جيم شيريدان سيد رواة القصة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين فيلمي «قدمي اليسرى» (My Left Foot: The Story of Christy Brown) (1989) و« الساعة 11» (11th Hour) تتوزع مسيرة المخرج الأيرلندي جيم شيريدان، الذي يتمتع بنظره سينمائية ثاقبة، جعلت منه إحدى أيقونات السينما العالمية، وسيداً لرواة القصص، ليس في بلده فقط، وإنما في هوليوود أيضاً التي سافر إليها في بداية عقد الثمانينيات، ليجد نفسه معلقاً في هوى الفن السابع، الذي قاده للترشح لجائزة الأوسكار 6 مرات.

مجموع ما يمتلكه شيريدان في جعبته لا يتعدى 10 أفلام، اخرها كان روائياً قصيراً عنوانه «الساعة 11» (11th Hour) (2016) عرضه في افتتاح نسخة مهرجان دبلن للفيلم العربي الثالثة، ولعبت بطولته سلمى حايك، ويتناول فيه الأجواء المتوترة التي خلفها انهيار برجي التجارة العالمي في نيويورك، والصدمة التي أصابت الكثيرين حول العالم، ليبدو أن شيريدان قد لعب فيه على وتر المشاعر الإنسانية.

ومن قبله قدم فيلم (The Secret Scripture) (2016) الذي تدور أحداثه حول امرأة اعتادت أن تكتب يومياتها خلال مدة اقامتها في مستشفى للأمراض العقلية.

مشاعر إنسانية

المتابع لأفلام شيريدان الذي يجمع بين الإخراج وكتابة السيناريو، يجد أن المشاعر الإنسانية قاسمها المشترك والتي يبدو أنه لا يتنازل عنها في روايته لقصصه، كما بفيلمه «قدمي اليسرى» الذي يمكن اعتباره واحداً من الكلاسيكيات، حيث يكشف فيه شيريدان باستخدام أدواته السينمائية الفذة، عن حياة واحد من الشخصيات التي واجهت الصعاب بأمل وتحد.

فعلى مدار نحو 100 دقيقة نعيش مع حياة كريستي براون، منذ لحظة ميلاده، مروراً بصراعه في التكيف مع آليات الحياة الطبيعية، إلى جانب مراحل حياته التي تحدى من خلالها إعاقته التي رافقتها خيبات أمل عدة، وصولًا إلى التصالح مع النفس والحصول على الحب المأمول، لينقل الينا شيريدان ملامح الأمل وقدرة الإنسان في التغلب على الصعاب ومواجهة الحياة بالأمل ليعبر من خلاله إلى النور.

قدرة شيريدان في «قدمي اليسرى» على الربط بين الشاعرية والتحدي، مكنته من اقتناص 20 جائزة، من بينها جائزتي أوسكار، إحداها كانت أفضل فيلم، فيما الثانية كانت من نصيب الممثل دانيال دي لويس، الذي لعب بطولة الفيلم.

ورغم ما تميز به دي لويس من حضور بالفيلم، إلا أن البطولة الحقيقية فيه كانت للقدم اليسرى، حيث نجد أن شيريدان قد استهل مشاهد عمله بتحرك قدم براون اليسرى، التي فرغت للتو من كتابة بعض الكلمات وبدأت في وضع الموسيقى المحببة له ليستمع لها وسط معاناة ضرورية لمساعدة الذات.

حيل شيريدان الإخراجية بهذا الفيلم، وانتقاله السلس بين مراحل حياة براون، ساعده في التنقل بين مشاهد الفيلم، الذي لم يترك فيه فرصة للجمهور لأن يشعر بالملل، لذا نجده قد بدأها من نقطة النهاية التي وصل بها بروان إلى النجومية رجوعاً إلى حياته الأولى وميلاده وحياته البائسة التي لم تدم طويلًا على هذا المنوال، وهي طريقة استخدمها شيريدان لربط الجمهور بالفيلم.

لوحات ومراحل

في المقابل، نجد أن شيريدان قسم حبكة الفيلم بحسب مراحل حياة براون، وحملت في مجملها عناوين ضمنية مستوحاة من لوحات براون نفسه، فكانت الأولى لوحة الأم التي رسمها لوالدته (الممثلة الأيرلندية بريندا فريكار) التي كانت سنده الأول، من خلال لوحة يغلب عليها اللون الأسود ويطل وجه الوالدة منها بلون أبيض، يكشف عن دور الأم الذي حمل شعلة الضوء لحياة هذا الطفل العاجز عن مواصلة حياته وحده، ويتسلل إلى طفولته من خلال هذه اللوحة، فتحت تلك اللوحة عالم براون من بدايته، وأكمل الفيلم رحلته مع لوحات متعاقبة رسمها براون بقدمه اليسرى لوالده ومعلمته وحبيبته دكتور إلين كول.

وإن كان شيريدان قد سلك خط السيرة الذاتية في فيلمه «قدمي اليسرى» فقد اتخذ في «الملاكم» (The Boxer) (1997) خطاً مغايراً، ففيه أعاد إلى الواجهة قضية الصراع الطائفي الأيرلندي بين البروتستانت والكاثوليك من خلال قصّة «الملاكم داني فلين» الذي يخرج من السجن بعد 14 عاماً محاولاً رأب الصدع بين شقي المجتمع الأيرلندي.

