أن ازدحام الطرقات وصعوبة الوصول وكثرة الفعاليات الثقافية في الإمارات عوامل تؤدي إلى تقليل عدد الحضور لكثير من الفعاليات. ولكن الفعاليات الممتعة والمفيدة والمخطط لها بجد وصدق عزيمة يمكن أن تجذب الكثيرين وتكون في أقصى درجات النجاح.

كلام المجرب

الأديب أنور الخطيب، الذي كان فاعلاً طوال عقود في اللجان الثقافية لفرع اتحاد الكتاب بأبوظبي، يذهب مباشرة لاقتراح بعض الأفكار التي يصفها بأنها (أخلاقية - مهنية) لا تنفصل عن الأسباب الجوهرية للمشكلة، يقول: سأتحدث بشكل رئيس عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، لإحاطتي به، ومعايشتي لفعالياته على مدى ثلاثين عاماً. وإزاء ذلك أقترح ما يلي:

أولاً: أن يقوم إداريون «محترفون» بإدارة نشاط وفعاليات المؤسسات الثقافية ومن بينها اتحاد الكتاب، وتبقى مهام مجلس الإدارة منحصرة في رسم السياسات، شأنه شأن المؤسسات الأخرى، كي نتجنب تجيير الاتحاد لأشخاص معينين.

ثانياً: المحافظة على علاقة جيدة فيما بين مجلس الإدارة والكتاب في المقام الأول، إذ هناك شللية واضحة ومستشرية، ولهذا فهناك فجوة فيما بين 314 عضواً عاملاً ومنتسباً، «حسب إحصائية الموقع الإلكتروني للاتحاد»، وفيما بين هؤلاء الكتاب وبين المؤسسة الثقافية، ويكفي حضور نصف هؤلاء الأعضاء اجتماعات الجمعية العمومية والفعاليات.

ثالثاً: تكريس تقاليد حضارية تحافظ على كل من قدّم جهداً، إذ تنقطع علاقة أعضاء اللجان الثقافية فور انتهاء مهامها، كما يتم تجاهلها كأقلام مبدعة ومثقفة، وتأصيل هذه التقاليد من شأنه استدامة التواصل ونشر المحبة. فلا يحق لأحد أن يكون لديه تحفظات على أي كاتب تؤدي إلى استبعاده من الأنشطة، وهذا يحدث فعلاً، فكيف لا يشح الحضور؟!

رابعاً: تحرير النشاط الثقافي من الاستحواذ والاحتكار، من قبل نفر قليل من الأسماء. خامساً: إعادة إخراج الفعاليات الثقافية بأساليب عصرية واستخدام المؤثرات السمعية والبصرية. فلماذا لا تصاحب الموسيقى الأمسيات الشعرية والقصصية.

سادساً: خلق نجوم للساحة الثقافية، عن طريق تنشيط الإعلام الثقافي، فالبرامج الثقافية التلفزيونية شبه غائبة، وما هو متوفر يجتر نفسه إعداداً وتقديماً، وهناك حالة طلاق غير معلنة بين الإعلام الثقافي المكتوب والساحة المحلية، فالتغطيات تشبه مواد صحف الحائط.

سابعاً: أقترح في هذا السياق جائزة أدبية محلية تُمنح للمواطنين والوافدين، إضافة إلى تكريم المؤسسين ورواد الأدب، الذين لم يتعرف إليهم الجيل الحالي من الأدباء.

بعض المؤسسات تدار بطريقة كسولة

الأديب حارب الظاهري، كان رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في دورات سابقة، وهو يقول بصدد مشكلة عزوف الجمهور عن أنشطة المؤسسات الثقافية: الثقافة رقي ورؤى، وجملة من التفاصيل التي لا بد من المحافظة عليها كما لا بد من الاهتمام بالمثقف نفسه على السواء، من أجل ضمان استمرارية الموروث الثقافي، وبمعنى آخر، صيانة البنية الثقافية الحقيقية لا مجرد المفبركة الثقافية.

