رائعة شعرية تحمل قيماً سامية

قصيدة محمد بن راشد المحاورة من انتصار إلى نابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت قصيدة «المحاورة.. من انتصار إلى نابي» التي نشرها، أمس، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إعجاب أعداد واسعة من الشعراء الإماراتيين والخليجيين، حيث طرقت مجالاً فريداً بين أغراض الشعر، فضلاً عن الشكل الفني المميز لها، فقد استخدم سموه التعبير عن خلجات نفس الخيول العربية الأصيلة، وغيرتها على صاحبها وعزمها على تحقيق النصر دائماً في حوار فيما بينها يحمل قيماً سامية ومعاني جميلة، وفي ذلك احترام مستبطن لمكانة الخيل في قلوب الفرسان الذين يمثلهم هنا الشاعر وهو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي شارك بخواطر نفسه الشفيفة وخياله الخصب في الحوارية ذاتها التي جرت بين خيوله الثلاثة.

قصة القصيدة

لقصيدة «المحاورة.. من انتصار إلى نابي» حكاية تبدأ من قرار لجنة الفحص البيطري، استبعاد مشاركة اثنين من خيول سموه، وهما «انتصار» و«نابي» في سباق كأس محمد بن راشد آل مكتوم للقدرة الذي جرى في 7 يناير الجاري بمضمار القدرة بسيح السلم، وهو قرار أيده سموه مراعاة للاعتبارات التي رأتها اللجنة ولمصلحة الخيول.

الجوادان «انتصار ونابي» كانا من بين أهم المرشحين للفوز بالكأس، نظراً لميزاتهما المعروفة، خاصة في السباقات المفتوحة، والتي تزيد على المائة كيلومتر في عرض الصحراء.

وبالفعل فاز الجواد «رساس» لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بكأس السباق، حيث قطع مسافة 160 كليومتراً في 6 ساعات و43 دقيقة و27 ثانية وحصل على الكأس.

ولكن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بإحساسه الشاعري وقلبه المرهف، استشعر غياب «انتصار» و«نابي» عن المسابقة التي لابد أنهما كانا ينتظرانها بفارغ الصبر، ولكنهما حرما من الخوض في التحدي الذي يليق بهما، ولابد أنهما آسفان لهذا الغياب القهري بأمر الطبيب، ولذلك فسموه يشاطرهما مشاعر الحزن كما يواسيهما ويعلم إخلاصهما له واشتياقهما لتحقيق النصر حتى تقر عين سيدهما الفارس المحب لخيوله.

«البيان» تابعت أثر هذه المشاعر النبيلة ورصدت تجاوب الشعراء وعشاق الشعر والخيل والبيداء، واستنطقت بعضهم فكان الحصاد التالي:

علي السبعان: محمد بن راشد.. عاشق الخيل ورائد «الأنسنة»

يتجلّى في قصيدة «المحاورة: من انتصار إلى نابي..» ملمح مهم من ملامح النهج الشعري لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هو «الأنسنة»، فالشيخ محمد شاعر «يؤنسن» المخلوقات والأشياء في قصيدته، ويبث فيها من روحه وأريحيته وألقه، وكثيراً ما يجد القارئ هذا الملمح في قصائد سموه، بل إنه يتجاوز ذلك إلى استنطاق الجماد وأنسنته، فمثلاً في قصيدته «من الرويس إلى ليوا»، يستعير سموه للعلاقة بين المكانين مشاعر إنسانية مثل «المودة»، ويلبس تلك الأماكن والتضاريس سجايا بشرية خالصة مثل «الشهامة» و«المروءة»، والأمر ذاته يظهر في قصيدة (يا علمنا)، حيث يخاطب العلم بصفته كائناً قادراً على السماع، وأكثر من ذلك قادر على القيام بالفعل من ذاته دون الحاجة إلى محرك.

