أفلام الرعب.. حصان هوليوود الرابح

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أن تذكر سينما الرعب، فلا بد أن تتقافز إلى أذهاننا عشرات الأفلام، التي صنعتها السينما العالمية في هذا السياق، بعضها دخل قوائم أفضل أفلام الرعب، فيما تعثرت أخرى مع بداية مسيرتها، وسقطت دون أن يلحظ أحد ذلك. أفلام الرعب تعد سيدة شباك التذاكر العالمي، وهي حصان هوليوود الرابح وأحد أهم الطرق التي تسلكها هوليوود إلى جيوب الجمهور، وليس سراً أن معظم استوديوهات هوليوود تنظر إلى كم الإيرادات التي تحققها هذه النوعية على شباك التذاكر، قبل أن تفكر في سيكولوجيتها وتأثيراتها على الجمهور، فحجم المليارات التي تحققها يفسر لنا أسباب إقدام هوليوود على مواصلة إنتاج أفلام الرعب، وإعادة تصوير بعضها، وإصرارها على تحويل بعضها إلى سلسلة متواصلة.

قبل الحديث عن حجم الإيرادات التي تحققها أفلام الرعب، علينا أن نعلم أنها عاشت فترات ذهبية، الأولى كانت في ثلاثينيات القرن الماضي، والثانية في الستينيات والسبعينيات، حيث شهدت ازدهاراً ملحوظاً لها، خاصة مجموعة الأفلام التي أخرجها ألفريد هيتشكوك مثل رائعته (Psycho) (1960)، التي تعد من أفضل الأفلام التي صورت الرعب، والتي على أساسها أطلق مقولته المشهورة «أمنحهم تلك المتعة تماماً كتلك التي يشعرون بها عندما يستيقظون من كابوس». ويمكن القول إننا نعيش حالياً الفترة الذهبية الثالثة لأفلام الرعب التي باتت تصلنا من كل مكان، حيث لم تعد هوليوود صانعها الوحيد في العالم، بعد دخول اليابان وإسبانيا وغيرها على هذا الخط.

«مصاصو دماء»

خلال الفترات الثلاث شكل أفلام الرعب وقصصها اختلفت كثيراً، ففي حين كان هناك تركيز على عوالم الفضاء، نجد أن صناع هوليوود حاولوا التركيز في أفلام الفترتين الثانية والثالثة على دراكولا، ومصاصي الدماء، والأشباح والمس الشيطاني والوحوش، وأخيراً مسوخ الهواتف المتحركة، كونها تشكل جميعاً مصدراً للرعب، وقد استفادوا كثيراً من التطور التكنولوجي، وما أحدثه من طفرة في المؤثرات الصوتية والبصرية، التي ساعدت على تقديم صور «مرعبة» للشخصيات.

ورغم وضوح أفلام الرعب فإن البعض يعتبره مصطلحاً فضفاضاً وقابلاً للجدل، كون معظم قوائمه تتضمن أفلاماً من نوعيات الخيال العلمي والخوارق الطبيعية والإثارة، وفي ذلك فقد عرضت صالات السينما المحلية والعالمية خلال 2016 مجموعة كبيرة من الأفلام التي لا يزال بعضها يحلق في فضاء الصالات، من بينها «سيل» (cell) و«المياه الضحلة» (The Shallows)، و«لا تتنفس» (DON'T BREATHE)، كما لا يزال الجزء الثاني من فيلم (The Conjuring) يحظى بإقبال عشاق هذه النوعية من الأفلام. في حين، أن قوائم صالات السينما، لا تزال تنتظر المزيد من أفلام الرعب، قد يكون على رأسها كلاسيكية «المومياء» التي أعادت هوليوود صنعها مجدداً وسيكون من بطولة توم كروز المشغول حالياً بتصويره في مواقع عدة في لندن.

ميزان الأرقام

وبرغم ما تحظى به أفلام الرعب من سيكولوجية خاصة سواء في تصويرها أو كتابة نصوصها، فإن قدرتها على تحقيق الربح يظل السبب الرئيس وراء لهاث هوليوود وراءها، وبحسب ميزان الأرقام، فيكفي أن نعلم أن 7 أفلام فقط صدر معظمها خلال 2016، قد حققت أرباحاً تجاوزت مليار دولار، في حين أن مجموع ميزانيتها بلغ 109 ملايين دولار فقط، وهذه الأفلام هي: سلسلة أفلام «التطهير» (The Purge) للمخرج جيمس ديمونيكو والتي صدرت في أعوام 2013 و2014 و2016، نحو 307 ملايين دولار، في حين أن ميزانيه الأفلام الثلاثة لم تتجاوز مبلغ 22 مليون دولار، وكذلك فيلم (The Conjuring) للمخرج جيمس وان، بجزأيه جمع نحو 638 مليون دولار، علماً بأن ميزانية الفيلمين معاً بلغت 60 مليون دولار، بينما جمع فيلم (The Shallows) نحو 84 مليون دولار عالمياً، رغم أنه صور بميزانية متواضعه بلغت 17 مليون دولار، وهناك أيضاً فيلم (The Forest) الذي جمع 37 مليون دولار وميزانيته بلغت 10 ملايين.