ويضيف حارب: في كثير من الأحيان فإن ما تطرحه المؤسسات الثقافية يكون بعيداً كل البعد عما يجاري المجتمع من تطورات ثقافية وإصدارات أدبية مهمة، ومما يؤسف له أنه تدار بعض المؤسسات بطريقة كسولة، غير مفكرة ولا تجذب المثقف ولا تقنعه بالحضور.

لذلك فإن المؤسسات الثقافية بحاجة إلى إدارة مثقفة غير تقليدية، بل إن الحضور بحاجة إلى رابط بينه وبين المؤسسة الوطنية التي هي بحاجة إلى الخروج من الجدران والأسوار إلى الفضاء والحدائق والمقاهي لأن مرتاد المنتديات لم يعد مبرمجاً كالسابق، ولَم يعد للمكان سحره اليومي الذي كان في الماضي، فقد أصبح الإنسان عبر هاتفه يختزل المسافات والرغبات.

ويقول: كما تقوم بعض الجهات بدعم الجانب الرياضي بأموال طائلة فلا بد من دعم المؤسسات الثقافية وتحفيزها من أجل إكمال مهمتها الثقافية.

العلة ليست في الجمهور

الكاتب عبدالإله عبدالقادر، المدير التنفيذي لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية يرى أن العلة ليست في الجمهور، إنما في عوامل عديدة كما يراها من خلال تجربته في العمل الثقافي الميداني وتتلخص في..

اختيار الفعالية الجيدة التي يعرف الجمهور أنه سيقضي معها وقتاً ممتعاً وجيداً ونشاطاً غير مكرر أو مستهلك.

ثم الإعلان الجيد لهذه الفعالية، وقد اختلفت وسائل الإعلام اليوم، فبعد أن كانت تعتمد على الصحف السيارة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي إحدى أهم وسائل الإعلان من فيسبوك، وتويتر، وانستجرام، وغير ذلك من الوسائل الحديثة، إضافة إلى الرسائل النصية بالهواتف النقالة، والبريد الإلكتروني.

موعد الفعالية لا بد من أن يكون مناسباً مع أوقات المدعوين، ولا بد من معرفة الرسالة ولمن توجه هذه الرسالة، أي المتلقي.. من هم المتلقون لهذه الرسالة وشريحتهم وتوجهاتهم وأعمارهم.

ثم لا بد من علاقة تبنى بين المكان والمتلقي أي أن يعرف الجمهور أن هذا المكان لا يستقطب إلا الأعمال المتميزة، وبمرور الزمن يؤمن الناس بالمكان، ولا بد من تفعيل المكان.

ثم لا بد من الجديد غير التقليدي، حيث إن الأنشطة التي تظل عارية من جمهورها هي تلك البائسة في محتواها وشخوصها ومن يقوم بإدارتها.

التفكير الجدي بحركة المرور ومحاولة أن تكون الفعالية خارج ساعة الاختناق المروري، كما لا بد من توفير مواقف السيارات إذ إن الناس يعتمدون على سياراتهم الخاصة.

إن الأنشطة اليوم تواجه تحديات كبيرة تتلخص في برامج التليفزيون والسينما وغير ذلك مما تم تحقيقه من منجزات في مجال الاتصالات والإعلام.

وفي نظر عبدالإله فإن هناك أنشطة ناجحة بجمهورها، يقول: لا أريد أن أسمي تلك الجهات التي نجحت أنشطتها المختلفة باستمرار موسمها الثقافي وتنوعه المنطقي ليتناسب مع مختلف الأذواق والمستويات.

هذه بعض النقاط التي ذكرتها، والتي أحرص عليها في الأنشطة التي أديرها، وقد استطعت استقطاب شرائح واسعة من الجمهور حتى المعارض التشكيلية أصبح لها جمهور واسع بعد أن كانت محدودة بالمهتمين الأساسيين.

