رواية «عتبة الباب» ألم حرب وأمل حياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يجتمع في رواية «عتبة الباب» لسندس برهوم، الصادرة عن «هاشيت أنطوان»، ألم الحرب وأمل الحياة، والرغبة في أن تعلن سوريا اسم آخر شخص يموت فيها، لتهدأ النفوس ويعود والهدوء إلى مدنها ويزهر ياسمينها من جديد.

للأم عتبة، وللجنون عتبة، وللحب وللسعادة وأيضاً للأوطان عتبة كذلك، وعتبة الباب لدى بطلة الرواية الحمصية لور هي ذلك الحاجز الذي يفصل بين عالمين، وثقيلة تلك الخطوات اللازمة لاجتيازه.

سوء حظ

يؤمن المصريون بأن «تغيير العتبة» طريقة للتخلص من التعاسة وسوء الحظ، ولكن متى ستغير سوريا عتبتها لتبتسم لها الحياة من جديد، ولتتوقف لور عن العض على الألم، لا سيما أنها لم تحصد في الحرب إلا الخسائر، وحصادها كان وافراً، حيث خسرت أناساً أحبتهم، وافتقدت أماكن أحبتها، وتغيرت عليها الدنيا التي كانت تعرفها والروائح التي خزنتها في ذاكرتها على مدى سنوات طويلة.

دمار

مع الحرب تهرب رائحة الأمكنة، ربما لأن أصحابها ماتوا أو هاجروا أو هجرهم الفرح، وربما لأنهم اغتربوا في وطنهم، تتغير رائحة الهواء فتتكثف سطوة الأمكنة، وتتحول البيوت إلى كتل إسمنتية باردة، لم تعد ثقة لور كما كانت بالأماكن، فقد تحول القنص إلى عادة شبه يومية في وطنها، ومناظر الأشلاء باتت في كل زاوية، يسير معها الدمار على مد النظر، لم يبق حجر على حجر، حتى إن هولييود ستعجز بكل إمكاناتها عن صنع خراب من هذا النوع.

صناع الخراب

لور تعي جيداً أن من يصنع الخراب في وطنها يتملكه الكره، خاصة أنها ترى بعينها منجزات الكراهية السريعة والفعالة، والتي تترك أثراً أقوى من ذاك الذي يتركه الحب، فالحب فردي وحساس وخاص، ويحتاج إلى النضال كي يستمر، لكن الكره جماعي ويقبل التعميم، لأنه سهل ومريح ويتناغم مع غريزتنا كبشر.

سؤال محير

تتحدث لور إلى نفسها ذات مرة، وتقول: «تجمعنا الغريزة فنتوحد كقطيع، قطيع يستخدم قرونه وقوائمه وكل ما لديه من وسائل دفاع ليحافظ على حياته، ونحن في الحرب مهددون، ونميل للدفاع عن أنفسنا بكل ما نملك، نبدأ بالضرب بأيدينا ثم نمسك سكيناً فبندقية وننتهي بالكيماوي، أذكياء نحن عندما تعمي الكراهية عيوننا، ونتحول إلى أجساد بلا رؤوس ولا قلوب، وآلات قتل، تزرع البشاعة والحزن أينما حلت».

يتبادر إلى ذهن قارئ الرواية، سؤال محير، أيهما أشد قسوة، أن تخسر شخصاً في هذه الحرب، أو أن تخسر بيتاً وجيراناً وطريقاً أو شجرة، والحقيقة، أنه إذا ذهبت الشجرة سيحزن الجميع، لأنهم لن يعرفوا جمال اللون الأخضر، سيباغتهم أصفر الصحراء وبردها، لن ينسج في ذاكرتهم عنفوان السنديان وعبق الزيزفون وشموخ السرو وصمت البلوط وجمال الكينا، ستحرم ذاكرتهم من لون الصنوبر العتيق، والأخضر الغض لأغصان الكستناء.

Email