يجتمع فيه الرسامون ومزخرفو المحار وناقشات الحناء وفنانو الخط العربي

«جداريات أصيلة» كرنفال سنوي يجمع «ثيمات» الفن وشغف المدينة

الجداريات تلهم السائحين وزوار المدينة من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عام 1978 تتلوّن مدينة أصيلة بمشاهد جديدة لا يمكن رؤيتها خارج مهرجان أصيلة السنوي، ويستهلك الفنانون كميات كبيرة من الأحبار والألوان والأصباغ، من أجل أن تبدو جدرانها أكثر زهواً وجمالاً، بل يكافح هؤلاء الفنانون نحو إزالة قبح الجدران التي كثيراً ما تصطبغ في المدن الصاخبة بألوان السخام، وما تلفظه عوادم السيارات من دخان أسود قاتم أو تنتشر عليها كتابات وخربشات وما يُسمى بالغرافيتي العشوائي.

بينما تزهو مدينة أصيلة بألوان جميلة وتشكيلات فنية، يترك فيها الفنانون بصماتهم الأصيلة، بل أرواحهم ونبضات ريشهم في كل عام ويرحلون.

 كل ذلك، يتم بفضل مهرجانها السنوي الذي يبعث الحياة في هذه المدينة الصغيرة الضائعة على الأطلسي. وتثير هذه الجداريات زوار المدينة وسياحها الذين يأتون خصيصاً لرؤية الجداريات التي يرسمها الفنانون على جدران المدينة القديمة بطريقة مباشرة.

وفي الواقع، إن المدينة من خلال رسم الفنانين على الجدران أصبح حافزاً للأطفال وأهل المدينة عبر أول نشاط بيئي يسعى من خلال الفنون والثقافة لحث الناس على الاهتمام بالبيئة ونوعية الحياة كما يقول محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى أصيلة.

ألوان الطيف

يسعى الفنانون الذين يأتون إلى هذه المدينة إلى تجريب أساليبهم الفنية وإشراك أكبر عدد من الجمهور في أقدم مدينة مغربية، اشتهرت بقلعتها الرومانية التي شُيدت قبل ألفي عام، والتي بفضلها أطلق عليها المؤرخون "زيليس". لذا يحاول الفن أن يكشف عن هذه الجذور من خلال ألوان الطيف، على جدرانها التي تمتد على الساحل المطل على الأطلسي، إنها لتجربة مثيرة أن يرسم الفنانون على جدران تاريخية، متأصلة في القدم.

فهم يحاولون تخليدها كما فعل الشعراء الآخرون الذين أصبحوا جزءاً من ذاكرة المدينة أمثال الشاعر الكونغولي تشيكايا أوتامسي، والطيب صالح ومحمود درويش والشاعر المغربي أحمد عبد السلام البقالي، والمفكر المغربي محمد عابد الجابري التي تسعى أصيلة أن تصنع حدائق زاهية بأسمائهم.

فضاء ثقافي

يتيح هذا المشهد الفني أي الرسم على الجدران فضاءً للقاء الفنانين ببعضهم خاصة أنهم يأتون من أصقاع مختلفة من أوروبا والعالم العربي، ويعملون أمام جمهور كبير في الفضاء الخارجي يومياً طيلة شهر كامل. لوحات كثيرة تنتشر في أزقة أصيلة، وتحمل أسماء فنانيها وأسماء لوحاتهم، ومن بين الجداريات التي اشتهرت هذا العام، هي لوحة "سفينة نوح" للرسام السوري المبدع خالد الساعي الذي رسم الحروف العربية على جدران أصيلة.

وبذلك، تحافظ المدينة على جدارياتها الملوّنة عاماً كاملاً إلى أن يأتي رسامون وفنانون آخرون ليغيّروا مشهد الجداريات بلوحات جديدة. ويُصر رسّامو جدران أصيلة على أن يتحولوا، خلال موسمها الثقافي الدولي، إلى بصمة جميلة تميّز هذه المدينة عن بقية مدن المغرب.

فكرة الفن

الأثر الذي يتركه هؤلاء الفنانون هو أنهم من خلال الرسم أمام الجمهور وفي الهواء الطلق هو تخليد فكرة الفن، وتثبيت اعتياد جديد في الرؤية البصرية، مما جعل العديد من أبناء مدينة أصيلة للانخراط في فن الرسم نتيجة الاحتكاك المباشر مع الفنانين المحترفين الذين يرسمون على جدرانها وأزقتها وشوارعها.

وأفرز ذلك مواهب متعددة، من خلال احتراف الأهالي لحرفة الفن، وهم يكسبون رزقهم، وخاصة بين الأطفال، مثل رسامي البورتريهات، ومزخرفي المحارات، وناقشات الحناء، وفناني الخط العربي.

وهؤلاء موزعون بين الدروب، ومنهمكون في عالم الإبداع والفن، ونتيجة لذلك، انتشرت في أصيلة ما يمكن أن يُطلق عليه "معرض مفتوح"، يفترش فيه الفنانون الصغار، وغير المحترفين لوحاتهم ومقتنياتهم الفنية على عتبات المنازل، من أجل بيعها للمارة والسياح.

وكثير من هؤلاء الرسامين الفطريين يحلمون بعرض لوحاتهم في معارض احترافية، منهم من يعيش على هذه الحرفة، ومنهم من يقترض ثمن الأصباغ لكي يرسم.

Email