وقد أوردت الأمثلة الماضية حتى لا يُظَنّ أن هذه «الأنسنة» الشعرية تقتصر على «الخيل» في قصائد سموه، وهو الفارس الذي عرف عنه عشق «العاديات» والولع بصفاتها. ولعل سموه في القصيدة التي بين أيدينا أراد أن يعتذر لـ«انتصار ونابي» على طريقته، وربما أراد أن يجيب، على طريقته أيضاً، على تساؤلات كثيرة، تدور بين عشاق الفروسية والمتابعين لها، حول استبعاد «انتصار ونابي»، كما أنها شهادة ونبوءة في حق «رسّاس» الذي يعدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مزاياه ويجدد ثقته به، ويتنبأ له بانتصارات مدوية، والمتأمل للقصيدة يجد المحاورة بين (انتصار) و(نابي) تكاد تكون مجرد تمهيد وتوطئة للأبيات التي أتت على لسان صاحب السمو الشيخ محمد و«رساس»، فهي الرسالة الأساسية التي أراد الشاعر إيضاحها وضمّنها رأيه ورهانه وتحديه، وقد تضمنت إجابات شافية ومبررات مقنعة لكل من تساءل أو قد يتساءل مستقبلاً، عن المقصود من أي تغييرات طرأت أو ستطرأ مستقبلاً، على استراتيجيات مربط صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.

الكعبي: أخذتنا المحاورة إلى الميدان وغبار حوافر العاديات

هنا سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يرسم مشهداً حوارياً راقياً، يؤنسن الحيوان ليجعله ينطق شعراً، ويعبر عن الشعور الداخلي للخيل وما يدور في خلده.

أخذتنا هذه المحاورة الشعرية التي يتحدث فيها أكثر من مطرف إلى ميدان السباق وغبار حوافر العاديات وصوت صهيلها، وهي تمني نفسها بالفوز والنصر.

المشهد الحواري يدور بكل ود بين أطراف تتلاقى في الطموح والأماني والرغبات التي لم تتحقق سابقاً ليتداركوا أسبابها ويضعوا لها العلاج.

الحوار في البداية بين «انتصار» و«نابي»، حوار يجعل من يقرأ الأبيات يعيش الحدث ويتفاعل معه.

«انتصار» يسأل «نابي» لماذا لم نحقق النصر في الميدان ونحن خيول أصيلة يشهد لفعلها القاصي والداني، مع الخلل الذي حدث والذي جعلنا متأخرين في تحقيق الفوز.

حديث ذو شجون به عتاب من محب إلى محب.

الحوار الثاني رد «نابي» على «انتصار»، ليقول له إن من يمتلك ناصية الأمر، ويعلم الفروسية وبواطنها، يدرك أن النصر قادم وأن الفوز لناظره لقريب.

مهما حصل من تطور في الخيول الأخرى، فسيدي محمد بن راشد فارس من الطراز الأول، وسيضع علاجاً مناسباً في يوم السباق وبنظرته الثاقبة سننال الناموس يا «انتصار».

والحوار في المشهد الثالث بين سمو الشيخ محمد بن راشد والجوادين «نابي» و«انتصار»، ليقف الشيخ محمد هنا قاطعاً الشك باليقين في مشهد ترتفع فيه الطموحات والآمال.

فيقول سيدي الشيخ محمد، إنني جهزت خيلاً أصيلة تبهر الجميع وتلفت الأنظار، إنه «رساس» المجهز ليقف على المنصة منذ الصغر، وهو معتاد على كسب الشارات والتحديات، إنه العقاب الصياد الذي لا يهاب يرد ولا يصد.

ونأتي في الحوار الأخير ليرد «رساس» الجميل إلى صاحبه، ويقول له في حديث مشوق إنه تعلم منه الفروسية بمعانيها وأخلاقها، ويؤكد له أنه على قدر الأماني والطموح وجاهز ليوم السباق، وسوف يشهد كل من في الميدان أنني سأهدي الكأس والسيف إلى من تعود وعودني على كسبها، إنه سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.

لتنتهي الحوارية الرائعة بتصفيق الجمهور ونبضات القلوب بالفرح وجباه شامخة بالعزة والمجد، وصدور متشحة بالنصر والناموس.

نحن هنا في هذه المحاورة كشعراء، عشنا في مسرح كبير ومشاهد تمثيلية في غاية السبك والرقي، وأدركنا قرب الفارس من روح فرسه وإحساسه بها، ومحاورته لها بحديث شجي فيه روح العطف والرحمة والتشجيع، ليؤكد مرة أخرى سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أن للشعر سمواً أخلاقياً يحمل معاني التسامح والعلاقة بين الحيوان والإنسان، وأن كل ما في الطبيعة يحس ويسمع ويرى كالإنسان تماماً.

