ما يُقدم لا يحاكي عقل الصغير ووعيه المعاصر

أدب الطفل خرافات ساذجة تقتفي «ألف ليلة وليلة»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

طفلنا يكبر أمام أعيننا، وأدبنا لايزال في طفولته، فما يُقدَّم للصغار اليوم أصغر من سنوات عمرهم بكثير، وما تحمله السطور لا يملأ مساحات العقل التي تتسع يوماً بعد يوم، أغلفةٌ تقليديةٌ ملونة مع فراشات متطايرة هنا وهناك، وقصصٌ تجر نفسها جراً في محاولةٍ للحاق بعالمٍ تحيطه التكنولوجيا من كل جانب، وشخصيات غير جاذبة، تسعى لأن تجد لنفسها موقعاً على خارطته، بلا جدوى.

هذا هو الحال باختصار، فأدب الطفل اليوم ليس على قدر المسؤولية، وما يقدم إليه ليس إلا محاولات بائسة تراوح مكانها، فكتب الطفل تستهين به وتعتمد على الخرافة، مُحلقةً في عوالم ألف ليلة وليلة، مُتَّخذةً من السحر ملجأً تلوذ به من ضعفها.

فهل لايزال الطفل يعيش في ضمير الأدب العربي، وإلى أي مدى يؤخذ وعيه ومتطلباته في عين الاعتبار، وهل ما يقدم إليه يحترم عقله ووعيه؟

«البيان» التقت مجموعة من المختصين في مجال الأدب، ليؤكدوا أنهم غير راضين عما يقدم للطفل اليوم، معترفين بأنه مظلوم في ظل أدبٍ لا يحاكي عقله وفكره ومستوى وعيه.

خرافة وسحر

«لست مقتنعاً بما يُكتب للطفل اليوم» بهذه العبارة بدأ الدكتور سعيد بوطاجين، دكتوراه في الأدب وأستاذ في الجامعة الجزائرية حديثه، مشيراً إلى أنه لا يمكن التأسيس لمجتمع حقيقي دون التفكير في الطفل، ومؤكداً أن الكتابة العربية لم تهتم حتى الآن بالطفل كعنصر محوري في المجتمع العربي، وقال: لا أنكر أن هناك جهوداً محترمة يقوم بها بعض الكتاب في مختلف البلدان العربية، وقد اطلعت على بعضها وتحاورت مع أصحابها، إلا أن هذا الأمر لا ينفي حقيقة أن القصص والروايات والنصوص المقدمة إلى أطفالنا لا ترتبط بالواقع، ولا تساهم في تنشئة الطفل تنشئة حقيقية، ولا يمكن الاعتماد عليها في تشكيل مستقبله، إذ تعتمد على الخرافة والسحر والتقاليد السردية التي تبتعد عن الواقع.

وأضاف بوطاجين: من خلال ما قرأته في كثير من النصوص الأدبية سواء كانت قصص أو روايات، وجدت أنها تزجُّ بالطفل في متاهات ألف ليلة وليلة وعوالم لا علاقة لها بواقعنا، وهذا لن ينشئ جيلاً يبني المستقبل.

ظلم وتجاهل

أكد الدكتور شريف الجيار، دكتوراه النقد والأدب المقارن، رئيس قطاع النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، أن الطفل العربي عانى الظلم والتجاهل لفترات طويلة، ولم نقدم له الجديد والمتميز، ولكن أعتقد أن معظم الدول العربية بدأت في هذه الفترة تحديداً بالاهتمام بما يقدم للطفل العربي وخاصة في أدب الطفل بشكل عام، وأجد هذا في منطقة الخليج ولا سيما الإمارات والكويت، وذلك من خلال الجوائز والمسابقات والفعاليات التي تقام كل عام لأدب الأطفال.

وذكر الجيار أن الاهتمام بالطفل العربي، يزرع نواة قائد مستقبلي صاحب رؤى واتجاهات واضحة المعالم تفرض نفسها ووجودها، وتحدث تغييراً كبيراً في عالمنا العربي، وقال: في ظل الفورة المعلوماتية على مستوى العالم، يجب علينا أن ندرك أن طفل اليوم ليس هو طفل الأمس، وبالتالي فنحن نتعامل مع طفل كبير، بمعنى أنه يحتك بالتكنولوجيا بشكل عام، ولذا فهو يمتلك ذهناً أوسع من طفل الأمس، وعلينا في المؤسسة الثقافية العربية أن نتابعه بحرص، لنتمكن من تقديم جرعات ثقافية ملائمة لطبيعة عقله، فالطفل في يومنا هذا يحتك بكل أطفال العالم من خلال الانترنت، وظهر لدينا الطفل المبتكر، إلا أن تجاهل هذه القدرات التي يمتاز بها أطفالنا، وعدم الاهتمام بهم، سيجعلهم يعودون خطوات كثيرة إلى الخلف، وسنكون نحن السبب في ذلك.

إغفال واستهانة

عبرت القاصة والروائية بشرى أبو شرار، عن حزنها على حال الطفل اليوم، وقالت: لستُ راضية عما يقدم للطفل من كتابات تستهين به وبعقله، فهناك إغفال كبير وانتقاص من شأنه، رغم أن طفل اليوم ليس هو طفل الأمس، ووعيه يكبر في ظل انتشار الشاشة الفضية والشاشات الإلكترونية الأخرى.

وذكرت أبو شرار أنه يجب تقديم أدب للطفل يزوده بكل الصور الجميلة التي يستند إليها بذاكرته في مرحلة الطفولة، وينتقل منها إلى عالم الصبا والرجولة وينطلق نحو المستقبل، وقالت: لو لم ننجح في ذلك، فسنقضي على براعم جيل جديد، وهذا أمر خطير، لا سيما في ظل عالم التكنولوجيا الذي يبحث فيه الطفل عن السهل والسريع، ويستجيب الأهل لرغباته.

اعتراف

أشارت الدكتورة نزهة مأموني، دكتوراه في الأدب، إلى أن الكتابة الأدبية لاتزال بحاجة للاهتمام بالطفل، وقالت: مع المستجدات الحديثة، اختلطت الموازين، وانقلب بُعدها، فتقدم الآخر، ليبقى الطفل العربي مكانه، ولذا فلابد من أن نواكب كتاباته بحسب المستجدات في الوطن العربي.

ولفتت إلى أن ما يقدم اليوم للطفل العربي لا يرقى لمستوى عقله، وقالت: الاعتراف بالحق فضيلة، ولا يمكننا أن ننكر بأننا بحاجة للارتقاء بأدب الطفل، وهذا الاعتراف أول الطرق لمعالجة أنفسنا، وتقويم أدبنا، والارتقاء بأبنائنا.

مؤتمرات

لفت الناقد د. شريف الجيار إلى ضرورة أن تقام للطفل مجموعة من المؤتمرات والفعاليات التي تهتم به وتدعم طموحاته، كما ينبغي علينا نحن المثقفين أن نذهب للطفل في المدارس، ونقيم معه حوارات مباشرة، وأن نستمع إليه ونتعرف على خياله ورؤاه، لنستطيع التواصل معه وتقديم ما يحاكي عقله وفكره.

Email