في ذكرى غيابه الثامنة

نجيب محفوظ رمز الحارة المصرية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما اختار الأديب العالمي نجيب محفوظ، الذي يعتبر رمز الحارة المصرية مر العام الثامن على رحيله أن يشق طريق الكتابة، في التاسعة عشرة من عمره، بمجلة (الجديدة) التي كان يديرها الكاتب سلامة موسى من منزله، اختار أن يكتب عن الاشتراكية، فطالب كلية الآداب قسم الفلسفة، آنذاك، كان يدرك جيدًا، ما الذي يحتاجه مجتمعه في هذا الوقت، فقرر أن يبدأ بالمنهاج الذي يمكن أن يسير عليه هو والمجتمع.

كتب محفوظ آنذاك، قائلاً: «هنالك أسباب كثيرة أخرى تجعلنا نكاد نوقن بأن المستقبل للاشتراكية، ولكن بحثها الآن لا يعنينا، ثم لا يفوتنا أن نذكر أن سعادة الاشتراكية الموعودة دنيوية، تُنال في هذه الحياة لا في حياة أخرى، وأنها لذلك قد تعجز لسبب من الأسباب عن إنجاز وعودها تامة كاملة.

وعليه فينفضّ من حولها أعظم مؤيديها حماسةً ونشاطًا، ولكنّا لا ننسى كذلك أن الكمال في الدنيا ضربٌ من المستحيلات، وأنه وإن كانت الاشتراكية لن توصلنا لحالة من النعيم لا مطلب خلفها، إلا أنها تستطيع أن تنتشلنا من حالتنا هذه إلى خيرٍ منها، وليست الاشتراكية نهاية ما يُمكن أن يتطور إليه النظام الاجتماعي، وعليه فالتطلع للأحسن سيدفعنا دائمًا للتنقيب عما فيه سعادتنا ورفاهيتنا».

ولادة

ولد نجيب محفوظ (ولد11 ديسمبر 1911 ــ وتوفي 30 أغسطس 2007) بعد ولادة عسيرة، في الثلاثين من أغسطس عام 1911 تيمنًا باسم الطبيب أبو عوف نجيب باشا محفوظ الذي أشرف على ولادته، مع ذلك لم تكن نصوص محفوظ متعسرة مثل ولادته.

ولد في الجمالية؛ ليُعبر عن مصر القديمة كما أرادت التعبير عن نفسها، تبتسم الشوارع في صمت كلما ذكر أحدهم اسم محفوظ، فقد خلد أبنية وجدرانًا وأزقة، لن يستطيع الزمن أو عوامل التعرية أو حتى الهدم أن تمحيها من أمام أعين الأجيال القادمة.

ابتعاد

يبتعد محفوظ رويدًا عن الكتابات الفلسفية والسياسية، يستعيض عنها بالحكايات، ويعود للتاريخ ليحكي قصة البشر، وتتحول الرمزية في أعماله إلى سمة أساسية تعبر عما يفكر دون أن يحتاج الأديب الكبير في أن يقول إن هذا ما يفكر فيه حقًا، يكتب (عبث الأقدار) التي قدمت مفهومه عن الواقعية التاريخية، يلحقها بكفاح طيبة ورداوبيس، ليدرك هو وجيل من الكتاب الذي عاصره أن المجتمع المعاصر يحتاج منهم إلى أن يلتفتوا إليه، ليصبحوا روحه وعينه، يستخدمون رمزيته، بجانب لغته، ويصنعون شخوصًا وهمية لكنها تشبه الواقع إلى حد التماهي.

الحارة

عندما كتب محفوظ في التاريخ كتب عن كفاح شعب طيب، كتب عن الاشتراكية التي ولدها التاريخ، من قبل حتى أن تسمى باسمها، الطبقات العاملة التي ظهرت بظهور الإنسان، لم تجد أبدًا إلا العمل في السخرة تحت أسماء المشاريع العملاقة، الطبقية التي تميز كل المجتمعات، هي التي خلقت «الاشتراكية» لتطالب بالعدل والمساواة.

وعندما انتقل محفوظ إلى الحارة المصرية، كتب (القاهرة الجديدة) التي حولتها السينما المصرية إلى (القاهرة 30) ليتحدث عن فترة الاحتلال البريطاني، ليكتب عن المقاومة بالكلمة، في الثلاثية، هنا لا يبتعد محفوظ كثيرًا عن الخط الذي صنع في عمله الأسبق، يتحدث عن تلك الحقبة، ولكن من منظور اجتماعي أكبر وأعمق، وشخوص يخلق تباينها سر خلود ذلك العمل.

توقف

بعد ثورة 1952 توقف عن الكتابة، فبعد تحقق الثورة على الملكية التي كان يحلم بها الكاتب الكبير، ما لبث أن رأى حلم الاشتراكية يتحطم على صخرة النظام الحاكم الجديد، الذي لم يلب ما كان يحلم به الروائي منذ أن كان شابًا يتلمس طريقه بالكتابة في مجلة محلية.

رد

لم تدم تلك القطيعة مع الكتابة طويلًا، عاد نجيب محفوظ ليكتب «أولاد حارتنا» في 59 والتي كانت بمثابة رد نجيب على ما يحدث، لكنها الرواية منعت من مصر، لاتهامها بالتطاول على الذات الإلهية، لذا لم تنشر في مصر، وإن دخلت بعض الطبعات مسربة.

وبرغم المنع فإن الرواية تلك كانت من ضمن أربع روايات هي ما جعلت اسم محفوظ يقترن بالعالمية نتيجة لحصوله على جائزة نوبل في الأدب، نشرت دار الشروق الرواية بعدها بأكثر من أربعين عامًا، ليصبح كل ما كتب ونادى به الكاتب في أيدي قرائه، ليصبح لهم القرار الأخير في الاحتفاء به، أو الاختلاف معه، بعد مرور ثمانية أعوام على رحيله.

متحف محفوظ

بعد ثماني سنوات من قرار وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، بإنشاء متحف للأديب الراحل «نجيب محفوظ» لم يزل المشروع في طي التأسيس، فبعد تعيين توفيق صالح مديرًا للمتحف، وتسلمه مقتنيات «نجيب» الخاصة، ظل المشروع متوقفًا بعد أن صرح المسؤولون أنه لا توجد «اعتمادات مالية كافية».

وقد أعيد طرح فكرة إنشاء المتحف مرة أخرى، بعد مقالة للكاتب الكبير يوسف القعيد، إثر اقتراح بعمل اكتتاب بين المصريين، كما فعل محمود مختار لإنشاء تمثال نهضة مصر، وبرغم ذلك ظل الاقتراح معلقًا، ليقرر وزير الثقافة الحالي «جابر عصفور» منذ أيام إنشاء المتحف وبدء العمل فيه.

وقد أوضح رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية المهندس محمد أبوسعدة، أنه من المفترض أن يبدأ العمل في المتحف في شهر ديسمبر الجاري، على أن ينتهي المتحف بعد عشرة أشهر.

Email