عن اتحاد الأدباء

• من خلال تجربتي كمسؤول ثقافي في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، اكتشفت أن من أهم أسباب عزوف الجمهور عن حضور الأمسيات والندوات الثقافية فقدان عنصر الجاذبية في تلك الفعاليات.

• اتجهت إلى توفير عنصر الجاذبية هذا المفقود، وبالفعل نجحت مساعي مجلس الإدارة الحالي في تجاوز مشكلة الجمهور من خلال تبني فكرة مزج الفعاليات الأدبية والفكرية مع الأنشطة الفنية لتكوين جو ثقافي متكامل يمتاز بالتنوع والتعدد، وهذا من شأنه أن يخلق أمسية تشبه المهرجان المصغر، فمثلاً يتم استضافة معرض تشكيلي مترافق مع الأمسية القصصية، أو يتم اصطحاب موسيقى العود مع الأمسية الشعرية وهكذا تصبح الأمسية ملونة وأكثر إثارة ومتعة.

ثم من المعروف أن الشعوب العربية تحب الطرب، فلماذا لا نخاطب هذه الميول ونشبعها؟ والعرب يحبون الشعر الجميل؟

• نتيجة لهذه السياسات التي أسميها فن إدارة الجمهور، تغير الوضع في المقر الرئيس لاتحاد كتاب الإمارات، وبقية فروعه في أبوظبي ودبي ورأس الخيمة، ففي المقر الرئيس بالشارقة فتحنا طابقاً كاملاً لتنظيم الفعاليات وهي تحتضن الآن في المتوسط ما بين 50-80 شخصاً من الجمهور خلال الأنشطة المختلفة، وفي السابق كانت الأمسيات تقام في ممر يؤمه ثلاثون في أفضل الأحوال. ومعدل الحضور في مقرنا بأبوظبي الآن ما بين 30-40 شخصاً.

وفي دبي يصل عدد الحضور ما بين 50-90 شخصاً، وأشير إلى أن حضور أمسية الاحتفاء بتجربة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصل بالفعل إلى أكثر من 90 شخصاً. وفي رأس الخيمة فإن عدد الحضور ما بين 20-30 شخصاً.

• في حالة إقامة الورش والدورات الفنية والثقافية في أي من هذه الفروع، فإن الحضور يتجاوز المئة أحياناً.

• ومن جانب آخر، فإننا وضمن سياستنا الجديدة في إدارة الاتحاد الحالية، نسمح للشاعر الضيف بأن يحدد لنا من يراه مناسباً من أجل تقديمه للجمهور، فلا بأس في ذلك ولا عيب، بل حتى إذا اقترح ناقداً بعينه ليتحدث عن تجربته، لا نتحفظ أيضاً، لماذا؟ لأننا لم نستضفه لكي نحاكمه، وإنما اقتنعنا بمتميز تجربته وأنها تستحق الإضاءة والنقاش، وبوسع الجمهور أن يناقش الناقد بحرية تامة فيما ذهب إليه وهو مسؤول عما يطرح، وعليه أن يدافع عن تقييمه النقدي بموضوعية أمام الجمهور وجهاً لوجه وأمام الإعلام أيضاً.. لا عيب في ذلك.

• ختاماً أود أن أشير إلى أن الجمهور العربي عموماً متقلب المزاج، وله اتجاهات يصعب التخطيط لها وتوقعها بشكل دقيق، فمنهم من يحضر الأمسيات بحسب نوعية الحضور المتوقعين، بل قد يسأل بعضهم عمن سيحضر فإذا وجد أسماء من النخبة التي تناسبه فإنه يهب إلى الفعالية وإلا فلا.

• ثم قد يكون لتوفير بعض الخدمات المسلية مثل بعض المشروبات الباردة والساخنة والوجبات الخفيفة أثر في تشجيع البعض وذلك في إطار الكرم العربي المعروف. ولذلك ندعو إلى إيجاد رعاة دائمين للإنفاق على متطلبات نجاح الفعاليات بالنسبة للمؤسسات الثقافية الواقعة ضمن فئة الجمعيات ذات النفع العام.

