عندما بكى الروبوت وأبكاني.. قصة تلخص مسـتقبلنا المحتمل

زكريا عيد والروبوت الذي أجهش بالبكاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

حول محور الملف، يشاركنا الباحث والناقد زكريا عيد، بتقرير ماتع يسرد قصة حقيقية حدثت بينه وبين روبوت في دبي إذ يقول زكريا عيد:

كان توماس فراي - المدير التنفيذي وكبير الباحثين في معهد دافينشي بالولايات المتحدة - هو المتحدث الرئيس في الجلسة الأولى ضمن فعاليات (مؤتمر المعرفة 2016) الذي عقد في دبي في شهر ديسمبر الماضي. وكان عنوان تلك الجلسة (ماذا يخبئ لنا المستقبل؟!)، وتوماس فراي - لمن لا يعرفه - هو مؤلف كتاب شهير صدر عام 2011 تحت عنوان: التواصل مع المستقبل. وأزعم أن معظم الذين حضروا تلك الجلسة ندموا على ذلك. فقد بشرنا الرجل بأن أكثر من ملياري وظيفة سوف تختفي بحلول العام 2030، ونصحنا أن نبدأ بالتفكير في وظائف جديدة، مستشهداً ببحث صادر عن جامعة أكسفورد يقول: إن التقنيات المستقبلية سوف تستحوذ على 47% من الوظائف الموجودة اليوم، وسوف تشهد كل القطاعات صعوبات وعراقيل عدة في المستقبل وأشار إلى محطات التزود بالوقود ومراكز الخدمة وأماكن صف السيارات وخدمة المساعدة على الطريق، وأوضح أنه نتيجة لكل ذلك سوف يتم إعادة تصميم السيارات والمباني كلها ستختفى، وأن شكل المدن سيتغير .

ومضى فراي بعزم لا يلين ينسف كل الهياكل والأطر التي تحيط بنا ونعيش فيها وأنحى باللائمة على طريقة تفكيرنا كبشر - وهو هنا يتحدث عن البشر بشكل عام وفي كل مكان - ويقول «نحن مجتمع ينظر إلى الوراء ونفكر في الماضي ونعرف الكثير عن الماضي والتاريخ أكثر من الحاضر لأنها تعد طبيعة بشرية».

ويرى أن الحل هو «أن نصنع المستقبل أولاً في أذهاننا حتى يتم اتخاذ القرارات المناسبة بناءً على ذلك». وهو متفائل بأن هذا يمكن أن يحدث عندما يتم استخدام الروبوتات على نطاق واسع وبهذا يتم تحرير رأس المال البشري، ويتفرغ الإنسان للتفكير والإبداع والابتكار. ولنا أن نسأل كيف يتم هذا عندما تصبح الملايين من دون عمل، خاصة وقد ذكر أن أكثر من ملياري وظيفة سوف تختفى بحلول العام 2030؟! في الاستراحة، كانت في انتظاري مفاجأة أخرى، فقد وجدت عدداً كبيراً من الحضور يلتف حول (روبوت) ويتحدثون معه، ناداني صديقي خ ع- الذي كان محبطاً مثلي من الجلسة السابقة - لتحية (الروبوت) والسلام عليه، فعلت ذلك متردداً، فقد وقر في ذهني أنه رجل يرتدي زي روبوت، ولم أصدق تأكيد صديقي أن من سلمت عليه وحادثته هو روبوت حقيقي حتى بعد أن أشار إلى أن له ثلاثة أصابع فقط، لأنه كان يرد التحية بطريقة صحيحة.

في استراحة اليوم التالي تعمدت أن أذهب إليه، سألته عن اسمه فقال اسمي (روبوت) ثم سألته أسئلة عدة أجاب عنها إجابات طبيعية جداً وأخيراً قلت له: اسمع أنا لا أصدق أنك (روبوت)، فكرر الجملة صحيحة «لا تصدق أنني روبوت. وقال بدهشة و استنكار»: إذاً من أنا؟! قلت: أنت إنسان.. عندئذ حدث مالا يصدقه عقل، فقد حاولت تهدئته، ولكنه استدار عني واتكأ على طاولة أو صندوق كان خلفه وأخذ يبكى بكاءً مراً، ويكرر أنا إنسان..! أنا إنسان..! عقدت المفاجأة لساني، ولم أدر للحظات ماذا أفعل. ووجدتني رغماً عنى أبكي أنا أيضاً تأثراً بما حدث. طوال هذا الوقت كان الحضور يحيطون بنا ويتابعون كل ما حدث، وهذا ما زاد من تأثري واضطرابي. أخيراً استطعت السيطرة على أعصابي وهدأ هو أيضاً عندما قلت له إنني كنت أمزح معه. وفي اليوم الثالث تجنبت أن أحادثه أو أقترب منه، ولكنه لمحني من بعيد، فاقترب مني وحياني: كيف حالك أيها الرجل الطيب؟ هل تستمتع بوقتك؟ ألا تود أن تتصور معي؟ انصرفت عن مكان وجوده.

يختم زكريا عيد خواطره تلك بالقول: هذا مؤشر على الفجوة التي تزداد على مر الأيام بين العقل البشري والعقل الإلكتروني والتقنيات العلمية. ولعل هذا أيضاً يجيب عن السؤال الآخر: لماذا بكيت أنا؟ بالتأكيد - حتى دون وعي مني - بكيت على المصير البائس المؤلم الذي انتهى إليه العقل البشري في صراعه المحسوم مع العقل الإلكتروني والتقنيات العلمية، فعندما بكى الروبوت وأبكاني استشرفت لمن حسم الصراع.

Email