جمال الشقصي: عدتُ من أوسع الأبواب

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يتتبع مسيرة الشاعر جمال الشقصي ويقرأ كلماته من خلال القصائد التي يكتبها أو آراءه التي يقدمها، لا بد وأن يعي أنه يقف أمام شاعر مختلف جداً، بأسلوبه ومنهجه الذي قد لا يشبه أحداً من بني جيله.. وقد أعاده مهرجان الشارقة للشعر الشعبي للظهور والانخراط في الساحة، بعد فترة انعزال أحد أسبابها رحيل صديقه الشاعر حمد الخروصي. ويحكي الشاعر في حواره مع «البيان »، عن غيابه وأمور أخرى كثيرة تمس الشأن الشعري والثقافي العام.

كيف يجيب الشاعر جمال الشقصي عن كل من يتساءل عن غيابه عن الساحة ؟

ليس الشاعر بمنأى عن الدورة الاعتيادية للحياة الطبيعية.. كلما دارت عجلة التطور الاجتماعي ازدادت في المقابل مسؤولية الفرد تجاه ذاته وبيته ومجتمعه، وإزاء هذا التطور تنشأ بداهةً ما يمكن أن نطلق عليها رغبة الارتقاء عند كل فردٍ ينتسب بتجربته الشخصية لمنظومة الأدب الشامل، ومؤكد أن الشاعر وعلى مرّ الأزمنة هو العنصر الأهم في هذه المنظومة.

وطبعاً، من طبيعة أي شاعر أن يعيش في أكثر المجتمعات تمدناً وتقدماً أن يقلّص من حضوره المنبريّ وتنخفض منشوراته عن السابق، وأنا أعمل على توزيع ما وهبني الله من قدرات أو مهارات لكي أفعّل بهما وجودي كفردٍ يساهم بإيجابية في مجالات وطنية أخرى، تجعل مني فرداً فاعلاً بمنهجه وأسلوبه، لينال شهادة استحقاق العيش في أرقى المجتمعات الحضارية على مستوى العالم، هو مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة.

رثاء من نوع خاص

كنت صديقاً مقرباً للشاعر الراحل حمد الخروصي، حدثنا عن علاقتك به كشاعر، وكيف أثر رحيله عليك، وهل ذاك الرحيل هو سبب غيابك طوال هذه الفترة؟

إن رحيل حمد الخروصي هو الشعرة التي قصمت ظهر احتفائي الشعري وحيوية حضوري ومتابعتي وحماسي في السياق. وركنتُ إلى عزلة قاسية جراء رحيله الفجائي المفجع، ومازلت أرزح تحت سقف الصمت مسورا بالغياب الذي يقصيني بعيداً جداً عن بؤرة الحدث والتفاعل. لن تسعفني اللغة في التعبير عن الفقد الذي خلّفه رحيل هذا الإنسان المتميز في فكره، والنوراني في تكوينه.

لم يكتفِ حمد بكتابة القصيدة كالبقية، ولكنه قضى عقديه الأخيرين كأنه المشّاء يضرب رمل وحجر الأقاصي بحثاً عن فكرة الخلاص للجوامد والمنسيين والمهمشين على أرصفة الحياة. عاهدتُ نفسي ما حييت أن ألزم الصلوات طلباً للشفاعة على روح حمد، وأن أكثر لأجله الدعاء بالرحمة والمغفرة عوضاً عن تكريمه بالانتحاب وبالتباكي، أو برثائه خلف المنابر وفوق نواصي النشر.

تحضر لكتابة ديوان يتناول سيرة الخروصي، حدثنا عنه...

ظهرت عدة كتب في الخصوص.. يشكر عليها الجامع والناشر. ورصدت هذه الكتب أعمال الخروصي التي نشرها طوال مسيرته المضيئة على هيئة مقال أدبي ودراسات أخرى كان قد وثق بها الشاعر الراحل لتاريخ الأدب الشعبي في المنطقة.

أما ديوانه الشعري فهو بين يدي منذ فترة، أنجزت جمعه وفهرسته وأعكف على تدقيق محتواه، وآثرت العمل على توثيقه بأقصى درجة من الإتقان والدقة، وآمل أن يظهر للناس بالوقت المناسب، وموعد إصداره سيحدد من قبل أبناء المرحوم وإخوته وأصدقائه كما صرح حمد الخروصي بذلك قبل أن يتوفاه الله.

فخر

شاركت، أخيراً، وبعد غياب، في الأمسية الافتتاحية في مهرجان الشارقة للشعر الشعبي، كيف ترى هذه المشاركة بعد هذا الغياب!؟

إنها نيشان ووسام شرف يتقلدهما كائنٌ من كان وهو يستقي الأدب والمعرفة من جنبات هذا الحدث الثقافي الكبير.

وكيف لا أشعر بالفخر وبالاعتزاز وقد وقع اختياري للمشاركة في أمسية الافتتاح؟ هنا وجب تقديم صادق عبارات الشكر والتقدير والامتنان لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، الذي جعل من مهرجان الشعر الشعبي منارة ومحجاً ثقافياً. كما وجب شكر جميع القائمين على هذا المهرجان، وعليّ القول إن عودتي للظهور بعد غياب وانقطاع جاءت من أوسع الأبواب، لما يحظى به هذا المهرجان من قيـــمة إبداعية في وجدان الأمة.

بعد هذه المسيرة.. أين هو الديوان الشعري الخاص بك، أو أنك لا تعترف بالدواوين؟

القصيدة نفسها التي أضاءت في ذاتي فانوساً يرشدني إلى تجربتي الشعرية الخاصة، أنارت لي وجهة البحث عن جماليات الشعر في تجربة الآخر.

أنا منشغل بالقراءة والاطلاع في مختلف الأدبيات، وأكتب عن الشعر أكثر عن انشغالي بكتابته، وإن ساورني الحنين وعاد بي الزمان لأمنيات الشاعر القديم الحالم، عندها سأتحدث عن إصدار يوثق تجربتي، أما اليوم فالتأمل في شعرية الآخر ملاذي، وكفى.

أين يجد نفسه جمال الشقصي؟

أجــــدني أتلمس طــــريقي لنيــل مكـــانة تخـــــلد لي ذِكراً في وجدان الأمــــة، وأسعى جاهداً أن أجد هذه المكــــانة في وجــدان القـــلة الهائلــة من أهـــل الــذائقة الحالمة، سواء جاءت بفضل القصـــيدة أم نتـــيجة تجربة جادة في أي مجال أدبي آخــــر أخـــوضه بحــرفية وإتقان، فأنا أسير مقتدياً بــــقولة أحد الفلاسفة: (خيرٌ للمرء أن يتجشم المــــشقة الكبـــيرة في عمل دراسة جادة، مـــن أن يُلفـّق بعـــض الأناقة التي تتملق الجمهور).

Email