كتّاب مصريون في الذكرى الـ9 لرحيل «أديب نوبل»:

نجيب محفوظ روائي كل عصر ومكان

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمر العام التاسع على رحيل نجيب محفوظ (1911 ـ 2006م)، ولا تزال ذكراه حاضرة في قلوب محبيه وعقولهم، وفي المقالات التي تستمر تسرد قصص عبقرية أديب نوبل، الذي قدم للأدب المصري والعربي إبداعا متميزا.

(البيان) تتتبع، آراء نخبة أدباء، ممن عاصروه وعرفوه عن كثب، بشأن ملامح التفرد والعبقرية في شخصية وإبداع محفوظ. وذلك من خلال لقاءات عديدة، وعبر رصد ما جاء في كتاباتهم وكتبهم حول الراحل. إذ يؤكد المبدعون في جميع ذلك، أنه «الأديب المعجزة» الذي يمثل كل زمان ومكان.. ومن شكل فعليا، إضافة نوعية الى الأدب ككل وإلى الرواية على وجه خاص.

يحكي القاص سعيد الكفراوي، الذي جمعته هو الآخر علاقة صداقة بنجيب محفوظ، لـ(البيان)، كيف أن محفوظ كان بما كتبه أول من يلتفت بشكل حقيقي إلى الحارة المصرية التي همشت لوقت طويل قبل وجوده.

ويروي الكفراوي كيف كان يجمع محفوظ الأدباء حوله بمقهى ريش يساعدهم ويهتم بنصوصهم، مقدما آراءه المميزة، والتي كانت تساعدهم في المرور بخطى أكبر فيما يخص مشروعاتهم الأدبية. ويشير إلى أن محفوظ طلب منه أن يحكي له عن اعتقاله، ليفاجئه بعدها برواية «الكرنك»، والتي أوضح فيها محفوظ لسعيد أنه إحدى شخصيات روايته.

 

عوامل وإسهامات

ويشدد الناقد عبد الهادي عباس، في حديثه لـ(البيان)، على أن أدب محفوظ ينبع تفرده من كونه يصلح لكل عصر ولكل مكان، وهو الأمر الذي جعل الفرنسيين يختارون ترجمة أعماله، خاصة «زقاق المدق».. ومن ثم نقلت لاحقا الى اللغة الأسبانية، لذا فالغرب نفسه، كما يقول، انبهر بهذا الأديب المصري، رغم كونه يعبر عن مصريته الشديدة في أعماله المختلفة.

ويبين عباس أن إبداع محفوظ هو فلسفة مميزة لم تضاهها فلسفة أخرى، وهو الأمر الذي جعل عدداً من الأدباء يكررون ما قام به الراحل في أعمالهم، فكل هؤلاء أثر فيهم محفوظ بشكل كبير، ما جعلهم لا يخرجون من عباءته ويفضلون مشابهته، موضحا أن هذا بالفعل هو دور الأديب الحقيقي: أن يترك أثرا في قلوب وأقلام كل من عرفوه.

ويلفت عباس الى أن ميزة محفوظ الأخرى هي التنوع الثري الذي حفلت به أعماله، إذ رصد فئات الشعب المختلفة، التي تنوعت بين: الفقراء في المدن، الشحاذين. إذ رصد مختلف المهن المصرية وتحدث عن: الفلاحين، الأغنياء، المنتفعين، الكتاب.

بل والساسة والمسؤولين، كل هذا أضاف صدقا ما في أعماله، ما جعلها تعبر بشفافية عن المجتمع المصري بتنوعاته وطبقاته المختلفة، حيث قرأ له كل هؤلاء، ولمسوا ما بداخلها من اهتمام حقيقي بالمجتمع المصري بكل تكويناته.

 

مستويان

يرى جمال الغيطاني في كتابه «نجيب محفوظ يتذكر» أن أعمال أديب نوبل تتميز بمستويين، الأول منها واقعي والثاني رمزي، نجد المستوى الأول وهو الواقعية، ظاهرا في أعمال مثل (زقاق المدق، خان الخليلي، الثلاثية، بين القصرين، قصر الشوق، السكرية). في هذه الأعمال نلتقي بحارة محدودة الملامح والسمات، حيث التزم محفوظ بتضاريس الواقع في منطقة الجمالية، حيث كانت الحارة انعكاساً أميناً للمكان كما عايشه نجيب محفوظ.

ويضيف الغيطاني في كتابه، أما المستوى الثاني الذي نجده في أعمال كاتبنا الكبير للحارة، فيمكن اعتباره المستوى الرمزي، والذي نجده في (أولاد حارتنا والحرافيش وحكايات حارتنا والعديد من قصصه القصيرة).. هنا تصبح الحارة مزيجا من الواقع والحلم، أو انها باختصار صورة مقطرة لعالمنا ودنيانا، صاغها أديبنا في شاعرية وحساسية مرهفة، وحب هائل لقلب قاهرتنا القديمة، يدعو إلى الإعجاب.

 

بساطة

يشرح يوسف القعيد في كتابه «نجيب محفوظ إن حكى»، كيف كان الأديب الراحل، يتميز ببساطة لم يعهدها رغم شهرته.

ويقول القعيد: «كان من أبسط المصادر التي تعاملت معها، لا يعطيك موعدا في بيته أبداً ولا في مكان عمله، لكنه يفضل الأماكن العامة.. المتمركزة أساسا في منطقة وسط القاهرة، لم يحدث أن استفسر مني عن الأسئلة وعن أي الأمور تدور، ربما فكر قبل الإجابة عن سؤاله، وعند الإجابة يبدو بطيئا في النطق كأنه يتذوق الكلمات قبل أن ينطق بها.. فلم يحدث أن اعترض على سؤال ولم يطلب أبداً قراءة الموضوع بعد كتابته على شكل أسئلة وإجابات، ولم أسمع منه تعليقات على حوارٍ أجريته معه رغم كثرة هذه الحوارات».

وأكد القعيد أيضا أن محفوظ كان لا يجد أي غضاضة في مساعدة الشباب، ومتابعة أعمالهم وقراءتها بعناية وإعطاء آرائه النقدية المتميزة فيها، مشيرا إلى أن ذلك ظهر مع القعيد شخصيا، عندما نصحه محفوظ في روايته «الحداد»، أنه منذ الفصل الثاني لم يأتِ فيها بجديد، حينها لم يقتنع القعيد إلا أنه مع مرور السنوات، أدرك صوابية راي/ عين نجيب محفوظ الحساسة، والمتفردة في آن.

 

وثبة لغوية

لعل أبرز ما يميز محفوظ إلى جانب موضوعاته، لغته المميزة، حسب ما يشير الناقد يوسف نوفل، والذي بين أنه كانت لغة نجيب محفوظ السهلة في شكلها لغة فلسفية عميقة، أقرب للشعر لا النثر في تكثيفه، وتشبيهاته وغيرها، غير أن محفوظ استطاع الفكاك من صعوبة اللغة بوثبة حرة جمعت بين العمق والبساطة، وهي معادلة لم يستطع الكثير من بعده تحقيقها.

Email