ارتفاع الإيرادات شكل سبباً مباشراً وراء قيام هوليوود بإعادة إنتاج بعض أفلام الرعب، وبحسب تقرير نشرته مجلة فوربس في 2013 حول «أنجح 20 فيلم رعب أعادت هوليوود إنتاجها»، فان مجموعة إيرادات هذه الأفلام بلغ نحو 6 مليارات و464 ملايين دولار، في حين أن تكلفة إنتاج هذه الأفلام جاء أقل من ذلك بكثير، وقد جاء على رأسها فيلم «فرانكشتاين» (Mary Shelley's Frankenstein) (1994)، حيث بلغت أرباح هذه النسخة 10 أضعاف أرباح الفيلم الأصلي لتصل إلى 112 مليون دولار، كما ضمت القائمة أيضاً فيلم «مجزرة منشار تكساس» (The Texas Chainsaw Massacre) (2003)، حيث جنت هذه النسخة 107 ملايين دولار، في حين أن فيلم (My Bloody Valentine) (2009) حقق أرباحاً بقيمة 100.700.000 دولار، أما النسخة الجديدة من فيلم (Dracula) (1992) فقد حققت 215.9 مليون دولار، وهناك أيضاً فيلم (The Ring) الذي أعيد إنتاجه بعد مرور 4 سنوات على إخفاق النسخة الأصلية، ليجمع إيرادات بلغت نحو 249 مليون دولار.

دغدغة المشاعر

وبغض النظر عن حجم إيرادات أفلام الرعب، تحتفظ هذه النوعية بسيكولوجية خاصة بها، كما أن لها متعة خاصة قادرة على «دغدغة» مشاعر عشاقها، والسبب بحسب ما قاله ستيفن كينغ أحد الكتاب المهمين في أدب الرعب، فإن «الرعب هو مقياس في يد الكاتب لقياس ما يؤرق المجتمع»، بدليل أن صناع الأفلام الأميركان اهتموا كثيراً بالقصص التي تدور في الفضاء أو تلك المرتبطة بكائنات فضائية أو مسوخ، وحاولوا من خلالها قياس ما يؤرق المجتمع فعلاً، كما في فيلم ريدلي سكوت (Alien) (1978) الذي استند فيه إلى نظرة العالم إلى الفضاء خاصة بعد عمليات اقتحامه مرات عديدة، والملاحظ أن سكوت قد ختم «تريللر» فيلمه الأول بجملة مفادها أنه «في الفضاء لا يمكن أن يسمع صراخك»، وفي ذلك يحاول سكوت أن يدلل احتمالية مواجهة المجهول في الفضاء، وعلى هذه الفكرة بنى سلسلة متكاملة أطلت في أعوام 1986 و1992 و1997 وكذلك في 2012 تحت مسمى (Prometheus) في حين تجري الاستعداد لإطلاق جزء جديد في 2017 تحت عنوان (Alien: Covenant).

مسافة معقولة

في حين أن هناك من حاول استنباط الرعب من قصص أو قضايا مجتمعية، كما في فيلم (Carrie) (1976) للمخرج روبرت دي بالما، الذي اقتبسه عن قصة ستيفن كينغ، عن فتاة في عمر الـ 17، تظهر جانباً شيطانياً بعد تعرضها للإهانة من قبل زملاء فصلها في حفل التخرج. في المقابل، يعتقد بعض مؤلفي هذه الأفلام أن الرعب يساعد على التخلص من المشاعر السلبية، من خلال تكثيف مشاعر الاثارة المرتبطة بالخوف، وبالتالي التحرر من حالة الخوف نفسها، وهو ما يحاول مؤلف سيناريو «بداية باتمان» (Batman Begins) للمخرج كريستوفر نولان أن يثبته من خلال شخصية كريستيان بيل «باتمان»، الذي يتخلص بعد رحلة طويلة من خوفه من طيور الوطواط، ليتخذ منها شعاراً له. وهي نظرية يؤكدها أيضاً المخرج ديفيد كروننبرغ، الذي طالما اعتبر أن «الرعب هو المواجهة التي تتيح لأي شخص لمواجهة ما يؤرقه، وبالتالي فإن دور الخيال هنا هو أن يجلب للشخص ما يهابه ويضعه في مواجهته على مسافة معقولة، يمكن أن يتعامل معها بسلام».

اعتماد هوليوود في الفترة الثالثة من أفلام الرعب على كل أشكال السحر والشياطين والزومبي والظواهر الخارقة للطبيعة، ومسوخ الهواتف المتحركة، لم يفقد أفلام الرعب متعتها، ولكنها بذلك اختلفت كثيراً عن طريقة ألفريد هيتشكوك ،الذي طالما تلذذ بتصوير الرعب في أفلامه، حيث كان يسعى دائماً إلى منح الجمهور المتعة، التي تشبه تلك التي يشعرون بها عندما يستيقظون من كابوس، لتظل رائعته (Psycho) (1960) علامة فارقة في عالم سينما الرعب، ففيه كسر هيتشكوك كل قواعد السينما بأن صدم الجمهور بقتله البطل في الثلث الأول من الفيلم.

Email