أسالت دموع الجمهور وصفق لها طويلاً

«أعراس آمنة» تنتصر للألم الفلسطيني على الخشبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«من يستطيع النوم»، جملة افتتحت بها الممثلة نهى سمارة، عرض «أعراس آمنة»، التي جاءت محملة بخطوط المعاناة الفلسطينية، التي خطها الكاتب والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله، في روايته «أعراس آمنة»، ليأتي تجسيدها أول من أمس، على خشبة مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي.

لافتاً في أدائه، وسلساً في سرده الروائي، ومؤثراً في رسالته، لدرجة أبكى فيها العرض عيون جمهوره الذي وقف ليصفق للعرض طويلاً، لينال العرض إشادة نقاده الذين وقفوا على بعض السلبيات فيه، من قبيل إغراق العرض في السرد الروائي، ووقوعه في المباشرة في بعض مشاهده، وهو ما اعتبره البعض طبيعياً عند الحديث على قضيه مؤدلجة.

المرأة الفلسطينية

أحداث العمل الذي قدمته فرقة «ع الخشب» الأردنية، تمتد من الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وصولاً إلى الحرب على غزة، حيث تطل علينا شخصية جمال (الممثل زيد خليل مصطفى)، الذي يعود إلى غزة في الحرب الثانية، بعد مرور نحو 20 عاماً على اعتقاله في معتقلات الاحتلال، ليلتقي زوجته آمنة، التي تظل تعتقد طوال الوقت أنه استشهد، لتمثل آمنة شخصية المرأة الفلسطينية، ضمن جوانبها النضالية المتعددة.

«جمال» بعد عودته يعيد اكتشاف الواقع الفلسطيني بكل تفاصيله، حيث اعتادت المرأة الفلسطينية على تخبئة حزنها على فقدانها لأولادها، مستبدلة إياها بـ «زغرودة» الفرحة باستشهاده، الأمر الذي يحفزه على العودة مجدداً لحضن المقاومة، ليأتي العرض بكامله منتصراً للحق والألم الفلسطيني.

تقنيات

اتفاق عام ساد بين نقاد العمل في الندوة التطبيقية، حول ما تمتع به من جمال وقوة في طرحه وأدائه، فخلال تقديمه للندوة، قال نواف يونس إن مسرحية «أعراس آمنة»، نجح في إيصال رؤية المخرج ورسالته بهدوء، وأنه تمكن من توظيف التكنيك والتقنيات والإضاءة والسينوغرافيا بطريقة محترفة.

ونوه بأن المخرج امتلك قدرة إدارة الممثلين الذين أبدعوا على الخشبة، من خلال التغيير بين الشخصيات والأمكنة، والتي ظهرت بشكل ممتع وجمالي. وذكر أن المخرج في هذا العرض، دمج بين المسرح الملحمي والسياسي، ما ساهم ذلك في تصعيد الصراع الدرامي في العرض وشخصياته.

نقاد المسرحية اتفقوا على أن «أعراس آمنة»، عملت على إبراز صورة حقيقية عن المرأة الفلسطينية بشكل واقعي، بحيث تضاهت مع الرجل في نضالها ومعاناتها. ورغم طغيان بعض السرد الروائي الطويل على العرض، إلا أن أداء المحترفين كسر هذا السرد، مشيرين إلى أن الإضاءة تحولت إلى أحد أبطال العرض، حيث جاءت تعبيراً عن الحواجز التي يفرضها الاحتلال على الأرض.

أما المخرج يحيى البشتاوي، فقد نوه في رده على تساؤلات الجميع، بأنه لم يخرج في حواراته عن نص إبراهيم نصر الله بشكل عام. وأكد أن خروجه عن النص كان «طفيفاً»، وقال: «عندما أقدم هذه الرواية، فأنا أقدم قضايا كبرى، ترتبط بالشهادة والجوع، وأظل فيها منحازاً للمقاومة، لأنني أقدم القضية كما أريد، وليس كما يريد الآخر».

نقاشات

تحت عنوان «المسرح والعلوم»، عقدت إدارة المهرجان ملتقى الشارقة الثالث عشر للمسرح العربي، الذي اختتم فعالياته أمس، لتثير بذلك نقاشات المشاركين بالملتقى، والذين انصب اهتمامهم حول محوري «المسرح والعلوم وتحولات القيم»، و«أبو الفنون والعلوم: تجارب عربية وغربية»، حيث شارك في تقديم أوراق العمل ثلة من المختصين، من بينهم الناقد الأردني رسمي محاسنة، الذي قال في مداخلته إن «المسرح هو أداة رائعة للتعريف والتوعية بالمسائل العلمية».

وأضاف: «المسرح اقترب مما يمكن تسميته المسرح العلمي، وإن المسرح العربي لا يزال بعيداً إلى حد ما عن هذا النوع، حيث اقتصر على تقديم أعمال مباشرة لا تخلو من السذاجة، في الوقت الذي قام فيه الغرب بتوظيف المسرح من أجل نشر المعرفة والتوعية».

أما د. أحمد برقاوي، فأشار في مداخلته إلى أن «المعركة بين العلم والفلسفة والأدب من جهة، والنظام المتعالي قديمة وحاضره».

وأضاف: «لقد خاض المسرح ولا يزال هذه المعركة، ويعكسها في الوقت ذاته، فالمسرح هو عبارة عن حوار، وليس قولاً بلا معنى، وهو أكثر فنون الآداب انغماساً في المواجهة مع النظام المتعالي»، وتطرق في هذا الصدد إلى نماذج عدة، مثل محاكمة أرسطو ومسرحية «الطبيب والمهندس» لتوفيق الحكيم.

في حين تطرق الناقد السوري عبد الناصر حسو في ورقته التي وزعت على المشاركين، بسبب عدم قدرته على الحضور، إلى أن حضور العلوم كموضوعة في الكتابة المسرحية غير مستحب لدى المسرحيين أنفسهم.

لذا، فالاكتشافات العلمية لم تشكل أي إغراء لمخيلة الكتاب، ولكن عندما بدأت المواضيع العلمية بجذب انتباه المتفرجين ودهشة المسرحيين إليه، أصبح موضوعاً فنياً يغري مخيلة المبدع، ويسعى للبحث عن مناطق الخلل والتقدم في النظرية العلمية.

 وبعد النجاح في استقطاب المتفرج، بات الكتاب يعبرون عن أسفهم لاتساع الهوة بين العلم والفنون طوال هذه الفترة».

مطالبة

الجمالية والقوة التي اكتنفت عرض «أعراس آمنة»، دعت البعض إلى الذهاب ناحية المطالبة بأن تكون دورة المهرجان المقبلة أكبر، وأن تتحول إلى منافسة بين العروض، من خلال إتاحة الفرصة أمامها لأن تقف أمام لجنة تحكيم رسمية، وذلك لما تمتعت به العروض إجمالاً من قوة وحضور، لا سيما أن المسرح الثنائي يكاد يكون الأصعب في فنون المسرح بشكل عام.

Email