ذياب المزروعي: سموه يسطر صفحة تكشف عن شيمه في التعامل مع غير العاقل

 كما عودنا دائماً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، جاءت حواريته الشعرية مميزة وطريفة وهادفة، وهي تتعلق بمخلوقات كريمة ومقدرة في الشرع الإسلامي والعرف العربي، هي الخيل، وليس يخفى على ذي بصيرة، خصوصية العلاقة التي تربط سموه بالخيل وهو الفارس الذي لا يشق له غبار، ورث تلك الهواية من أسلافه وتعلق بها منذ نعومة أظفاره، وخبر ميادينها وحقق فيها إنجازات عالمية تسجل بماء الذهب وتخلّد في سجل التاريخ.

واللافت للنظر أن شخصيات هذه المحاورة «انتصار – نابي – رساس»، هي من نوادر الخيل التي حقق بها صاحب السمو الشيخ محمد نتائج مميزة، وأحرز على صهواتها قصب السبق في مسابقات عدة، وقد كرمها سموه في هذه القصيدة، بالانتصار لها وإدارة الحوار على ألسنتها، في مزيج من العتب اللطيف والاستنكار المؤدب من قبل الحصانين «انتصار» و«نابي» لاستبعادهما، على الرغم من تاريخهما المجيد في ميادين البطولات، وجاء الرد من سموه على لسانه شخصياً، ثم على لسان الحصان «رساس» الذي حقق البطولة وأعلن التحدي، ووعد بالانتصاف لفارسه ولرفاق دربه بتحقيق المزيد من البطولات، والانفرادات على منصات التتويج، ولا شك أن في هذه اللفتة من سموه تكريماً معنوياً للخيل، لم يسبقه إليه أحد، وهو الحاكم الذي عرف عنه عدله وتواضعه ورفقه بشعبه، كما هو القائد الذي عرف عنه حنكته وإنسانيته في التعامل مع مرؤوسيه، وها هو اليوم يسطر صفحة جديدة تكشف عن شيمه في التعامل مع مخلوقات هي في نظر الناس غير عاقلة! وهذا أمر لا يستغرب على قائد فذ ونادر، تعامل مع «الحجر» بإنسانية وجمال أثمرت كائناً قوامه الصخر والرمل والماء، لكنه نابض بالحياة والجمال، وأعني بهذا الكائن إمارة دبي.

الخوار: من حقنا أن نفخر بأن لدينا قائداً فارساً شاعراً في حناياه هذه الرحمة

قصيدة «المحاورة.. من انتصار إلى نابي» التي صاغها شعراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وغرّد بها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، تبين مدى عمق الصلة والمحبة المتبادلة بينه وبين خيوله، فلم يخطر في بال شاعر من قبل أن يكتب على لسان خيله ويحاورها بلغة شاعرية وصياغة شعرية جزلة كما فعل الشيخ محمد بن راشد، وهُنا بإمكاننا الغوص في إنسانية هذا القائد الفارس الشاعر الإنسان، لنكتشف عالم الرحمة والحب في قلبه، فكأنه لم يهن على سموّه استبعاد «انتصار ونابي» من المنافسة، فحاول أن يواسيهما من خلال هذه المحاورة الشعرية التي أجراها بينهما، ثم أضاف رأيه ورؤيته ومبرراته الناتجة عن خبرة وبعد نظر، ليبرر هذا الاستبعاد، وفي الوقت نفسه ليشد من أزر «رساس» وعزيمته، وهو الذي رشحه سموّه للسباق، واستطاع الشيخ محمد أيضاً أن ينتزع وعداً من «رساس» ببذل كل ما لديه لانتزاع الصدارة والكأس، وهذا ليس بالغريب على سموّه، فهذه صفات الفارس الشاعر النبيل، وما يثبت لنا مدى علاقته الوطيدة وتعلقه الشديد بخيله، هو ذلك البيت الذي كتبه في مناسبة سابقة وتحدث فيه بكل حب عن هذه العلاقة، حيث قال سموّه:

وخيلي هِي الخَيل وآنا لعوقها دِكتور

أفهــــم عليها.. وتِفهم لِي وتِقرا لي

ونحن كإماراتيين من حقنا أن نفخر بأن لدينا قائداً فارساً شاعراً، يحمل في حناياه هذه الرحمة والإنسانية، فإذا كانت هذه معاملته مع خيوله، فكيف هي معاملته مع شعبه الذي أحبه، ولا يسعنا إلا أن نقول: «صح لسانك، وأطال الله في عمرك، وحفظك لنا قائداً وشاعراً وفارساً لا يُشق له غبار، وفالك الناموس إن شاء الله».

