أعراس

العرس الإماراتي فولكلور متوارث على أنغام اليولة والعيالة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

للعرس أو فرحة العمر طقوس متوارثة ظلت تحافظ على هويتها الإماراتية في كثير من مناطق الدولة على الرغم من تباينها في بعض التفاصيل الصغيرة، ودخلت بعضها رياح الحداثة؛ فتبدلت الناقة بالسيارة الفارهة.

ويقام الفرح في فندق خمس نجوم، و»الزهبة« العادية صارت منتجات باريسية وإيطالية، لكنها تظل بنكهة إماراتية خالصة على أنغام اليولة والعيالة. »الحواس الخمس« دخل في تفاصيل العرس الاماراتي؛ فكان له التالي®.التبير بالزواج من السمات المميزة في مجتمع ما قبل النفط؛ فزواج البنت يكون ما بين 13 و14 عاماً، والشاب ما بين 15 و17 عاما. وكما هي الحال في كل زمان ومكان؛ فإن رحلة الزواج تبدأ بالخِطبة، والخِطبة هنا تبدأ حين يقرر الشاب الزواج، ويبدأ في البحث عن عروس مناسبة، فإن كانت من أهله فإن المهمة تصبح سهلة، حيث يفضل الأهل زواج الأقارب، وإن كانت من خارج العائلة؛ فإن أهل العريس يبعثون إلى أهل الفتاة من يبلغهم برغبتهم في زيارتهم، وفي هذه الحالة يعمل العريس على التقرب إلى أهل الفتاة وأقاربها وإرضائهم والحصول على موافقتهم عن طريق تقديم الهدايا وتبادل الزيارات.

وقد يستدعي الأمر وساطة بعض ذوي الشأن، وبعد الحصول على موافقة جميع الأطراف يتم الاتفاق على كل شيء بما في ذلك الصداق، وهو قدر معلوم يتم الاتفاق عليه. ويحدد موعد عقد القران ويوم الزواج، ويطلب أهل العروس مهلة قد تمتد لشهرين يستعدون فيها، وخلالها تخبأ العروس عن أعين الناس لمدة أربعين يوماً، خلال هذه الفترة ترتدي العروس الثياب المصبوغة بخلطة مكونة من الورس والياسمين والهيل والصره، ويدهن جسمها بالنيل والورس، كما يبدأ أهلها في إعداد الحنة ويحنونها غمسة كل أسبوع »أي وضع الحنة في باطن الكف وخارجه«، ويدهن شعرها بالعنبر والياسمين ويجدل بالورد والياس والمحلب وخلال هذه الفترة تأكل الفتاة أحسن المأكولات وتتولى صديقاتها إحضار وجبات يومية لها مشاركة منهن لفرحتها.

(الزهبة) ومستلزمات العروس

زهبة العروس يعني شراء ما يلزمها من ملابس وذهب وعطور وهي عادة ما تكون المزارية والمخاوير وكف الحوار وبستان الياهلي، ومنها أيضاً أبو نيره ومن الحرير الصيني أبو طيره وأبو قلم والصاية والسلطاني وأبو بادله والمخور أبوتسيعة، ومن الثياب أبو قفص والداغ وأبو طيره الرفيع والبوسيم والسواري، إضافة إلى عشرة سراويل مختلفة الألوان.

أما الشيل فمنها النيل الهندية والسود وأبو قفص والميدة، إضافة إلى الثياب الرفيعة. وأنواع من العباءات منها سويعية، أم الخدود، وأم التلايج الخفيفة أو السميكة.

وحاجيات العروس لا تخلو من العطورات وأهمها دهن العود، دهن الزعفران، دهن العنبر والصندل والفل والنرجس ودهن الورد بالإضافة إلى المخمرية والدخون والعود، كما أن الذهب من أساسيات أي عرس وهناك مجموعات من الحلي لابد منها للعروس.

أيام العرس

تستمر الأفراح مدة أسبوع قبل يوم الزفاف، حيث تبدأ الفرق الشعبية في أداء عروضها، وللأفراح رقصات معينة تعبر عن السرور والبهجة، حيث يقام المكسار الذي توضع فيه مختلف أصناف الأطعمة كما تنحر الذبائح.

