أشعار ممزوجة بالشكوى والهجاء والدهشة

كيد النساء.. مُلهم ينتزع آهات الشعراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت المرأة دائماً شاغل المبدعين من شعراء وكُتَّاب وفنانين، لتتهادى في أشعارهم حمامة سلامٍ مرة، وطائر وقواقٍ مخادعاً مرةً أخرى، وتنساب في بحورهم كحورية بحرٍ رقيقة، أو كسمكة قرش مفترسة، وفي لوحات الرسامين كانت لوحةً فنية حاضرة بكل تفاصيلها، إما بألوان هادئة تشبه لون السماء، أو بسوادٍ طاغٍ يخطف الأنفاس.

ولطالما ألهم جمال المرأة الشعراء، الذين نهلوا منه فأثروا دواوينهم بأرق الكلمات والمشاعر، ولكنهم في المقابل، لم يغفلوا عن مكرها وكيدها، ليجدوا وحي إلهام آخر، يبث في دواخلهم طاقة إبداعية جديدة انبعثت على شكل هجاء، أو شكوى، أو آهات، أو دهشة نابعة من معاناة.

ذكاء وفطنة

أشعار كثيرة تعاملت مع كيد النساء على كونه مكراً وخداعاً، فيما تعامل آخرون معه على أنه ذكاء ينتصر للمرأة الساعية للحصول على حقها بحيل ذكية، لتكون معذورة في ذلك، كونها الطرف الأضعف في معادلة المجتمع العربي الذي ينحاز للذكر ويسيطر فيه الرجل على المرأة، لتكون هي الضعيفة المنكسرة.

ومنذ قديم الزمان، وكيد النساء يلاحق الرجال، ففي العصر الجاهلي انبرى لسان الشاعر علقمة الفحل كجرحه، ليعبر عن وجعه من صدهن، إذ قال:

فإن تسألوني في النساء فإنني.. خبير بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قل ما له.. فليس له من وِدهن نصيب

وفي ترجمته لكتاب «ألف ليلة وليلة» قال ابن المقفع: «لا تأمنن إلى النساء.. ولا تثق بعهودهن.. فرضاؤهن وسخطهن معلق بصدورهن.. يبدين وداً كاذباً والغدر حشو ثيابهن.. بحديث يوسف فاعتبر.. متحذراً من كيدهن.. أو ما ترى إبليس.. أخرج آدم من أجلهن».

قسوة وتبرير

وأثار محمود عباس العقاد آراءً متباينة بشعره الذي تطرق فيه لكيد النساء ومكرهن بحدة، لدرجةٍ يشعر معها القارئ بأن الكلمات تتفجر قسوة وقهراً، إذ قال: «خَلِّ الملامَ فليس يثنيها.. حُبُّ الخداع طبيعة فيها.. هو سترها وطلاءُ زينتها.. ورياضة للنفس تحييها.. وسلاحها فيما تكيد به.. من يصطفيها أو يعاديها.. وهو انتقامُ الضعيف ينقذها.. من طول ذلٍ بات يشقيها».

ورغم اتهامه المباشر لها بالخداع، إلا أنه وضع مبرراً لها يتمثل في رغبتها في الانتقام من الذل الذي طال تعرضها له من قِبل الرجل.

رجاحة وفصاحة

ورغم القصص الكثيرة التي تحفل بها الكتب عن كيد النساء، كانت المرأة حاضرة بوفائها وحبها وإخلاصها ورجاحة عقلها وفطنتها وفصاحتها، ووقوفها مع زوجها في السراء والضراء، وقد تغنى كثير من الشعراء والأدباء بها شعراً ونثراً، وأبدعوا في وصفها ونظم صفاتها في أبيات شعر منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا.

لؤلؤة القصائد

ولم تكن المرأة يوماً إلا ملهمة الشعراء، ولؤلؤة القصائد، فعلى أطلالها وقف أبرز الشعراء، وعلى فراقها بكت أعينهم، ولم يقتصر تغني الشعراء بالحبيبة فقط، إذ حظيت الأم والأخت والابنة بمكانة مميزة في دواوين الشعر، لا سيما في الشعر المعاصر، وتجسد ذلك في أشعار الكثيرين.

بذل وتضحية

رغم بعض الأشعار التي انتقصت من قيمة المرأة وتعاملت معها كجسدٍ، إلا أن الكثير منها عكسها برقي وأناقة كهدفٍ سام يسعى إليه الرجل باذلاً ومضحياً بكل ما يملك، وهو ما تجلى في شعر أبو فراس الحمداني الذي قال:

تسائلني من أنت وهي عليمة.. وهل لفتى مثلي على حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى.. قتيلك قالت أيهم فهم كثر

Email