فاطمة الحاي: سموه حول قيثارة الحياة إلى قصائد تبقى للتاريخ

هذه قصيدة جعلت الخيول والكثبان ترتوي من شعاع الشمس في «أيقونة العالم»، وتحتفي بإنجازات وعطاءات شكلتها ومضات فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، والخيول شرارة الشهاب وبشارة السحاب، وأما ميادين التحدي فقد جعلها سموه تغازل الشمس والسحاب ليلاً ونهاراً، فتحولت اليقظة والحلم إلى إنجازات وبطولات كبرى. وهذا حاله أيضاً في ميدان الخيول حين يعتلي المراتب الأولى مبكراً بما يبهر الناس ويثير إعجاب مواطنيه وفخرهم، إنه القائد الذي يحقق لنا استدامة الفخر والفرح وكفى.

شيخة الجابري: محمد بن راشد استنطق الخيل منتصراً للشعر

كعادته وهو الفارس الشاعر، يأتي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بقصيدته ممتطياً ناصية الشعر متجاوزاً بها التقليدي والمعتاد من القوافي، في قصيدة على لسان الخيل، وللخيل ما لها من قيمة وحظوة ومحبة ومهابة واحترام وتقدير في روح سموه وقلبه.

والقصيدة التي تأتي كحوار أو محاورة بين ثلاث خيول لسموه، كان من المفترض أن تشارك في سباق لم يحظ فيه اثنان منهما بالمشاركة، وكان أن أثر ذلك في نفسيهما وهما يعرفان أي قوة وفراسة وقدرة يمتلكان لينتزعا الفوز، ولكن الأقدار شاءت غير ذلك، فجلس الاثنان يتنادمان ويتناجيان ويتحفزان للرد شعراً على صديقهما وراعيهما وحبيبهما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، فجاءت المحاورة بينهما من أبدع ما قيل في الشعر، وأروع ما نُسج من قصيد، هو صفوة الشعر وتاجه المزدان بالإبداع.

انظر إلى انتصار وما يقوله لنابي: «وانا وانته لي شراةْ الشهابي/نهجم ونرجم فعلنا من يوازيه» هنا الثقة في القدرات، تأتي في تشبيه بليغ «كالشهابي»، ومعروف ما للشهب من سرعة ومقدرة على اختراق الفضاء، ويأتي رد «نابي» بعد أن سأله انتصار قائلاً: «أظن بين الصافنات اضطرابِ/ والشيخ هذا الحال ما عاد يخفيه»، انظر الحكمة هنا، الخيل تطمئن بعضها إلى أن صاحب السمو لا يخفى عليه شيء في هذا المضمار وهو صاحب السبق فيه، فكأنه يقول لصاحبه لا نخشى شيئاً ما دمنا في كنفه وتحت رعايته، فهو الخبير الذي يستطيع استيعاب وتفهم ما حدث.

ثم ينساب الرد رقراقاً، قوياً، هادراً، واثقاً من صاحب السمو على انتصار ونابي، ويطمئنهما بأنهما وإن لم يوفقا في المشاركة، فإن هناك من يستطيع انتزاع الفوز، فقد جهز «رساس» ليأتي بالعلم اليقين الذي يبز المتسابقين، وأن سموه يعتبر نفسه قد دخل المعركة ببطل جديد، وأنه واثق من النصر، حيث يقول: يا خيل هذا اليوم فيه احترابِ/ وأنا لهذا اليوم أقبل تحدّيه جهزت له رساس ظفرٍ ونابِ/ عن الأوليّه دوم ماشيْ يثْنيه، أي ثقة هذه، وأي قوة شعرية تجعل للحروف صهيلاً واحتفالاً، وانتصاراً، واحتفاء يختتمه «رساس» بالتأكيد على أنه رهن إشارة الفارس المقدام، والشاعر الهمام الذي يروم ما لا يُرام، فيعدُ سموه بالفوز والنصر المؤزر الذي يدخل السرور في نفس صاحب السمو وروحه، ويؤكد بعد نظره، وقوة ثقته فيما يملك من خيول اعتادت اعتلاء منصات التتويج والفخر.

Email