نقطة التحول

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يا ولدي الاختبارات على الأبواب، اجلس وذاكر أصلحك الله..

ركض ناصر نحو أمه فقبل رأسها، وخرج كعادته يسابق الريح، وركب سيارته متجها إلى المقهى حيث رفاقه، سلّم عليهم ثم طلب كوبا من الشاي، ومن عمر أخذ علبة السجائر، أخذ يدخن الواحدة تلو الأخرى غير مبال بصحته.

حدثهم عمر عن سفره إلى تركيا، وأخذ يصف جمال التركيات...فاتفق الجميع أن يذهبوا إلى هناك في العطلة للاستمتاع بجمال وسحر تلك البلاد. عاد ناصر إلى المنزل متأخراً دون أن يكترث لقلق أمه التي ضحت بشبابها وصحتها في تربيته هو وشقيقه سالم بعد وفاة والدهما، كانت تتمنى أن يكون شابا صالحا كشقيقه، ولكن للأسف خيب آمالها وأحلامها بعد التقائه بأصدقاء السوء، فتأخر في دراسته وها هو يعيد للمرة الثانية مرحلة الثانوية العامة.

مرت الأيام حتى حان موعد الاختبارات، وكالعادة يسلم ناصر ورقة بيضاء تحمل معها خيبة الأمل والضياع وسنوات تهدر من غير مبالاة. وحان موعد الاتفاق، وهو سفر الأصدقاء إلى تركيا، وها هو ناصر يجهز حقيبته والفرح يملأ قلبه، انطلق كالصاروخ إلى أمه ليخبرها، ويطلب منها المال. وكان سالم جالساً مع أمه، يستمع إلى حديث ناصر، وبعد أن انتهى ناصر من الحديث.

قال: " إلى أين ستذهب؟ لن تستطيع السفر إلى أي مكان، حتى تنهي خدمتك الوطنية. لم أخبرك أن موعد التحاقك بالخدمة سيكون في نهاية الشهر.

ناصر: الخدمة الوطنية؟.

الأم: نعم هذا واجب لابد أن يؤدى نحو الوطن الذي أعطانا الكثير يا ولدي، لا مجال للرفض لأنه عار علينا أن نفكر في هذا الأمر وهو تردد ولدي في أداء واجبه نحو وطنه، أرض الخير والعطاء.

سالم: صدقت يا أمي، استعد يا ناصر لابد أن تكون مثالاً للمواطن الصالح.

عاد ناصر إلى حجرته وهو يفكر كيف سيلتحق بالخدمة الوطنية، ماذا سيقول لرفاقه، كيف له أن يغير حياته من المدنية إلى العسكرية.... كومة من الأفكار سيطرت عليه وما لبث إلا وسمع صوت أمه تطلب منه أن يستعد للذهاب إلى المدرسة. واليوم هو آخر يوم للاختبارات...... بعد انتهائه من الاختبار توجه إلى المقهى ليخبر أصدقاءه أنه لن يسافر معهم وإنما سفره سيكون من نوع خاص. وحزن رفاقه لأنه لن يرافقهم وحاولوا أن يستمتعوا خلال الأيام الباقية قبل التحاق ناصر بالعسكرية.

ولكن الأيام تجري دون تمهل وحان موعد الالتحاق بالخدمة وحمل أغراضه والخوف معا للحياة الجديدة، كان يستمع للقوانين والأنظمة التي يجب أن يتبعها وهو لم يتعود على حياة النظام، فالسهر رفيقه والفوضى طريقه كيف سيغير حياته بهذه السهولة؟!.

تعرف على حميد وكان خير رفيق له لأنه عرف عنه الالتزام والصلاح، كان نعم الأخ والرفيق الذي يخفف عنه، ويساعده على التغيير في حياته والابتعاد عن العقوبات التي ستلحق به، واستطاع حميد أن يقتل التمرد الداخلي الذي كان يسيطر على قلبه، وأصبح شخصا نادما على سنوات عمره التي ضاعت بين المقاهي وعلب السجائر والسفر من بلد لآخر دون هدف في الحياة. وبدأ يكتب مذكرات حياته بنقطة تحول.

* كاتبة إماراتية

Email