صراع طائفي

النقاد رأوا في «الملاكم» استكمالاً لما بدأه شيريدان في «قدمي اليسرى» وأكده في فيلمه «باسم الأب» (In the Name of the Father) (1993)، وهي رؤية أخذ شيريدان على عاتقه فيها توضيح أبعاد الصراع الطائفي الأيرلندي رغم أن الفيلم منتج وفق الإيقاع أو الأسلوب الهوليوودي.

لذا نجد أن «الملاكم» ليس فيلماً مجرداً يحاكي فيه شخصية أو حدثاً ما، بقدر ما هو فيلم عن وطن أخذت منه الصراعات السياسية والطائفية الدموية مساحة واسعة.

نهاية «الملاكم» جاءت غامضة، حملت بين طياتها دعوة للمشاهد لأن يتصور الحل، تاركاً إياها أمام تساؤلات عدة، لا سيما وأنه يعكس حقيقة الصراع، الذي نجح شيريدان في تصويره مع المحافظة على أجواء الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، وهنا نجده قد استخدم أسلوب التتابع، لبناء الحبكة الدرامية، وهي تشبه إلى حد كبير أسلوب هوليوود في تصاعد وتيرة الفيلم كلما تقدمنا في مشاهدته.

كما يستخدم فيه شيريدان أسلوب الواقعية، مع تضمينه بعشرات الرموز والشخصيات مختلفة المستويات، إلا أن اللافت في الفيلم هو طبيعة تكوينه في مرحلة الذروة والنهاية غير المتوقعة تماماً، والتي أشرنا إلى أنها غامضة، رغم أن الثلث الأول للفيلم جاء بصورة سطحية، ولكنه كان لازماً لضمان تطور طبيعة الصراع والحبكة الدرامية.

ما يميز «الملاكم» هو اعتماد شيريدان فيه على أسلوب إخراجي تضمن وصفاً دقيقاً للمكان، لخلق علاقة وثيقة بين الكاميرا والشخصيات والمكان، فمثلاً اتخذ من حلبة الملاكمة، رمزاً يدل فيه على الوطن، بدليل استخدامه لموسيقى تصويرية متنوعة تتناسب مع الأجواء التي فرضها الحدث من دون أن تشرحه، وهو ما أغنى الفيلم، وأبعده عن الثرثرة البصرية والحوارية.

وكما صور لنا شيريدان الصراع الطائفي في فيلمه «الملاكم» فقد انحاز للأحياء الفقيرة في نيويورك، عبر فيلمه «في أميركا» (In America) (2002) الذي تقرأ فيه ما تشهده هذه الأحياء من أحداث عنيفة، وحياة تفيض فقراً، ولكن شيريدان ركز في طرحه على البعد الإنساني، ومحاولة نقل الواقع بأمانة، لذا فهو لم يعمد إلى تقديم «جرعة عالية» من العنف، مكتفياً فيه بما قدمه من مشاهد قادرة على تبيان حقيقة الواقع الإنساني.

حياة الجريمة

ما قدمه شيريدان بفيلمه «في أميركا» عاد إلى تقديمه بصورة مغايرة بفيلم «كن غنياً أو مت» (Get Rich or Die Tryin) الذي يتخذ فيه من الجريمة تيمة رئيسية، عبر حكاية «ماركوس» الذي ينجو من الموت، ليقرر الابتعاد عن الجريمة والانتباه إلى عائلته، بعد أن كان قد نشأ أصلاً في حضن عائلة متشرذمة، ليكون العنف والموت خطين ملازمين له.

في هذا الفيلم استحدث شيريدان طريقة جديدة في المعالجة السينمائية ابتعد فيها عن العلاقة النمطية السائدة في العلاقات الإنسانية.

 «الأخوة» (Brothers) (2009) فيلم اخر يبحر فيه شيريدان في بحر العلاقات الإنسانية، وتحديداً العائلية منها، وهو يتمحور حول الشقيقين كاهيل، أحدهما يعود من السجن (جيك غيلينهال)، والآخر يرحل إلى الحرب (توبي ماغواير)، والمرأة (ناتالي بورتمان) التي تحب الاثنين، وهنا نقف أمام فيلم لا يتحدث عن الحرب بشكل مباشر، وإنما عن اسرة أحد أفرادها في الحرب.

DVD

My Left Foot

يتناول قصة كريستي براون المصاب بالشلل الدماغي، يلتقي بماري كار في حفل خيري، يمنحها فيه نسخة من كتابه الذي يروي فيه قصة حياته مع الإعاقة.

The Boxer

تدور أحداث الفيلم في مدينة بلفاست، حول ملاكم يدعى داني فلين الذي يغادر السجن بعد أن قضى فيه 14 عاماً، ويفرج عنه نتيجة حسن سلوكه.

In the Name of the Father

جيري كونلون يدان عن طريق الخطأ بالمشاركة مع الجيش الجمهوري الأيرلندي في التفجير الذي أودى بحياة 5 أشخاص بمدينة جيلفورد.

Get Rich or Die Tryin

ماركوس ينشأ بحضن عائلة مشتتة، لم تتح له فرصة التعليم، ما يجبره على الالتحاق بإحدى عصابات نيويورك، ينجو من الموت فيقرر ترك الجريمة.

Email