بمناسبة الذكرى 14 لرحيل الهزار الشادي

حمد خليفة بوشهاب .. مرارة فقد تتجدد

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن الشاعر الإماراتي الراحل حمد خليفة بوشهاب «1936 -2002م» شاعرا عابراً، ولا مثقفاً عادياً يبدع ليعبر عن هواجسه وآماله فحسب، وإنما كان وسيظل رقماً صعباً بما جسده من أنموذج المثقف العضوي الذي يحمل هم مجتمعه ووطنه في الأحداق، ويبذل من أجلهما كل أثير وغال، فكانت سوح التوثيق والدفاع عن التراث الأصيل، ولقد نظم من القصيد ما يذكر بعهد الشعر العربي الجزل المتسامي في العصور العباسية والأموية. ولذلك فإن تذكره واستذكار آثاره البديعة ومذاكرة بصماته الباقية كالوشم في الصحافة الثقافية، شحذاً لهمم المبدعين الجدد الذين أفادوا من تجربته وتميزه أيما إفادة.. واجب وطني وثقافي.

«البيان» تحيي ذكراه الرابعة عشرة من خلال قراءة ما في عيون تلاميذه وأصدقائه ومحبيه الذين ما برحوا يكنون له كل الوفاء مافتئت في عيونهم تحمل فراغاً عميقاً لا يسدّ أبداً ولكن يعتصرون دموع القلب ولسان حالهم قول الشاعر: يفنى الزمان بقضّه وقضيضه والذكر لا يفنى ولا يتزعزع" فمثل بوشهاب لا ينسى ولا ينغي له. ولكننا بتواضع جم نقدم للقارئ شهادات وشهود على شخصية من ذهب لا يصدأ لمعانها ولا يكف رنينها بين الناس..

سيرة عطرة

حمد بن خليفة بوشهاب أحد أشهر شعراء الإمارات، ولد عام 1936م في عجمان.

بدأ حياته التعليمية بما يتيحه مجتمعه آنذاك، من معارف تقليدية، واضطره وضعه العائلي إلى أن يدخل معترك الحياة شاباً، فترك حلقات العلم للبحث عن مصادر الرزق، ليسافر بعيداً بحثا عن العمل والكسب. ولكن ذلك لم يشغله عن اكتساب العلوم والمعارف، من خلال المجتمع ومن بطون الكتب، فأخذ يقب ويقرأ حتى كوَّن لنفسه مخزوناً معرفياً قوياً في مجال الأدب والتاريخ، وصقل موهبته الشعرية، فساهم في الحركة الشعرية بنتاج غزير في مجالي الإبداع والجمع والتوثيق. ونبغ في الشعر بشقيه الفصيح والنبطي. وقاموسه الشعري قوي في مفرداته وألفاظه، يعتني بشعره كثيراً. فهو أشبه بالشعر الحولي، لا يذيع قصائده حتى يعرضها قبلاً على من يثق في ذوقه ونصحه.

حرص

عادة بوشهاب أنه لم يكن يدفع بقصائده إلى المطبعة ليصدر ديوانا باستثناء ما صدر له من قصائد مهداة منه إلى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: والقصائد المتبادلة بينه وبين الدكتور حمزة حمزة أبو النصر والتي صدرت بعنوان «أريج السمر»، له مساهمات في التاريخ والتوثيق الأدبي، حيث أصدر شعره العظيم «تراث من الشعر الشعبي»، جمع فيه نماذج للشعر الشعبي بالإمارات. وقد جمع وأعد دواوين الشعراء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ـ سلطان العويس- حمد بن عبدالله العويس- ربيع بن ياقوت ـ محمد الكوس ـ فتاة الخليج، وشاعرات من الإمارات. كما أصدر دراسة عن الشاعر ابن ظاهر بالاشتراك مع الأستاذ إبراهيم بوملحة. أشرف على صفحة الشعر بجريدة البيان، وأول من قدم وأشرف على برنامج الشعر الشعبي بالتلفزيون «تلفزيون الكويت من دبي».

