حبر وعطر

علي السبعان: طقوس إبداع الشعر كذبة صدقناها

ت + ت - الحجم الطبيعي

«شاعر ساخر يجيد تغليف المبكيات بـشوكولا الضحكة المرة». هكذا يصف الأديب والإعلامي السعودي علي السبعان، نفسه في حواره مع «البيان».

ويوضح أن أقرب قصائده إلى قلبه، هي الأخيرة، كما يؤكد أن الطقوس الخاصة بالشعر ما هي إلا كذبة. فالقصيدة الحقيقية تفرض نفسها. ويبرر السبعان غيابه عن ساحة «تويتر» الإبداعية، بأنها لا تناسبه شخصياً، فمثل هذه المواقع لحظية.. بينما القصيدة في عرفه وإيمانه، (صرخة طويلة الأمد). وهو، طبقاً لقوله، شاعر (وجع) بالدرجة الأولى وشاعر (مدّاح) إن أراد ذلك، وإن أحب الممدوح.

أين هو الشاعر علي السبعان؟

منذ كنت منخرطاً في حيثيات العمل الإعلامي وأنا قليل الظهور، وإن لم أكن قليل الحضور، فأنا أحب أن يتسيّد عملي المشهد فيما أراقب من زاوية خافتة الإضاءة. وكشاعر، طالما قدمت قصيدتي لأتوارى خلفها. حالياً أنا أقف على خط التماس، بين الساحتين الفنية والشعرية، ذلك بعد أن أسست مع الصديق الشاعر سلطان مجلي، شركة «سمارت منجمنت»، المعنية بإدارة حضور المبدعين في مجالات الفن والثقافة، حيث تتولى إدارة علاقاتهم الإعلامية وتشرف على إصداراتهم الفنية والأدبية، وتقدم لهم المشورة في المجال، ذلك انطلاقاً من رصيد خبرتينا في الحقل، اللتين تمتدان إلى العشرين عاماً.

نهج خاطئ

ربما أنك أقل الشعراء تفاعلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لماذا؟

إن الشعراء والمثقفين حمّلوا وسائل التواصل الاجتماعي فوق ما تحتمل، وتعاملوا معها كبديل لوسائل الإعلام، وهذا أمر غير صحيح. وفي رأيي لن يستمر ذلك طويلاً، فمن منطلق فهمي الشخصي لهذه المواقع أجد أنها مواقع «لحظية»، تقدم ردة فعل آنية تجاه «حدث» أو تتيح التعليق على «حادثة» ما، فالرسالة على «تويتر» تسمى «تغريدة»، بينما القصيدة في جوهرها هي صرخة طويلة الأمد، لذلك كنت ـ ولا أزال ـ أتعامل مع القصيدة ووسائل التواصل على هذا الأساس نفسه. وللسبب نفسه فإني أغيب عن «تويتر» وأخواته في غياب «الحدث» أو في حال لم يكن لدي «تعليق».

لا شروط أخرى

لمَ لمْ تصدر ديوانك الشعري حتى الآن، بل اكتفيت بكتابك (سبعانيات)؟

ديواني ينتظر جهة تتكفل بطباعته وتوزيعه، بالشكل الذي يتوقعه المبدع لمنجزٍ أدبي أعمَلَ فيه فكره وأفنى شبابه في تدوينه وأذاب في حبره شوارد فكره وتجليات روحه. وبعد ذلك لا أشترط شيئاً، ذلك وإن كنت أرى للشاعر حقاً في أن يتقاضى نظيراً مادياً لا يقل عن ما يتقاضاه المبدعون في مجال الرواية أو أي مجال أدبي آخر.

لمن تقرأ؟

لدي مناعة ضد الأسماء، اليوم أنا أقرأ ما يلذّ لي وتستسيغه ذائقتي، بغض النظر عن المردود المعرفي المنتظر. في مراحل سابقة جربت أن أقرأ «ما ينصح به الطبيب» فوجدت في ذلك مضيعة لوقتي وقسراً لذائقتي يشبه ما تمارسه وزارات التعليم في المناهج، واكتشفت مع تلك الحال، أنني لم أستفد يوماً من كتابٍ تعاطيته على طريقة «الدواء المر» الذي تستساغ مرارته طلباً لنفعه، لذلك أقول الحقيقة: لم أعد أقرأ إلا ما يعجبني.

ما أقرب قصائدك إليك؟

لو سألتني: ما هي «أبعد» قصائدك عنك لكانت الإجابة أسهل، مع أني لم أكن لأجيبك على أية حال. بشكل عام، أظن أن قصائد الشاعر الأخيرة هي الأقرب إليه، ولعل الشاعر كالشمس تدور حوله قصائده في مدارات «إهليجية» تبعاً «لمزاجيته»، بمعنى أنها تقترب وتبتعد متأثرة بقضيتها والحالة الروحية التي يعيشها شاعرها.

