جئتُ بعار السرقة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الأعراسُ في قريتنا طقسٌ شبهُ يومي، كُلّ أسبوعٍ يُزَفُّ ثلاثة شبان أو أربعة أو أكثر، أمر عادي، كتعاقب الليل والنهار، يبتهج الناس، لكن لا بهجة تعلو على التي ترافق صرخات طفل يولد.

شيخ القرية يقول: قريتنا عزيزة.. الذرية فيها أمرٌ عظيم، نسبنا صافٍ طاهر، نساء القرية يشتهرن بالعفة ليس كل من قذف بهن الماء نبثث لهن ذرية..!، إنهن عزيزات كالمطر، يكفي لكل عائلة طفل أو الحلم به، هكذا كان يصبّر الناس في خطبة كل جمعة.

قصتي بدأت عندما تزوج »التاجر صالح« خمس نساء قبل أختي فاطمة، ولم ينجب، لهذا اختار أختي الكبرى لأنها صغيرة لم تكن تجاوزت وقتها العاشرة، وقد تهب له مع الوقت الذرية التي يحلم بها، عشرة أعوام من الزواج ولم تستدر بطن فاطمة الملتصقةُ بظهرها.

قرر »علي الخباز« الرجل الستيني أن يتزوج أم فاطمة التي تجاوزت الأربعين، وبعد قمرين في السماء، زغردت القرية فرحة بحبل أم فاطمة، فرح الجميعُ إلا التاجر صالح الذي صمت طويلاً، وهو يفكر ويتساءل: من أحبلها ؟! قالت فاطمة ضاحكة: العجوز علي.

رفض زوج فاطمة الفكرة، صرخ: كيف تحبل الحرمة العجوز؟! وكيف لخباز أن يكون أكثر فحولة مني أنا التاجر الأربعيني؟! متى جاءت أمك لزيارتك أيتها الغبية؟

قالت: كل يوم تأتي لي، أنا وحيدتها.

ضحك الزوج وهو يصرخ: لقد سرقتني أمك يا غبية، سرقتني! سرقت جنينك، وتتباهى الآن أمام القرية أن الخباز العجوز جعلها تحبل.

الزوج الغاضب حرم فاطمة أن ترى أمها مرة أخرى حتى لا تسرق منها الأطفال من جديد، قال يومها وهو يصرخ بعلو صوته في القرية يعلن تبرؤه هو وزوجته من أم زوجته الساحرة وعجوزها الخباز: زوجتي لن ترى أمها الساحرة، لقد سرقت طفلي من بطن ابنتها لتحشره عنوة في رحمها النجس، وتهديه لزوجها الجديد.

هكذا حُرِمت أمي من ابنتها، أمي تبكي ليل نهار، ترسل الأهل والأقرباء لإقناع الزوج الغاضب أنها فقط تريد أن تراها، لن تتحدث معها، فقط تريد أن تتكحل بها، ولكن كلما زاد تكور بطن أمي زاد حقد زوج فاطمة.

كانت أمي تحملني في بطنها وتذهب لجيران فاطمة، تلصق أذنها في الجدار تتمنى أن تسمع حسيس خطوات فاطمة.. ضحكتها.. صوتها، تبكي وهي تمسك الجدار تتوسل له أن يسمعها صوت ابنتها الغائبة.

ولدت أمي صبياً، جئت إلى الدنيا بعار السرقة، وبحنين إلى سماع صوت فاطمة (أمي كما يقول زوجها وأختي كما تقول أمي).

عشت عشرة أعوام لم أرَ فيها فاطمة، ولكنها حاضرة في قصص أمي ودموعها، وشوقها الذي لا ينتهي لابنتها.

مات أبي، وبعدها بأعوام مات زوج فاطمة، يومها ذهبنا لزيارتها، كانت هذه المرة الأولى التي أراها فيها: امرأة ثلاثينية لا تشبه قصص أمي عنها، ليس لها ضفيرتان ولا خدود دائرية، لم تكن نحيفة كما قالت أمي، وجدت امرأة تحمل ذات العيون التي أحملها أنا وأمي.

ارتمت أمي تحت أقدام فاطمة تلثمها وتبكي، وارتمت فاطمة، ونسيتاني، كنت سعيداً وأنا بين أُمين.

* قاصة يمنية مقيمة في الإمارات

Email