معجب بشعره

بوشهاب كان معجباً بشعره شأن العظماء من الشعراء. تأثر بالمتنبي، ولذا فإن الذات عنده ممتلئة وصوته عالٍ جداً في قصائده. كانت وفاته يوم التاسع عشر من أغسطس لعام 2002 يوماً ثقيلاً على الساحة الأدبية في الإمارات، ارتحل فيه الأديب والشاعر الكبير حمد خليفة بوشهاب، إثر نوبة قلبية في جنيف لم تمهله إلا أياماً.

ومنذ ذلك اليوم ومرارة الفقد مازالت تتردد في أفئدة من عرفوه، وتاليه هنا يكاد المشاركون أن يجمعوا بأن الراحل قد ترك فراغاً أدبياً وثقافياً لم يسد إلى الآن، فقد كان قامة أدبية قدمت خدمة جليلة للساحة الثقافية في الإمارات، من خلال التدوين للتراث الشعبي المحلي، حيث أدرك منذ زمن طويل أهمية أن يوثق هذا الموروث الشفاهي، وحرص على أن يرفد ساحة الشعر الشعبي بأسماء شعرية ترقى بالساحة، فالشعر - كما يؤكد المقربون منه - كان بالنسبة له مسؤولية فكر إبداعي ليس مجرد كلمات.

قامة خالدة

البداية كانت مع معالي عبد الرحمن العويس وزير الصحة الذي قال: مما لا شك فيه أن المغفور له بإذن الله حمد حليفة بوشهاب، يعد من أهم أعمدة الشعر في الإمارات، وكان بالنسبة لي أكثر من مجرد أستاذ بل كان نموذجاً للشاعر والناقد المتميز، حيث كان، رحمه الله، من رواد مجلس والدي وكنت ألتقي به وفي كل مرة ألتقي به أرى نموذجاً للوطني الحريص على توثيق التاريخ الشفاهي ممثلاً بالشعر وأرى أنه قدم خدمة جليلة لمن بعده ولمن سبقه حين وثق الشعراء السابقين واللاحقين، ولولاه ربما لما اندثر، حيث تكبد المشاق في جمعه، ومن شدة حرصه على الارتقاء بالمستوى الشعري بتقديم الأفضل كان صادقاً معنا، حيث كان يؤمن بأن الشعر مسؤولية إبداعية وليست مجرد كتابة، وقد حظي بثقة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان حينما عُيّن عضواً في لجنة التراث والتاريخ.

صرامته دافعاً عن الإبداع

كانت مع الشاعر والإعلامي سيف السعدي الذي أشرف على صفحة الشعر الشعبي خلال فترة مرض الراحل بتكليف من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم إمارة دبي، فقال السعدي إن صرامة الراحل حمد خليفة بوشهاب في التعامل كانت حافزاً للشعراء ودافعاً للإبداع إذ كان ينبههم على مواقع الخطأ في القصائد ليقوموا بتصحيحها وتعديلها ويضيف السعدي: "ينبهنا على أخطائنا إذا توسم فينا الموهبة، وكان المحظوظ منا من ينشر له بوشهاب، في صفحة (بيان الشعر) آنذاك، فالنشر فيها كان بمثابة المؤهل الجامعي للشاعر، وبالنسبة لي كان تحدياً أن يجيز لي قصيدة وإن أجازها ونُشرت، اقتنيت عشر نسخ من الجريدة.

