اختيار

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن لدي طموح، بل لم أكن أعرف معنىً لهذه الكلمة، وفي الحقيقة لم يكن لدي أي رغبة في أي تميّز، ولا يوجد لدي شغف بأن أحقق أي تقدم أو أحصد أي نجاح.. كل الذي كنت أهدف إليه، وببساطة متناهية، أن أنام.. ففي النوم أجد ذاتي وأشعر بكياني، وفي هذه المساحة تتحقق كل غاية، وكل هدف، ودون عناء، أو صعاب، والأهم دون غضب أحد، أو مساعدة من أحد.

ثم لماذا أحاول في الواقع أن أنجح وأن أبذل الجهد للتميز؟ وجميع هذه الجوانب أجدها في أحلامي، أقصد أنني أجد الاحتفاء من جميع الأطياف، وأعيش لذة التفوق والنجاح مع جميع الخيالات، وفيها أحلق وأملك السعادة.. في أحلامي لا أشاهد عيوناً غاضبة، ولا أوجهاً متذمرة، ولا همساً ولا لمزاً ضدي، لا أسمع أصواتاً خافتة تشكك أو تقلل من قيمتي.. كل الذي أعيشه عالم وردي خلاب جميل.

ثم ما هو الفرق بين الواقع القاسي، المحمل بالتناقضات والويلات، وأيضاً بالعنف، وبين الأحلام، التي تزورك بطيف أبيض جميل، ولا تجد فيها منغصات ولا أحزاناً؟

الواقع والحلم يتشابهان في كثير من الجوانب، وهذا دليل أنهما خياران لنا، نستطيع أن نقرر أيهما أنفع وأصلح لنا، على سبيل المثال، في أحيان يتحول الحلم الجميل إلى كابوس مرير وعنيف ومؤلم، وفي أحيان أيضاً يتحول الواقع ليكون جميلاً وآسراً، ومثالياً.. ولكن لا الحلم يبقى كابوساً بشكل دائم، ولا الواقع يكون زاهراً وجميلاً دائماً.

البعض يحبون أن يعيشوا في الواقع، وهذا خيارهم، أما أنا فقد اخترت حياة الحلم، وهذا خياري. رغم هذا لست سعيداً بشكل دائم، لأنني أفتقد أمي، الجميع أجدهم في حلمي، عدا أمي لا تزورني، ولا تشاركني قصصي البطولية ولا مغامراتي الناجحة، عندما أستيقظ من النوم أكره نفسي تماماً، لأنني أكره هذا الواقع، لكنني أجد بعض العزاء، عندما أسمع أمي وأشاهدها وهي تتجول في المنزل.. في إحدى المرات كنت أمعن النظر فيها، اقتربت منها، وقلت لها:

- الجميع أشاهدهم في الحلم، إلا أنت، لم أرك مطلقاً، لماذا؟

ضحكت، ثم أجابتني:

- أنا أعيش هنا، لذا يجب أن تختار بين الواقع والحلم..

ثم عادت تضحك وهي تغادر المكان، متجهة نحو المطبخ، لكنها في تلك اللحظة عادت سريعاً، وهي تسألني بلهفة:

- هل تناولت طعامك؟ ما الذي تريد أن أحضره لك؟

عندما رجعت نحو غرفتي، كنت مذهولاً تماماً، من إجابة أمي، وقولها إنها تقبع هنا، في الواقع، وعلي أن أختار.. لم أطل التفكير، توجهت نحوها مباشرة، وعندما شاهدتها سألتها:

- هل توجد طريقة لأراك في الحلم؟

لم تجبني، كأنها مستغرقة للإجابة، ولكن بعد مرور بعض الوقت، عدت سألتها:

- هل توجد إمكانية لرؤيتك يا أمي في الحلم؟

نظرت نحوي، وهي أكثر جدية، وأجابت قائلة:

- نعم توجد طريقة...

بلهفة، عارمة سألتها:

- وما هي؟

أجابتني، والحزن كسا عينيها:

- عندما أموت..

صعقتني إجابتها، وضيعتني تماماً، بل كأنها بعثرت جميع أفكاري، لم أتمكن من أجد أي كلمة لأجيبها.

ساد الصمت، ثم نظرت نحوي، وهي تقول مع ابتسامة خفيفة تكسوها حيرة:

- ألم أقل إن عليك أن تختار بين الواقع والحلم؟ أنا أقبع هنا يا بني، إذا رغبت أن أنتقل لأحلامك، فقط أبلغني لأنهي حياتي.

صعدت نحو غرفتي، وهناك أجهشت بالبكاء..

*كاتبة إماراتية

Email