الكتاب ملهم ومعلّم يوجه مسارات عيشها وإبداعها

عائلة لمياء عابدين.. الثقافة تاج الأناقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

اتجاهات أخرى مغايرة جوهرها الثقافة ووجهتها الفكر عامة، سرعان ما فرضت نفسها فور تبادل الحديث مع لمياء عابدين، المبدعة المعروفة في عالم الأزياء والتصميم، تمهيداً للحوار معها حول التصميمات والموضة العصرية.

إذ تكشفت أمامنا شخصية على يقين بأن الأناقة الفعلية تبدأ بالعقل وصقل المهارات المعرفية، مؤمنة تماماً بأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالإبحار في عالم الكتب والروايات التي تنقلك إلى ثقافات متعددة تستوحي منها الهامات وخطوطاً متعددة.

عشق دائم

طقوس مصمصة الأزياء، لمياء عابدين، تختلف تماماً عن غيرها، فقبل الانفراد بالكتاب، تعمد على حد تعبيرها، إلى أن تكون في أجواء متميزة وبكامل استعدادها الفكري وكذا النفسي، وأيضاً متزيية بأجمل ثيابها، لتستمتع بوجبة دسمة من الأفكار التي تتناثر بين صفحات الكتب المتوافرة في مكتبتها الخاصة الكائنة في إحدى غرف بيتها، وينتظم ذلك في مواعيد ثابتة دائمة، حيث لا تتوقف عن التوق إلى رؤية ومحاورة أنيسها الأول في حياتها: الكتاب.

تتشمم عبير الثقافة في كل مكان، فور أن تطأ قدماك أرض منزل عائلة لمياء عابدين، ففي كل ركن في المنزل، تجد كتاباً يحمل بين طياته رسالة فكرية.. على المنضدة رواية أدبية، وعلى طاولة الجلوس كتاب معرب عن إحدى الملاحم التاريخية، لتجد نفسك في بستان من الكتب المتنوعة، ليبدو المنزل، كما تحبه وتفضله لمياء، حديقة ثقافة غناء.. فالحدائق لم تخلق فقط للزهور، وإنما كذلك للكتب التي تزخر بالمعرفة والعلوم الإنسانية.

وتؤكد لمياء عابدين في حوارها مع«البيان»، أن مبادرة «2016.. عام القراءة» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والتي وجه برفدها ودعم أفق تأثيرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تمثل صفحة جديدة مشرقة في كتاب مسيرة تميز دولة الإمارات العربية المتحدة.

فهي تهدف إلى رفع المستوى الثقافي للإنسان العربي، وجعله يسير على الطريق السليم، مشيرة إلى أنها جعلت أولادها هذا العام يشتركون في مبادرة «تحدي القراءة» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

والتي تعمل على النهوض بالجيل الناشئ وإخراجه من عتمة الجهل إلى نور العلم، ليكون الطريق نحو التقدم والابتكار أسهل بكثير، فمثل تلك المبادرات، من وجهة نظرها، ترسم معالم المستقبل أمام أجيال اليوم والغد. وتضيف لمياء: شعب الإمارات اعتاد على المبادرات اللافتة والرؤية الثاقبة، فالدولة ترفع كل عام شعاراً لمبادرة جديدة تفيد المجتمع وتسهم برفع نسبة الوعي لديه.

المكان المفضل

الزوج والأب، بدر عباس، هو الداعم والمحفز الأساسي لهذه الأسرة في ميدان القراءة والاستزادة المعرفية، فهو الذي غرس بداخلهم حب القراءة، وجعلها محوراً أساسياً في حياتهم، فأصبحت بالنسبة لهم كالنهر لا يتوقف عطاؤه ولا يتجمد عند حد معين، إذ لم يكن يهدي أولاده حين ينجحون في دراستهم، لعباً.

وإنما اعتاد أن يهديهم كتباً تناسب مراحلهم العمرية، لتتحول الهدية مع الوقت، إلى عشق لا يمكن الاستغناء عنه، لتغدو المكتبة، في ما بعد، المكان المفضل لديهم، حيث أصبحوا يطلبون من والدهم الذهاب إليها لقضاء الوقت بين أروقتها.

نظرة مختلفة

ولكل كتاب قصة في حياة أفراد الأسرة، كما يقولون، إذ تجعلهم بعد مطالعته ينظرون إلى الحياة بشكل مختلف، وتزرع بداخلهم أفكاراً مستنيرة، فلمياء عابدين.

ومثلما تمسك بالورقة والقلم وتطلق العنان لخيالها لتصميم عباءات متنوعة ترضي مختلف الأذواق، تجد في محرابها الفكري ضمن رياض المعرفة والمطالعة، ملاذاً وفرصة للإبحار في عوالم كتبها، لتهرب بذا من ضجيج الحياة فتلج عوالم الأدب، فشغف التصميم لديها توازيه وترفده القراءة.

اللهجة الإماراتية

تحاول لمياء أن تجمع في مكتبتها مختلف أنواع الكتب؛ حيث تجد كتاب «القائدان البطلان» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إذ إنه كتاب لا يفارق ابنة لمياء عابدين، جنا (7 سنوات).

حيث يعرف الأطفال بشكل قصصي مبسط، كيف تحقق حلم دولة الإمارات على أيدي المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، اللذين صنعا تاريخاً من الإنجازات، وتمكنا مع إخوانهما من «الآباء المؤسسين» من الانتقال بالإمارات إلى نهضة شاملة بفضل روح الاتحاد. وهناك أيضاً كتاب «كلام الناس» للكاتب محمد المر.