كان، رحمه الله، يتبنى المواهب وكان شديد الحرص على أن تكون بداية الشاعر الموهوب قوية حتى يعتاد الجمهور والمتابع تلك الموهبة وقوة نصه، وترسخ في ذهنه تلك الفكرة، وتشجيعه كان لأبعد الحدود إذ كانت هناك زاوية (من روائع الشعر)، والمحظوظ هو من تنشر له قصيدة في هذه الزاوية، فإن كان النشر في (بيان السبت) يعتبر شهادة جامعية فإن النشر في (روائع الشعر) هو شهادة ماجستير. ووجود اسمه على صفحة الشعر الشعبي في صحيفة "البيان" حتى الآن هو بأمر من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وذلك إكراماً وتقديراً له ولجهوده. المغفور له بإذن الله كان صاحب روح مرحة لذا كان من السهل تقبل نقده الحاد بالذات الشباب المبتدئين في ذلك الوقت، حيث استفدنا من صرامته وحزمه وحدته في التعامل وذلك من أجل الجودة وتعامله كان كأب لأبنائه.

مرارة الفقد

الزميل علي عبيد الهاملي قال: 14 عاما مرت حتى الآن على وفاة الشاعر والمؤرخ والأديب حمد بوشهاب، ومازال حاضرا في القلب والذهن والذاكرة والوجدان، لأن حمد بوشهاب لم يكن مجرد شاعر، ولا مؤرخ، ولا أديب، بل كان إنسانا بمعنى الكلمة، يشعرك بحضوره حتى وهو غائب، وتعرف قيمة غيابه إذا لم يحضر. كان حمد بوشهاب، عليه رحمة الله، أكثر من صديق لي. كان معلما ترك بصماته على ذائقتي الشعرية والأدبية والثقافية بشكل عام، لأن حديثه كله كان مزيجا من العلم والشعر والأدب والتاريخ والثقافة. هكذا عرفته، وكان خبر وفاته مفاجئا ومؤلما لي، فقد كان في مكتبي بجريدة البيان قبل سفره إلى جنيف بيومين تقريبا، وكان يستعرض معي نماذج من سيرته الذاتية التي كان قد انتهى من كتابتها وينوي نشرها، وقد اتفقنا على الجلوس بعد عودته من السفر لقراءتها وتمحيصها كاملة قبل النشر، لكن القدر أراد شيئا غير الذي خططنا له، وعاد حمد بوشهاب من رحلته محمولا على الأعناق ليوارى الثرى، بينما بقيت سيرته العطرة والذكريات الجميلة التي جمعتني به حية، لا يستطيع الموت أن يمحو حرفا منها.

يفنى الزمان بقضه وقضيضه

                              والذكر لا يفنى ولا يتزعزع

هذا ما يقوله حمد بوشهاب، عليه رحمة الله، وهذا ما نشعر به اليوم ونحن نستذكر سيرته بعد 14 عاما من رحيله. رحم الله أبا خليفة حيا وميتا، وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا جميعا، نحن أهله وأصدقاؤه ومحبوه، الصبر والسلوان.

من يسد فراغه؟

الشاعر سالم الزمر أظهر حسرته بتساؤل: ماذا يمكن أن نقول في ذكرى رحيله إلا أن الإمارات فقدت علَما من أعلامها لم يأت إلى الآن من يسد فراغا تركه في الشعر والأدب والتاريخ وماذا نقول إلا اننا فقدنا استاذنا وعلمنا الذي كنا نستهدي بمعرفته الموسوعية في الأدب والشعر العربي والنبطي، وأننا فقدنا مرشدنا في دهاليز التاريخ الموغلة في القدم فبعد بوشهاب لا أجد شخصيا من استهدي في حجمه برأيه ورؤاه التاريخية والأدبية والإنسانية لقد كان بوشهاب علماً شاخصاً دالاً على أبواب المعرفة الأدبية والتاريخية والإنسانية فمن أين لنا بمثل استاذنا حمد بن خليفة بوشهاب رحمه الله.

نستهدي بمعرفته

 نال حمد بوشهاب ثقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، من خلال إشرافه على صفحة الشعر الشعبي في جريدة "البيان"، والتي كانت تطرح كل سبت تحت مسمى (بيان السبت)، حيث كان من يتمكن من نشر قصيدته في هذه الصفحة قد أُجيز شعرياً. 

Email