رئيس اتحاد الكتاب فرع دبي

تجربة بيت الشعر

• الشاعر محمد البريكي، مدير بيت الشعر في الشارقة ينطلق من المحور الأساسي الذي طرحناه على الجميع وفحواه: أن مشكلة عزوف الجمهور عن حضور الفعاليات التي تنظمها المؤسسات الثقافية ماتزال تؤرق القائمين على أمر تلك المؤسسات التي باتت مهددة بتثبيط وظيفتها التنشيطية للحراك الثقافي ولتلاقح الأفكار وتحاور الأجيال.. والأسباب التي تساق لتبرير هذه الظاهرة عدة ومكررة ولكن ما هو الحل؟.. يقول البريكي:

• إن الثقافة طريق للمعرفة، وهي الجانب المشرق لبناء العقول على أساس متين في دروب النور من أجل الارتقاء بالنفس البشرية، فالعلم هو السد المنيع والحائط الصلب الذي يقاوم الجهل، وينشر قيم الجمال ويبني الحضارات ويرسخ اهتمام الأمم بالثقافة ويسهم بشكل كبير في رسم هويتها وتثبيت دعائم حضارتها والقضاء على الأمية التي تتسبب في هدم منجزاتها العظيمة، وبالتالي فإن الاعتناء بالثقافة وجعلها من الأولويات يحقق المنفعة والخير للأمم.

• والحقيقة أن الثقافة في حاجة إلى الدعم المادي والمعنوي، لكن هذا لا يكفي لصنع مشهد ثقافي فارق، ولتحقيق منجز معرفي خارق، فهناك عوامل كثيرة ووسائل عدة لبلوغ هذا الهدف، مثل تسخير الإمكانات وتوظيف الطاقات على أسس علمية ومعرفية، والفعاليات الثقافية المختلفة لها دور أيضاً في عملية التنوير، وقد عمق بيت الشعر في الشارقة تجربته الإبداعية، وداعب الجمهور عبر الأمسيات الشعرية التي يغامر فيها الشعراء بالكلمة المبدعة التي تصل إلى القلوب في سرعة البرق.

• تلك الوصفة الدائمة التي تتألف من خلطات طبيعية من الشعراء الأماجد، هي التي حفزت الجمهور إلى العودة إلى مقاعد الشعر والالتفاف حول مبدعي الكلمة، وهذا البيت الذي ملأ جوانبه نوراً وفكراً صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أصبح منارة للشعر ومنبراً للشعراء ودوحة للمحبين العارفين من عشاق الإبداع المتفرد، وعبر سنوات طويلة من تكريم الشعراء المبدعين وتتويجهم من خلال منصات راسخة لا يقف عليها إلا الذين يمتلكون عناصر الدهشة الحقيقية، استطاع بيت الشعر أن ينسج في المحيط العربي ضوءه المشع، وأن يؤسس لحياة شعرية جدية طرفها الشاعر الجيد والجمهور الواعي.

• ولعل الجمهور منذ أن كان الشعر، يبحث عن شيء يهز وجدانه، ويملأ أركان نفسه، ويشعل في داخله الأسئلة، لذا فلا يمكن لقاعة ما أن تمتلئ في محفل شعر، من دون أن يكون هناك شعراء يعرفون كلمة السر التي تتفتح لها أسارير الجماهير.

ولقد عرفنا شعراء أصحاب جماهيرية عريقة مثل نزار قباني ومحمود درويش وفاروق جويدة وعبدالرحمن الأبنودي وغازي القصيبي وغيرهم من شعراء العامية والفصحى، والجمهور دائماً يبحث عن هذه النوعية من الشعراء، ولا أقول إن الشعراء باعدوا بينهم وبين الجمهور، لكن أعتقد أن سوء التنظيم وسوء الاختيار وعدم القدرة على فهم الذوق العام وتقدير الذائقة، هو الذي جعل هناك بوناً شديداً وفراقاً ملحاً بين قاعات الشعر والجمهور الذواق.

