المغربي يسجل رحلة إغتراب بين وطنين .. الجزائر وفلسطين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كتاب " من جرجرة إلى الكرمل " ليس سيرة ذاتية خالصة ، بل هو كتاب يقدم التاريخ بأسلوب القصة ، ليجمع العام بالخاص ، في توليقة ممتعة  تجمع بين  المادة العلمية والصياغة الأدبية.

عندما تسلمت كتاب الدكتور عبد للة مغربي " من جرجرة إلى الكرمل " والذي يتناول فيه سيرة عائلتة ورحلتها أو إغترابها من جرجرة في الجزائر إلى الكرمل في فلسطين ، تساءلت عن أهمية إصدار كتاب يتناول سيرة شخصية ، أو عائلية ، لم يعرف عن صاحبها،  حب الظهور ، أوالرغبة في  التباهي.

لكن ما أن بدات بقراءة المقدمة ، حتى وجدت نفسي في عالم من السرد الروائي ، الغني بالمعلومات ، والشواهد ،تسجل عبر تحليل سياسي وإجتماعي واقتصادي ،تاريخ الهجرات المغاربية وخاصة الجزائرية إلى بلاد الشام ، الأمر الذي بدد الانطباع بأننا أمام، موضوع خاص وهموم ذاتية ، لنجد أن القضية العامة كانت بارزة في كل ثنايا الكتاب وفي كل فصوله وابوابه 

وكباحث يعتمد المنهج العلمي ، يرصد الدكتور عبد الله صلاح المغربي الذي يعمل منذ سنوات مستشارا في مجال البحث والدراسات في ابوظبي ، ، بالوثائق،  حقبة منسية من تاريخ العلاقات بين مشرق الوطن العربي ومغربه ، مسلطا  الضوء،  على ظروف هجرة مجموعات من المهاجرين المغاربة،ومنهم الجزائريين  إلى المشرق العربي، وبالتحديد لفلسطين ،  هربا من ظلم المستعمر الفرنسي ، كما يتناول من خلال وقائع  وذكريات موثقة، الصعوبات التي اعترضت  إندماجهم في أوطانهم الجديدة .

والكتاب الذي  يقع في أكثر من 300 صفحة من القطع المتوسط، يخرج عن إطار السيرة الذاتية البحتة ، ليتناول البيئة السياسية والاجتماعية ، التي أحاطت بتجربة عائلة المؤلف ، والمعاناة التي لحقت بهم، سواء خلال الهجرة الأولى من موطنهم الأ صلي في الجزائر ، او هجرتهم الثانية من فلسطين إلى لبنان بعد عام 1948 ، الذي شهد قيام الكيان الإسرائيلي في فلسطين .

ومع أن الكتاب مليء بالشواهد العلمية والوثائق التي تتناول تلك الفترة ، إلا أن المؤلف إعتمد اسلوب السرد القصصي ، الذي دمج بين العام والخاص .فهو عندما يتتبع جذور العائلة في الجزائر يتطرق إلى مراحل الهجرة المغاربية إلى بلاد الشام في القرن الثامن عشر إبان الحكم العثماني ، قبل أن ينتقل إلى تتبع هذه الهجرات في المرحلة التي وقعت فيها الجزائر تحت الانتداب والاحتلال الإستيطاني الفرنسي ، وكيف ساعد وجود المناضل الجزائري الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق ، بعد قمع ثورته من قبل الفرنسيين ، عشرات العائلات الجزائرية للقدوم إلى بلاد الشام بحيث قدرت اعدادهم مع نهايات القرن التاسع عشر بأكثر من 28 أف نسمة .

كما يتناول الكتاب بعد ذلك توزع المهاجرين الجزائريين في القرى والبلدات الفلسطينية ، مفصلا اسماء العوائل التي سكنت في كل قرية من هذه القرى ومعطيا نبذه عن الطبيعة الجغرافية والاجتماعية لتلك  القرى .

ويقدم الكتاب بعد ذلك شرحا للدور الذي لعبتة العائلات الجزائرية التي استوطنت فلسطين،  في مقاومة الاحتلال الصهيوني ، ودوافعهم للانخراط في أعمال المقاومة . ويشير في هذا الصدد إلى أن العائلات الجزائرية التي استوطنت فلسطين كانت مستهدفة من قبل الصهاينة حيث عملت المنظمات اليهودية بالترغيب والترهيب على الاستيلاء على املاكهم . كما تناول الكتاب الدور الذي لعبه الجزائريون في حرب 1948 معددا اسماء بعض الشخصيات والرموز الوطنية التي كان لها اسهامات بارزة في هذا المجال .

وبعد أن ينتهي المولف من الإطار العام لهجرة الجزائرين والمغاربة عموما إلى بلاد الشام وفلسطين تحديدا ، يبدأ في سرد قصة هجرة عائلته التي بدات بوصول جده إلى بلاد الشام . ويمهد لذلك بالحديث عن الظروف التي دفعت العائلة  للهجرة والجذور القبلية والعائلية للاسرة

وويواكب المؤلف بعد ذلك رحلة العائلة في بلاد الاغتراب إلى أن استقر بعضهم في صيدا  في لبنان ، حيث يشير إلى التمييز الذي تعرض له الجزائرون على يد الإنتداب البريطاني في فلسطين حيث حرم المهاجرون الجزائرون من الجنسية الفلسطينية بالرغم من أنهم كانوا من الناحية القانونية رعايا للدولة العثمانية ويحق لهم الحصول على جنسية الدول التي كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية ، لكن الانتداب ولتسهيل الاستيطان الصهيوني في فلسطين عمل على حرمان الجزائريين  من الجنسية ا لفلسطينية

كما يتناول المؤلف الصعوبات التي عانى منها المهاجرون الجزائريون لإستعادة جنسيتهم الجزائرية بعد سقوط الدولة العثمانية وكيف عرقلت البعثات الدبلوماسية الفرنسية مساعي العديد من أولئك المهاجرين لأسباب واهية . وقد نشر المؤلف بعض الوثائق واوراق العائلية التي لم تشفع لهم استعادة جنسياتهم المفقودة .

ويختم المؤلف كتابه بشرح الجوانب القانونية التي تتناول حقوق المهاجرين الجزائريين الذين يعيشون في بلاد الاغتراب بدون جنسية وضرورة العمل على ارجاع حقوقهم السياسية  والمدنية.

كتاب الدكتور عبد الله مغربي الجديد يتميز باسلوب قصصي ، وبين دفتية معلومات ثرية، ووثائق ،تجعل الكتاب يجمع بين متعة الرواية ، وأمانة البحث العلمي . مما يجعلة إضافة هامة لكل مكتبة عربية ، ونموذجا لكتابة السيرة الذاتية والعائلية بأمانة علمية ، وصياغة فنية ممتعة.  
 

Email