مكسار الحريم

و»المكسار« خيمة كبيرة من شراع السفينة يؤتى بها، وتنصب على أعمدة من حطب الكندل متدلي الأطراف لتقي من حرارة الشمس. وفي »مكسار الحريم« تتجمع نساء العائلة وصديقات العروس والجارات ليشاركن العروس فرحتها بالرقص والغناء، وفي الوقت نفسه توزع الهدايا التي أحضرها العريس لأهل العروس، وصديقاتها، وتقوم امرأتان مكلفتان من قبل أهل العريس بعرض الهدايا على الحاضرات، وكذلك يتم استعراض »الكسوة« وتقدم المفاتيح لأم العروس ويذهب الجميع للاستعداد لليلة العرس.

استعدادات ليلة العمر تبدأ استعدادات العروس باختيار امرأة تقوم على خدمتها قبل العرس بأسبوع، حيث تقوم بوضع الحناء لها، ويدهن جسمها بالنيل، وفي ليلة العرس تستحم ويغسل شعرها بالسدر المطحون، كما يغسل جسمها حتى يزول النيل عنها ثم تقوم المرأة القائمة على خدمتها بتدخينها بالطيب الخاص المعد سابقاً، وترتدي العروس ملابس خفيفة إذا كان الطقس حاراً وسميكة إذا كان الطقس بارداً، ولا يحق لها أن ترتدي أي ذهب أو حلي.

مساء يوم العرس وفي هذا اليوم يقام »المالد« من الساعة التاسعة وحتى الحادية عشرة، ويتناول الحاضرون طعام العشاء، ويشربون القهوة، بعد هذا يدخل العريس مع أهله لغرفة العروس، ويباركون له ثم يخرجون وتكون العروس في غرفة أخرى لا يراها أحد إلا المرأة المكلفة بخدمتها، حيث تزفها إلى زوجها هي وإحدى خالات العروس، أو قريباتها وذلك قبل أذان الفجر بنصف ساعة.

تجلس العروس عند زوجها مدة نصف ساعة، ثم يخرجنها ويخرج العريس من الغرفة حتى الثانية عشرة ظهراً حيث يذهب لرؤية أهله.

وتحمم العروس مرة أخرى ويلبسنها أفخر الملابس وتزين بالذهب ويعطرنها ويدخنهّا ويدخلنها على زوجها ظهر يوم الجمعة، لأنه عادة ما يكون العرس يوم الخميس بعد أن تكون قد تناولت طعام الغداء. وفي المساء تخرج العروس من غرفتها، وقد تزينت وتجلس فوق فرش خاص، وتتوافد النساء لمشاهدة العروس، والمباركة لها ويدوم هذه الحال سبعة أيام، وصباح يوم الجمعة يقدم العريس لعروسه الصباحية »هدية حسب ذوقه ومقدرته المالية«.

الذهاب إلى بيت العريس يقيم أهل العريس مأدبة عشاء احتفاء بقدوم العروس، يدعون لها الأهل والأصدقاء، وتحضر العروس برفقتها المكلفة بخدمتها فقط، وتجلس أمام النساء لمشاهدتها، ولا تحضر أمها معها، ولا تأتي إلى منزل العريس إلا بعد فترة.

وتستمر النساء في الاحتفال بالعروس أربعين يوماً حيث تقوم سيدات الأسرة بزيارتها يومياً بهدف مساعدتها على تقبل الحياة الجديدة بالتدريج.

أما أهل المنطقة الشرقية من دولة الإمارات فهم كغيرهم من سكان الحجر والباطنة فيحتفلون بالزواج بالرقصات الشعبية أيضاً في المساء ثلاث أو سبع ليال يعقبها إطعام الطعام غداء بعد الظهر ويسمى »الضيف«.

وإذا كانت المرأة من قرية أخرى ركبوا الإبل والحمير، ونقلوها في موكب تزغرد فيه النساء، وتتصاعد أصوات الرجال »بالرزفة« يتخللها صوت إطلاق البنادق وتهيأ للعروس ناقة تركبها وعند وصولها يقدم الطعام للحاضرين، ويهدى للجيران منه، فإذا فرغوا من الطعام قالوا»بكرك صبي يا معرس«.

أفراح تحن إلى كرنفال زمان وأعراس تغرق في البذخ والتبذير

أفراحنا وأعراسنا تجسد روعة الماضي في ثوب معاصر، وعلى الرغم من كثير من المفارقات الاجتماعية الحالية، حيث نرى أعراساً تغرق في البذخ، وأصبحت للمظاهر، إلا أن روح التواصل والتعاضد تظل السمة المميزة لكثير الأعراس الإماراتية، فنجد نساء كل فريج يشاركن بروح جماعية في تجهيز العروس وصولاً لعش الزوجية، وليلة الحناء عبارة عن كرنفال فرح جامع للأحباب والأصحاب، هكذا كان لسان حال من تحدثن ل»الحواس الخمس« حول العرس الإماراتي.

