استنساخ وادي سيليكون عربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحفل منطقة الشرق الأوسط بالكثير من المكاتب الإقليمية التي تخدم كافة بائعي التكنولوجيا الرئيسين حول العالم، إلّا أنّ هذه المقار الإقليمية قد تأسست لتكون منافذ مبيعات تابعة، وليس لتكون مراكز إبداعية لتطوير البرمجيات.

وفي هذا الإطار، يتساءل الكثير من الخبراء المعنيين بصناعة التكنولوجيا اليوم، عما إذا كنا سنشهد صعود المواهب العربية المحلية في هذا المجال، ومتى سيحين الوقت الذي نرى فيه تطبيقات برمجية حقيقية، صممها مطورون محليون هنا في المنطقة، وما المطلوب من حيث البنى التحتية أو التغيرات الجوهرية في المواقف والاتجاهات؟.

بدأت المناقشات تدور على نطاقٍ واسع حول فكرة استنساخ نموذج وادي السيليكون في منطقة الشرق الأوسط، إلّا أن تكرار نسخة طبق الأصل غير ممكن بهذه السهولة، فإذا كنا لا نستطيع تقليد الحاسوب الشخصي وثورة تطوير التطبيقات، فكيف يمكننا إذاً إرساء أسس التكنولوجيا العربية الجديدة؟.

في هذا السياق، علَّق السيّد وائل الرفاعي مدير الحلول المؤسسية في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بشركة «Pentaho بنتاهو»، قائلًا: «تلعب متطلبات الأجور دوراً أساسياً، فرغم أن هناك دولاً تضم العديد من المهنيين الموهوبين من الشباب، سيصعُب على شركة أميركية تعهيد أعمالها إلى دول أخرى مرتفعة الأجور، لكن تشهد بعض الدول، مثل لبنان والأردن والمغرب، توسعاً ملحوظاً في قطاع تعهيد التكنولوجيا، غير أنها لا تزال تواجه تحديات بارزة، لا سيما في ما يتعلّق ببنيتها التحتية».

رغم أننا قد نصف استشرافنا للمستقبل في منطقة الشرق الأوسط بالشمولية، يؤكد السيّد هاربريت سينغ نائب رئيس المنتجات في شركة «CloudBees كلاود بيز» لتطوير البرمجيات السحابية، أن المسألة ليست مجرد تأسيس مكاتب مترفة، واستضافة مؤتمرات دولية معنية بالتكنولوجيا وحسب.

ويضيف في هذا الإطار: «يكمن التحدي الرئيس في الأهمية الكبيرة المعقودة على المهارات في عالم المطورِّين سريع الخطا. فالمطورون في بحث مستمر عن أحدث صرعة في العمل. وفي غياب ذلك، لن تتمكّن من استقطاب المطورين إليك والاستفادة منهم في هذا المجال. وفي المقابل، إن لم تنجح في جذب هؤلاء المطوِّرين للعمل ضمن بيئتك، فلن تتمكن من الوصول إلى أحدث صرعة في العمل».

يقول أحمد عدلي مسؤول الحوسبة السحابية المؤسسية، المدير الأول لمنطقة شرق وسط أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بشركة «أوراكل»: «تتعاون أوراكل أيضاً مع الجامعات العربية المحلية من أجل تعزيز مهارات الخريجين، من خلال اعتماد منهجيات التطوير السحابي التّي تشكِّل نموذج تطوير التطبيقات الحديث، الذي يركِّز على تطوير التطبيقات السحابية فقط أو التطبيقات التي ستبدأ بالتقنية السحابية ثم تتخذ أشكالاً أخرى».

من الصعب الارتقاء بمهارات البرمجة في العالم العربي مع مراعاة العوامل الأخرى. لذلك، تعكف شركة «أوراكل» على تكوين بعض فرق العمل المعنية بتطوير المنتجات للمشاريع الاستراتيجية، مثل حزمة «الأعمال الإلكترونية eBusiness» في كلّ من القاهرة وعمّان. ولكن في الوقت نفسه، على الشركة الاستثمار في تكوين فرق دعم تخدم العملاء من الشركات بمنطقة الشرق الأوسط. بالتالي، إذا ارتقيت بمستوى المهارات، عليك أن ترتقي بمستوى الخدمة كذلك.

ويتذكر أحمد عدلي تعليقات سمعها عن الصعوبات التي يواجهها المبرمجون العرب في دول مختلفة، وذلك بسبب التكاليف والرواتب المتوقعة في المقام الأول.