مدير بيت الشعر في الشارقة

تأملات رئيس جمعية التشكيليين.. بيــن تحليــــل الظــــــــــــــــــــــــــــــــــاهرة وإحالاتها

يشاركنا الملف الفنان ناصر عبد الله، رئيس مجلس إدارة جمعية التشكيليين الإماراتيين بما يلي:

أطراف هذه القضية هم: المثقف والمؤسسات الثقافية والمتلقين بأنواعهم، وبالتأكيد فهم ليسوا وحدهم، إذ هناك أيضاً وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي والمقتنون «في حالة اللوحات التشكيلية» والداعمون والرعاة وغيرهم وهؤلاء هم أكثر الأطراف المؤثرة في حراك المشهد الثقافي.

المثقف باعتباره السبب الرئيس لوجود هذه المساحة المشتركة من خلال إنتاجه للثقافة سواء أكانت لوحة أو قصيدة أو فنًا أدائيًا أو غير ذلك من أشكال الفنون والثقافة، أعتقد أننا في مجتمع ناشئ ثقافيًا وعلى المثقف المساهمة في الارتقاء بالمتلقي للوصول به إلى مستوى يمكنه من إدراك مضامين المنتج الثقافي، وهذه عملية بعيدة المدى، وتحتاج إلى جهد كبير لتمكن الأجيال القادمة من إدراك الثقافة والتفاعل معها، وهنا يبرز سؤال «النخبوية»، فهل الفن منتج نخبوي؟

أم على الفنان التواصل مع الجمهور بأدوات وأفكار بسيطة تمكنهم من استيعاب فنه؟ وأعتقد أن النوع الأخير هو الأكثر جاذبية لجمهور المتلقين من العامة، ويمكن تلمس ذلك من خلال التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تجد الفنان البسيط الذي ينتج فنًا جميلاً سهل الفهم يلقى أغلب التفاعل، والمتابعات، في مقابل أن الشخص الذي يقدم الفن الذي يحمل في طياته شيئاً من الفلسفة، التي يخالها أغلب العامة نوعاً من التعقيد، فإنه يلقى كمًا أقل بكثير من التفاعل والتواصل.

المؤسسة الرسمية

أحد الأطراف المهمة أيضاً في عملية إنتاج الفن والثقافة هي المؤسسات الثقافية، وعلينا هنا أن نشير إلى طبيعة المؤسسات المجودة في الساحة، فهناك المؤسسة الحكومية والمؤسسة ذات النفع العام أو غير الربحية والمؤسسة الخاصة، ولكل منها دور مختلف.

فالمؤسسة الحكومية يجب عليها تحمل الدور التشريعي والتنظيمي إضافة إلى الدعم اللوجستي الذي يسهل من إنتاج الفن والثقافة التي تشكل واجهة حضارية للبلد، ونتميز في دولة الإمارات العربية المتحدة بوجود عدد كبير من المؤسسات الحكومية المشتغلة في المجال الثقافي بسبب الطبيعة السياسية للبلد فإضافة إلى وزارة الثقافة وتنمية المعرفة نجد أن كل إمارة تضم مؤسسة تعنى بالثقافة باختلاف مستوى الاهتمام والدعم حسب توجهات الإمارة.

أعتقد أن واحدًا من الأدوار الرئيسة للمؤسسات الحكومية هو خلق بيئة مبتكرة ومحفزة لاستقطاب عامة الجمهور من أفراد المجتمع بكافة أطيافه من خلال إيجاد قنوات للتواصل والتفاعل الثقافي والفني التي تجعل الثقافة جزءاً من الممارسة والحياة اليومية.