أساس

أي الطقوس يمارسها السبعان في كتابة القصيدة، ومتى تكون القصيدة بالنسبة له مكتملة؟

لا أؤمن بطقوس الشعر والشعراء. أعتقد أن بعضهم كذب الكذبة وصدقها، وهناك، في رأيي، قصيدتان، إحداهما - وهي الحقيقية ـ تأتي بلا طقوس ومن دون استئذان فتفرض نفسها على الشاعر فرضاً، والأخرى - وهي الموسومة بالالتزام - يتوسل الشاعر ابتكار الطقوس ليستدرجها. إن الشاعر الحقيقي المتمكن من أدواته يستطيع أن يوقع قصيدته العادية في حبائل الشعر الحق، لتصبح هي الأخرى قصيدةً حقيقية، ذلك إذا نفخ فيها من روح شعره وسحر بيانه وقوة تأملاته.

ما الغرض الشعري الذي يبدع فيه علي السبعان؟

أظنني إلى الوجع أقرب.. ومع ذلك فأنا «مدّاحٌ» إذا أحببت الممدوح وأشبَعتْ ذائقتي سجاياه، فأنا لا أمدح إلا من أحبه، وأرى نفسي شاعراً ساخراً يجيد تغليف المبكيات بشوكولا الضحكة المرّة، وربما كنت أجيد الهجاء لولا أني لا أستسيغه أخلاقياً.. على كل حال، أعتقد أن إبداع الشاعر في غرضٍ شعري معين لا علاقة له بطبيعة الغرض ولا بطبيعة الشاعر، وإنما القضية مجرد اعتياد وتراكم خبرات، فكلما كتب الشاعر في غرض ما ازدادت خبرته فيه وازداد اقتناعه واقتناع الآخرين بما يكتبه في هذا الباب، فلا يلبث الشاعر أن يلبس «طربوش» هذا الغرض حتى تأتي لحظة لا يعرف رأسه من دونه.

ديمومة تأثر وتأثير

بمن تأثرت خلال مسيرتك الشعرية؟

إنهم كثيرون. وأزعم أني لا أزال قابلاً للتأثر. بدأتُ خوض ميدان الشعر متأثراً بوالدي، أطال الله في عمره. ثم سافرت في متاهات القصيدة، فأسلمت ذائقتي لمئات الشعراء متجاوزاً حواجز الزمان والمكان واللغة. فعلت ذلك كثيراً حتى اعتدت العثور على الجمال دون أن أصطدم بالحواجز التي يراها الآخرون حوله، وكثيراً ما وجدت الجمال حيث لا أتوقعه، وأحياناً حيث لا أتمناه. الشاعر ربما يتأثر بشاعر أقل منه شاعرية، وقد يتتلمذ في مدرسة لا يتجاوز عمرها رُبع عمر تجربته. وفي الواقع فإن قدَر الشاعر - الصادق مع نفسه - يجعله دائماً في مهب ريحٍ جديدة تؤثر فيه وتستفزه، هذا إذا أراد أن يبقى مؤثراً وحياً في قلوب الناس وذاكرة الأجيال.

أثواب جديدة

كيف هو حال القصيدة الشعرية في ظل ندرة المطبوعات الشعبية، خصوصاً وأنك عملت في الصحافة الشعبية؟

القصيدة بخير، فهي لم تولد من رحم الصحافة الشعبية ولن يكون مصيرها مرتبطاً بها.. بالنسبة للصحافة الشعبية فإنها مرت بصدمة ظهور الإعلام الجديد ولم تجِد التعامل مع الحالة فانهزمت. شخصياً، أعتقد أن هذه الهزيمة وهمية وستسترد الصحافة الشعبية رشدها وقوتها فتعود. لا أقول ستعود كما كانت، بالوهج أو الآليات نفسها، ولكنها ستعود وستبدل جلدها وأثوابها فتطوّر آلياتها وتستعيد ألقها بشكل ما مغاير.

عملت فترة طويلة مع الشاعر سيف السعدي. ماذا عن أثر هذه التجربة في شخصيتك وفي مكون إبداعك؟

يقال إنه من غير الإنصاف الحكم على تجربة ما قبل اكتمالها، وتجربتي مع الأخ سيف السعدي حية ومستمرة. عرفته شاعراً ثم تعرفت إليه صديقاً قبل أن تجمعنا مهنة المتاعب. ثم تركت له متاعب المهنة لأكسبه أخاً وصديقاً وشاعراً فذاً من جديد، «بوحمد» حالة خصوصاً عصية على التعبير، ولا يمكن اختصارها في إجابة، ومن الصعب تعريف مجموعة الاتفاقات المتناقضة أو التناقضات المتفقة - إن شئتِ - التي تجمعني برجلٍ مثله.

صفحة أسبوعية متخصصة بأخبار الشعر والشعراء تصدر كل أحد

Email