Ⅶشباب@قصة

«لكن» تسيطر على أحلامنا

شيماء المرزوقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

استمراراً لالتزام «البيان» بدعم الأقلام المبدعة الشابة، وتعزيزاً لمكانة القصة القصيرة، كفن أدبي مرموق يحمل أفكار وتطلعات الأدباء الجدد، نخصص هذه المساحة الثابتة، كل خميس، لنشر نص قصصي جديد في صفحة الثقافة، وندعو الجميع للمشاركة بأعمالهم المميزة الجديدة.

عندما كنت في تلك الحديقة بعد الظهيرة، استلقيت واضعاً معدات التنظيف جانباً، لآخذ قسطاً من الراحة، بدأت التفكير طويلاً واضعاً يديّ خلف رأسي، وبعد سبات لا أعرف كم قضيت فيه، أيقظني رجلٌ ذو وجه عطوف قائلاً: ما بك يا أخي؟

- أنهكني العمل فاستلقيت لأجمع طاقتي..

- ولماذا جعلت هذا العمل مصدر رزقك؟ ألم تفكر يوماً لماذا وضعت نفسك في هذا الشقاء؟

- هذا قدري وهذه لقمتي، وفاتني الزمن لألحقه.

- معظمنا يعيش حياته معتقداً أنه ليس لديه الوقت الكافي لاسترجاع ما مضى، نعرقل أنفسنا ونستعمل كلمات كما لو أنه فاتنا العمر، كما لو أننا نقضي حياتنا نائمين، نبحث عن أشياء تحطم أحلامنا وتقضي عليها، هناك الكثير من الأشياء التي كنت تود إنجازها في صغرك، أماكن تريد زيارتها، أشياء تحب تجربتها، ولكننا نعتقد بأن أوراق الزمن انتهت، معظم الناس يعيشون حياتهم بصمت وأمان وسكينة حتى ينتهوا إلى القبر.

- وماذا تتوقع من عامل خمسيني فشل بحياته، أنت تتفوه بالمثاليات، كن واقعياً...

- أنت جربت شعور الفشل، ولكن هذا لا يجعل منك فاشلاً، يوجد فرق كبير بين أن تفشل وأن تكون فاشلاً، قد يحدث أن الجهد لا يثمر شيئاً، ولا يؤدي إلى النتائج المرجوة، ولكن لا تخلط بين النتائج وبين ما أنت عليه، ابذل أقصى جهدك بما تملك من إمكانيات، أعرف دائماً أنه مهما كان فأنت تستحق الأفضل، لماذا؟

لا تقرر الآن بأن توسع عالمك إذا كان الآخرون قادرين على التعلم، وأن يكونوا الأفضل، فأنت بمقدورك ذلك أيضاً، إذا كنت ترى أن طموحاتك اندثرت تحت رمال العمر، فاجعل ما تبقى منه هدفاً لك وابدأ من جديد، التحدي يكمن في الاستمرار.

، إذا تشبثت بحلمك، فسأقول لك إن العالم كله معك، عليك أن تعلم إذا لم تقرر العمل على أهدافك الماضية وطموحاتك، وإذا لم تتخذ قراراً بأخذ زمام المبادرة وأن تعيش حياتك، إذا لم تقرر مواجهة مخاوفك، إذا لم تقرر أن تقول «نعم» للحياة، فلن تسير الأمور معك بشكل جيد، ستعيش ما بداخلك أنت، فالحياة قصيرة ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث فيها، هناك يوم غد، ولكن لا شيء يضمن لك أنك سترى الغد..

أجبته والحيرة قد تملكتني وتزاحمت التساؤلات في ذهني، وبادرته قائلاً:

- وما الذي سيجعلني أبدأ؟ ومن أين سأبدأ؟ إن هذه المهنة هي الوحيدة التي سأبقى محافظاً عليها...

أجابني بكل هدوء وبرود:

- هنالك دائماً شيء ما يبرر لك لماذا لا يمكنك التقدم؟ لماذا وضعت في هذا المكان؟ واتخذته راحة لك، لماذا لا تبدأ في عيش حياتك وفقاً لشروطك الخاصة؟

أجبته مقاطعاً حديثه:

- لا تستحق العناء...

- نعم، أنت على حق، ولكن تذكر دائماً أن هناك عبارة على وجهك تقول: ارجع للوراء، ونم في الحدائق بجانبك أدوات التنظيف.

أنزلت رأسي خجلاً... وفي هذه الأثناء عاد يواصل حديثه قائلاً:

- لذا إذا كنت تريد أن تفعل شيئاً، وإذا فكرت في شيء، تريد القيام به، فاعزم على ذلك، ولن تبقى الحياة كما هي، عش حلمك...

أجبته ساخراً وبتهكم:

- وهل تظن أن حياة واحدة، قادرة على إنجاز جميع أحلامي التي لا تنتهي؟

- نعم من الممكن، ولكن السؤال المهم الذي يجب أن تسأله لنفسك، هل اتخذت قرارك؟..

بعد برهة من الصمت والتفكير، سألته:

- من أين أبدأ؟

صمت هو الآخر قليلاً قبل أن يجيبني قائلاً:

-إن سمحت لكلمة «لكن» أن تسيطر على أحلامك فستبقى محشوراً في غرفة الهوان والذلة، فقد حشرت الكثير من الناس الذين يقولون هذه الكلمة، «لكن» التي ستساعد على الاختباء وراء الخوف وستوفر لك كل أنواع الأعذار، كما لو كنت غير قادر على الإنجاز أو التحكم في حلمك، إنها الكلمة التي تقتل الأحلام والأهداف، إنها الكلمة التي كنت تستعملها كثيراً حتى أوصلتك إلى هنا.

نهض الرجل المسن، وذهب، متمنياً لي الخير، تاركاً بعضاً من الطعام، بعد لحظات من مغادرته، تناولت مكنسة وأدوات التنظيف، لإكمال حياتي.

 

Email