لا يزال المستقبل مشرقاً أمام مجتمع المبرمجين العرب، ولا سيما بسبب تقنية الحوسبة السحابية، حيث تُتاح إمكانات التخزين والحوسبة غير المحدودة نسبياً على شبكة الإنترنت من خلال أحد مراكز البيانات. وهذا الانتشار الواسع لإمكانات الوصول إلى البنية التحتية والاستفادة منها، يوفِّر، نظرياً على الأقل، للمطوِّرين العرب، الموارد والأدوات نفسها المستخدمة حالياً في وادي السيليكون. وبالتالي، لا توجد مشكلة في الوصول إلى البنية التحتية، فالفجوة القائمة في مجتمع المبرمجين العرب هي مسألة وعي وتثقيف.

هنا يضيف أحمد عدلي من «أوركل»: «من منظور التنمية المستقبلية، لا بدّ من توجيه مساعي الاستثمار الأساسية نحو قطاع التعليم، وتعزيز سبل الاستعداد للمستقبل. ودائماً ما يُعتبر عدد الخريجين الذي يتقنون استخدام أُطر وأدوات البرمجة الحديثة، أولوية للشركات متعددة الجنسيات، كي تتجه باستثماراتها في أيّ بلد».

إذا كان الهدف تعزيز الكفاءات العربية المحلية لتطوير البرمجيات وتصميم التطبيقات التّي سيستفيد منها السوق المحلي، لا بدّ من النظر إلى عنصر مهم للغاية، ألا وهو مجتمع المطوِّرين. وغالباً ما يُساء تفسير شخصيات مطوِّري البرمجيات (بمن فيهم المطوِّرين العرب)، واعتبارهم مهووسين بأنفسهم وهواياتهم، وذلك نظراً لانطوائهم على أنفسهم في عالم التكنولوجيا والتقنيات الذي يعيشون فيه. وبسبب ذلك، فهم يميلون إلى التواصل في ما بينهم، ولذا، يقدِّرون قيمة العلاقات في مجتمعهم الخاص. وترى آلي سبيفاك رئيسة تسويق أعمال المطوِّرين في شركة «Mozilla موزيلا»، المتخصصة في تطوير برمجيات الإنترنت، أن شركتها تحقق هذه المعادلة.

قالت آلي سبيفاك عن ذلك: «تضمّ موزيلا متطوعين من مجتمع المطوِّرين من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وتأتي أكبر مجموعات المساهمين من الشرق الأوسط من دولتي الأردن ومصر. كما أتمت ثلاث متطوعات من الشرق الأوسط، تدريب Tech Speakers متحدثي التكنولوجيا، وحالياً يقدمن معلومات تعريفية عن شركة موزيلا والتكنولوجيا للمطوِّرين في المنطقة».

لكن تقول آلي سبيفاك إنهم لا يزالون يواجهون صعوبات، كما يواجه كثيرون من مطوِّري البرمجيات المحليين تحديات في إنشاء مساحات عمل مشتركة، وعقد اجتماعات محلية للمطوِّرين في ظل غياب التمويل، وغياب دعم الحكومات المحلية، والافتقار العام للبنى التحتية الأساسية، لا سيما شبكات الإنترنت الموثوقة.

وأضافت آلي سبيفاك: «بناءً على الأشخاص الذين التقيت بهم، تضم المنطقة إمكانات ومواهب إبداعية هائلة بالفعل. لذلك، من المهم جداً أن تزيد الحكومات المحلية والمؤسسات الدولية من الاستثمار في إثراء مواهب المطوِّرين المحليين.

نظراً لأهمية الدور الذي تلعبه البرمجيات في عالمنا الرقمي، يمكننا القول إن الافتقار للمبرمجين العرب موضوع حساس، لا بدّ من مناقشته ومعالجته. ويبدو أن الخبراء المعنيين بهذا المجال يتفقون على أركان خطة عمل خماسية لتنمية المواهب التقنية العربية، والمتمثلة في، إتاحة رأس المال المغامر، وضمان حماية الملكية الفكرية، وإعادة توجيه مسار القوة الشرائية المحلية للتكنولوجيا، وذلك للتركيز على التكنولوجيات المنتجة محلياً، مواصلة بذل الجهود لتذليل العقبات التي تعترض ريادة الأعمال العربية، بما في ذلك المخاوف التنظيمية، وما إلى ذلك، ومواصلة التركيز على تعليم التكنولوجيا في العالم العربي على المستوى الشعبي، على النحو الذي تعتمده جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية، وتكوين العلاقات والاتصالات بين أفراد مجتمع المبرمجين العربي وإثرائها.

Ⅶإعداد فريق إدارة المحتوى لمبادرة حوار الشرق الأوسط *

Email