موسيقيون معاقون..سيمفونيات على وتر الإلهام

ت + ت - الحجم الطبيعي

مبدعون من طراز فريد، وقفت لهم الإعاقة بالمرصاد، فأغمضوا أعينهم عنها، وتركوها وراءهم تعاني في صمت، لينطلقوا نحو أحلامهم ساعين إلى تحقيقها، فكانوا دروساً حقيقية في التحدي والإرادة.

وفي مجال الموسيقى، عزفوا على الآلات مرة، وعلى أوتار قلوبنا مرات ومرات، فكان النتاج روائع وسيمفونيات وباقات إلهام، وأغنوا بإبداعاتهم أرشيف الفن والموسيقى، كما أغنوا ذواتنا بتجارب ملهمة، لينتصروا على الإعاقة بالشغف، ويقدموا ما عجز الكثيرون غيرهم عن تقديمه.

إبداع بيتهوفن

أسماء بارزة في مجال الموسيقى، تركت بصمة خالدة لا يمحوها الزمن، أبرزها الملحن، وعازف البيانو الألماني الشهير لودفيغ فان بيتهوفن، الذي يعد واحداً من أعظم عباقرة الموسيقى في مختلف العصور، إلا أنه بدأ يعاني من طنين حاد في أذنيه حين كان في الـ 26 من عمره، ما جعله يتجنب الحديث مع الناس، ويصاب تدريجياً بفقدان السمع.

وقد ساءت حالة بيتهوفن، الذي بدأ ينطوي على نفسه، وكاد أن ينتحر، ليضع حداً لحياته البائسة، إلا أن الفن تمكن منه، وكان الأمل الذي يضيء له بقعة ضوء في العتمة، التي يعانيها بصمت، ورغم إعاقته، استمر في ممارسة موهبته، ولم يتوقّف عن التأليف الموسيقيّ خلال فترة صَممه، وقام بتأليف أكثر مؤلفاته شعبية، وهي السيمفونية الخامسة والتاسعة، كما قدم الكثير من الإنتاج الفني، وترك ميراثاً خالداً جعله واحداً من أبرز عازفي البيانو في العالم.

إصرار بوتشيلي

وبالانتقال إلى إيطاليا، يتهادى إبداع المنتج الموسيقي والمغني الأوبرالي أندريا بوتشيلي، ليؤكد أن الإعاقة ليست عائقاً أمام الموهبة الحقيقية. فقد بوتشيلي بصره وهو في سن صغيرة، بسبب استعداد وراثي، أدى لضعف بصره، وفقدانه تماماً بمرور الوقت، لكن ذلك لم يطفئ حماسه لتحقيق أحلامه، واستمر في تعلم الموسيقى حتى أصبح من أبرز الأسماء وألمعها.

تألق مكاوي

في العالم العربي، يطل الملحن والمطرب المصري الكفيف سيد مكاوي إطلالة نجم، ليلمع في سماء الموسيقى والتلحين والغناء، رغم إعاقته البصرية، استطاع خلال فترة وجيزة من تألقه أن يكسب ثقة أشهر الأصوات العربية، وعلى رأسها كوكب الشرق أم كلثوم، التي تغنت بأجمل ألحانه في أغنية «يا مسهرني»، التي حققت نجاحاً ساحقاً، ما جعلها تعتمد مكاوي ملحناً جديداً إلى جانب الملحنين، الذين كانت تغني من ألحانهم في الفترة الأخيرة من مشوارها، كما غنت له كل من ليلى مراد، ونجاة الصغيرة، ووردة الجزائرية، وشادية.

وتمتاز ألحان سيد مكاوي بالبساطة والعذوبة، وظل طوال حياته الفنية متمسكاً بالآلات العربية الشرقية، وكانت موسيقاه شرقية خالصة، ورغم التجديد، الذي يطغى على ألحانه، إلا أنه لم يتخلَّ عن الأصالة، ولم يكتفِ بتلحين الأغنيات، بل لحَّن أيضاً الأوبريتات والمسرحيات الغنائية.

شغف الشريعي

ولم يكن سيد مكاوي الكفيف الوحيد، الذي اكتسح مجال الغناء والتلحين، بل ظهرت أسماء رائعة أضافت الكثير لأرشيف الموسيقى العربية، ومنها الموسيقار عمار الشريعي، الذي استطاع بموهبته وقدراته الموسيقية الكبيرة أن يهزم العمى، وأن يُروِّض شغفه بالموسيقى في تقديم بصمة متميزة.

ظهر ولع الشريعي بالموسيقى في وقت مبكر، وتعلم العزف على بعض الآلات الموسيقية، وشارك في الحفلات المدرسية، حتى قرر أن يدرس الموسيقى ويتخصص فيها.

والشريعي صاحب بصمات رائعة في الموسيقى الآلية والغنائية المصرية، إضافة إلى الموسيقى التصويرية للكثير من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، رغم إعاقته البصرية، ويُعتبر نموذجاً متميزاً كونه كفيفاً بارعاً في العزف على آلة الأورغ، نظراً لصعوبة وتعقيد هذه الآلة، واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار. وارتبط اسم عمار الشريعي بألحانه التصويرية وموسيقى الجينريك لعشرات الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، التي تجاوزت الـ 200 عمل، ومن أبرزها «رأفت الهجان»، و«زيزينيا».

Email