ولكن ما نواجهه هنا هو أن هذه المؤسسات الرسمية تقوم بدور غير دورها، فهي تتبنى إقامة الفعاليات والأنشطة وللأسف أيضًا تقوم بها بشكل تقليدي ومكرر، يجعل منها مملة وغير مجدية في استمالة عامة الجمهور، وهي بذلك تأخذ دور المؤسسات الأخرى ذات النفع العام والخاصة ولكنها لا تجيد هذا الدور مقارنة بما يحققه القطاع الخاص على وجه الخصوص.

المؤسسة الأهلية

ثم يأتي دور المؤسسات ذات النفع العام، والتي تتخذ الإطار الاجتماعي منهجًا لعملها، وغالبًا ما تضم الجهود الفردية والمحاولات الجادة لتطوير الثقافة والفن لغاية الفن في ذاته، بعيدًا عن أي مؤثرات، نظرًا لطبيعة المؤسسات التي تتمتع بشيء من الاستقلالية التي تجعلها أكثر حرية في الإنتاج الفني، أعتقد أن دور هذه المؤسسات وتوجهها يجب أن يكون فيه جانب من التخصصية في استقطاب نوع معين من الجمهور، فهي تستقطب المتخصصين والمشتغلين بالثقافة، وهي أيضًا لا تقوم بهذا الدور بالشكل المناسب.

فهي تحاول استقطاب العامة ونشر الثقافة الفنية في المجتمع ولكن مع القصور الحالي في الموارد المادية والبشرية والأزمة العامة في التشريعات المتعلقة بتنظيم المؤسسات ذات النفع العام لأنها غير قادرة على القيام بهذا الدور، وبالتالي نشهد القصور في دورها الأساسي المتعلق بالارتقاء بالمنتج الثقافي.

المؤسسة الخاصة

من بعد ذلك تأتي المؤسسات الخاصة، وهي التي أسهمت وبشكل كبير في تحويل الفن والثقافة إلى سوق تجاري، وعلى الرغم من أهمية هذا السوق في خلق الفرص للفنانين، إلا أن له آثاراً سلبية في توجيه الثقافة وتحولها إلى سلعة مناسبة للبيع، دون النظر إلى قيمتها ومحتواها وأثرها الفني.

ومن هنا تقوم هذه المؤسسات وأعني التجارية منها بالترويج للأعمال التي يمكن بيعها وتسويقها للمقتنين، فهي تستهدف البيع بشكل أساسي وليست هذه إشكالية بقدر ما أنها لا تشترك في تنمية المشهد بأي شكل من الأشكال، إلا من بعض المؤسسات التي تتخذ جانب المسؤولية المجتمعية واحداً من أهدافها العامة.

وما أدراك ما الترفيه

تلقى الثقافة الرصينة التي يقدمها الفنان المجتهد والمؤسسات سواءً الحكومية أو ذات النفع العام أو الخاصة منافسة شديدة من قبل قطاع الترفيه والذي استطاع في العقد الأخير، أن يصبح الشغل الشاغل للسواد الأعظم من المجتمعات بل وأصبح المستهلك الأكبر للوقت من خلال مجموعة كبيرة ومتنوعة من القنوات التي يظهر لنا جديدها في كل يوم مستفيدة من التفجر التكنولوجي المستمر.

ولعل قصة السينما وتحولها من الفن السابع إلى وسيلة ترفيه نموذج جيد للتعلم والاستفادة من الجوانب الإيجابية منها، فعندما بدأت السينما كانت العروض عبارة عن حدث ثقافي واجتماعي وكانت تستقطب النخب من أفراد المجتمع، وذلك إلى أن جاء اختراع التلفزيون الذي اعتبر منافسًا للسينما وبداية لعصر الترفيه الشخصي.

وعلى الرغم من المقاومة المستميتة لصناع السينما حينها للإبقاء على أولوية السينما وأحقيتها في الريادة كونها فناً عميقاً وأصيلاً إلا أنهم عجزوا عن ذلك فاتخذوا أسلوبًا آخر ألا وهو المشاركة في صناعة الترفيه وأن تصبح السينما جزءًا من هذه السوق وهو ما خلق للسينما الاستمرارية.

Email