والذي يعد دراسة معمقة عن لهجة الإمارات، إذ يحمل الكثير من المصطلحات القديمة التي لها دلالات مختلفة. وهي تجلس مع أولادها: يوسف (12 عاماً) وفهد (10 أعوام) وجنا، لكي تقرأ لهم من ذلك الكتاب، لأنها تعتقد أنه في ظل التطور الكبير الذي تعيشه الدول والانفتاح على مختلف الثقافات، ودراسة الأبناء في مدارس خاصة، فإنهم يبتعدون، بعض الشيء، عن اللهجة الإماراتية، لذلك تحرص على أن تقرأ معهم مقتطفات من ذلك الكتاب بشكل دوري، حتى لا تغيب مفردات اللهجة عن ذاكرتهم.

أما يوسف، الابن البكر في الأسرة، فهو يهوى القراءة والبحث عبر الإنترنت، الأمر الذي يوسع مداركه بشكل أكبر، فالأجهزة الحديثة مثل «آي باد» مثلما تشير لمياء، يمكن استخدامها بشكل سليم.

حيث يمكن تحويلها إلى مكتبة تزخر بالعديد من الكتب المتنوعة التي من شأنها أن ترفع المستوى الثقافي للطفل. كما يفضل ولدها فهد، اقتناء الكتب التي تتحدث عن الطائرات والسيارات وأنواعها، وتاريخها وتطورها، منذ بداية صنعها وحتى الآن.

خيال أسطوري

«هاري بوتر» من ضمن الكتب التي تحملها مكتبة أسرة لمياء، والسبب أن أولادها يحبون سلسلة أفلام «هاري بوتر» والمغامرات الخيالية التي يسردها العمل..

لذلك وجدت أنه بشرائها كتاباً يروي قصة الفيلم، ستجعل أولادها يستمتعون بقراءة قصة شاهدوها بالفعل عبر التلفزيون أو السينما، أما كتاب «ألف ليلة وليلة» فترى لمياء أنه من المفترض أن يوجد في كل بيت عربي، لأنه ينمي الخيال ويفتح الأفق نحو عالم أسطوري ساحر، مليء بالحكايات الجميلة والقصص الممتعة، عالم يعبره القارئ ليستمتع بصور الجمال الباهرة والأحداث المتداخلة والسرد العفوي.

وهي تبين أنها تستلهم من هذه القصة تصاميم مختلفة تخص الأزياء، لأن الخيال الواسع يساعدها على إبداع أشكال متنوعة من التصاميم. كما أن نجيب محفوظ يعد من الروائيين المفضلين بالنسبة إلى لمياء وعائلتها، لأنه ببساطة، كما توضح، رسم بقلمه ملامح الحكايات الإنسانية من دون نفاق أو تملق.

حيث رصد الواقع الاجتماعي بكل شفافية، ومن ضمن رواياته التي تجدها لمياء وأسرتها، متميزة: الثلاثية (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية)، إذ إنها أفضل الروايات العربية في تاريخ الأدب العربي. كما هناك: «حديث الصباح والمساء» و«الحرافيش» وغيرهما.

مغامرات شيقة

تحتفظ لمياء عابدين وزوجها، بسلسلة أعداد قديمة لمجلات ماجد، تعود لعام 1982، فهي ترى أنه من الجميل أن يقرأ أولادها القصص التي سبق وقرأتها هي وزوجها حين كانا صغيرين.

كذلك تعشق لمياء كتب التاريخ، لذلك نجد في مكتبتها كتاب «ابن بطوطة» الذي انطلق في رحلته مدفوعاً بسعيه نحو المغامرة والمعرفة، ولم يكن يبلغ سوى 21 عاماً، وكان مقصده في البداية الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.

إلا أن الرحلة امتدت لما يصل إلى ثلاثين عاماً، والرحلة حملت الكثير من الأشياء العجيبة والغربية التي أدهشته، ومن ضمنها ما قال، إن الناس في (مانيلا) يأكلون كل ذي أربع، وكل الزواحف وأغلب الحشرات. ولعل تلك المعلومة، حسب لمياء، يعرفها كل من زار بعض بلدان جنوب شرق آسيا في أيامنا هذه.

ومن ناحية أخرى، تمتلك عابدين مكتبة متخصصة تشمل كتباً متنوعة عن فن التصميم، تفيدها كثيراً على المستوى العملي، فهي تسعى لتطوير ذاتها من الناحية العملية أيضاً.

فن التصميم

«لوحة القراءة» هكذا تطلق عليها لمياء عابدين، إنها لوحة رسمها زوجها تدليلاً منه على أهمية القراءة، وعلقها في أحد أركان المنزل، لتظل أمام أولاده، ليتذكروا دائماً أن القراءة بمثابة السفينة التي ستصل بهم إلى بر الأمان، لذلك حينما يجتمع الوالدان مع أولادهما، يحاولان التحدث معهم عن الكتب التي سبق واطلعا عليها، ومناقشتهم في مختلف المواضيع التي حملها الكتاب.

 

الكتاب: كلام الناس

تأليف: محمد المر

الناشر: مطابع البيان التجارية

الصفحات:

250

 

Email