كيف شكلت القراءة حياتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعبت القراءة دوراً مهماً في محطة من محطات حياتي؛ ففي الصغر اعتاد والديَّ أن يقرآ لي كل يوم، وكنا جميعنا نتردد على المكتبة العامة بانتظام، وتوفرت لدينا في البيت مجموعة جيدة من الكتب، التي تضم الأعمال الكلاسيكية العظيمة، والأعمال الروائية المعاصرة، والسير، ومؤلفات التاريخ، وكتب الطهو، إضافة لموسوعة كبيرة، ذات أجزاء متعددة.

كانت هدايا أعياد الميلاد، والأعياد المختلفة كتباً! وقد كانت تلك الكتب رفيقي الدائم، منذ أن تفتحت عيناي على النور، وقد أدركت منذ نعومة أظفاري أن الكتاب شرفتي لعالم المعرفة الثرية، فبين دفتيه يتنفس العلم والأدب، وشتى ضروب الفنون والمعرفة، فهناك ملايين الكتب، التي تزخر بكل الأفكار والموضوعات، التي عرفتها البشرية.

وعندما أصبحت أماً، أدركت أن الكتاب أفضل هدية يمكن أن نهديها لأبنائنا، لأن دورها في التنمية الفكرية كبير، وأثرها لا يزول؛ والكتب تطلق العنان لمخيلة الأطفال، وتأخذهم معها لكل بقاع الكون، وتزودهم بالمعرفة الثرية، وتلامس مكامن الإحساس والعطف لديهم، وتعزز تعاطفهم مع محيطهم.

وتنبه فيهم الإحساس المتيقظ، بما يحدث من حولهم؛ ومتعة القراءة متعة لا تدانيها متعة، ولا تجاريها سعادة، فالأطفال تغمرهم السعادة المطلقة، عند قراءة الكتب، أو عندما يصغون لمن يقرأ لهم، وربما يكون ذلك أعظم دور تقوم به القراءة.

لكل طفل اهتمامات وتطلعات، وكل طفل يتوق لمطالعة الكتب، التي توفر له المتعة، وتمده بالمعلومات، وعلى الأسرة أن توفر مجموعة متنوعة من الكتب، حتى يتمكن أطفالها من الاختيار، ومن معايشة الفرح، الذي تحضنه دفتا الكتاب، الكتاب المناسب في الوقت المناسب!

ولا بد لي أن أنوه بدور المُدرس وأمين المكتبة في ترسيخ محبة المطالعة في نفوس الأطفال، وجعلهم قرّاء مواظبين على القراءة.

أول كتاب قرأته كان «الحديقة السرية» للكاتبة المبدعة فرانسيس هودسون برنيت، وهو من أعمال الأطفال الكلاسيكية، سكنتني رحلة البطلة اليتيمة «ماري لينوكس» من الهند إلى يوركشاير لتعيش في كنف عمها غريب الأطوار، الذي لم تلتق به من قبل. كانت مريم طفلة مدللة نكدة، سليطة اللسان، ولكن بفضل الشخصيات المحيطة بها تغيرت كثيراً، وأصبحت بطلة حقيقية.

وما زلت أتذكر تعلقي الكبير بشخصية ديكون، الذي يمضي جلّ يومه في الحقول، والمستنقعات ليتعرف على الحيوانات، ويتبعها إلى مخابئها، وها أنا أشاهد عبر نفق الزمن الطفلة، التي كنتها وهي تسارع بلهفة، تقلب الصفحات لمعرفة ماذا سيحدث.

وتوطد عشقي للكتب، بل غدا أكثر توقداً، ففي كل مرة اكتشف كاتباً جديداً، أو كتاباً جديداً، يغدو الكاتب كاتبي المفضل، وكذا الكتاب، وتعيش معي الشخصيات لفترة طويلة، ربما أكثر من الحبكة القصصية، إذ تظل حية في وجداني حتى بعد أن ينوء الكتاب بعبء الغبار على رف الكتب.

عندما قدمت إلى دبي منذ سنوات طويلة، أحضرت معي كل كتبي، أغلى ما أملك.

وقبل أن أغادر كامبريدج، المملكة المتحدة. أهداني صديق للأسرة كبير في السن- كان قد قدم إلى دبي عن طريق طائرة مائية هبطت في دبي عام 1936 وهو في طريقه إلى الهند- كتاباً من تأليف أحد أصدقائه، بعنوان «الرمال العربية»، والمؤلف هو الرحالة المعروف «ويلفريد ثيسيجر».

كان الكتاب غاية في الروعة، تعرفت فيه على رحلة ثيسيجر في جميع أنحاء الربع الخالي، وعلى احترامه وتقديره لحياة البدو، وكرمهم، وسعة صدرهم، وقد ساعدني الكتاب على تفهم ثقافة وشعب البلد، الذي أفخر بأن يكون لي وطناً.

هذا هو الأثر العظيم للكتب، فامنحوا الكتب فرصة، لتلعب دوراً في حياتكم.. وسوف تشهدون التغيير بأنفسكم!

إيزابيل أبو الهول - الرئيسة التنفيذية وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإمارات للآداب ومديرة مهرجان طيران الإمارات للآداب

Email