وعن العرس الإماراتي قديماً، قالت الوالدة صبحة سهيل: العرس هو فرح وتواصل وتكافل اجتماعي وهو يعني للفرد الشيء الكثير، كما تبقى صور العرس الإماراتي قديماً عالقة في الأذهان والذاكرة ففيها روعة الماضي وصوره الجميلة التي تبقى خالدة في الذاكرة، تختتم قائلة: على الرغم من كل المفارقات بين الماضي والحاضر، حيث نرى الآن بعض الأفراح عنوانها التباهي والتبذير في بعض الأحيان، إلا أن روح التواصل والترابط سمة موجودة عند الكثير من الاهالي.

وتحدثت الحاجة أم سلطان قائلة: كان للعرس قديماً طقوس جميلة حيث تجتمع النساء لتحضير العروس، فيما يجهز الرجال حاجات الاحتفال من ذبح للمواشي أو نصب خيام وغيره من حاجات العرس، فيما تجمل العروس والمعرس بأعشاب عطرية وأخرى تجميلية حيث تدهن جسم العروس لمدة أسبوع بالنيل والورس، أما المعرس فيدهن بالصندل ودهن الورد وفي يوم العرس تظهر العروس بشكل مغاير تماما من ناحية المظهر، مضيفة ان نساء المنطقة يشاركن في درية العروس أي زف العروس، حيث تمشي النساء حول العروس إلى أن يوصلوها للمنزل.

وتسلمت الوالدة أم عبدالله طرف الحديث، مشيرة إلى الحنة التي زينت فيها يديها قائلة: ان الحناء كانت زينة المرأة قديما وحديثا فيما كانت طريقة نقشها قديما تختلف عن الطريقة الحالية التي طغت عليها النقوش الهندية، موضحة أن تعدد طرق وضع الحناء تسمى »غمسة«، أي تطمس اليد جميعها بالحناء او طريقة »القصة« أي توضع الحناء إلى منتصف راحة اليد تقريباً، مضيفة:

كانت الأعراس قديماً تختلف اختلافا كلياً عن الأعراس في وقتنا الحاضر، فقد كان لها طابع خاص ومناسبة خاصة، وكانت الأعراس في الماضي تحفر في الأذهان ولا تفارق الخيال، أما الأعراس في وقتنا الحاضر أصبحت أعراسا للمظاهر والتباهي وليست أعراس فرح واحتفال.

أما الوالدة أم محمد علي فتقول: من أجمل الليالي هي ليلة الحناء، فهي محببة للنفوس، حيث تذكرنا بالماضي، وهو تعبير عن الفرحة البسيطة التي تنعش القلوب وتربط الابنة بالأم والجدة فتتقدم العروس متزينة بكامل زينتها، والذهب الأصفر يلمع والحناء في أطرافها، وتنتعش قلوب أحبتها فرحا أمامها.

أما الوالدة فطيم سالم فتعلق قائلة: البنت ما لها شور (رأي) قبل، عكس بنت اليوم التي يؤخذ رأيها في كل الأمور وأدق التفاصيل حتى في وقت ومكان ولبس العرس.

وأوضحت أن البنت في الماضي كانت تحرص على تعلم الطبخ والتنظيف وكل ما يخص المنزل. مضيفة بعد الزيارة يسأل أهل الشاب عن الرد، وفي حال الموافقة يذهب الرجال ويتفقون مع والد الفتاة ويحددون موعدا للعرس عادة يكون بعد أسبوع والملجة (عقد القران) ليلة العرس، وتبدأ التحضيرات للعرس، وتدعو النساء جيرانهن ويتعاون الجميع على خياطة الملابس ويجهزن العروس وكانت »زهبة العروس« الإماراتية بسيطة، وتتكون من عود وعنبر وذهب، ولكن هذه الأشياء اختفت أمام صيحات الموضة وإغراءات الصالونات.

من جهتها تقول ليلى علي أحمد، ربة منزل: تغيرت طقوس الأعراس اليوم عن سابقها، ولكن يحاول الآن بعض من شبابنا أن يحيوها ويعيدونها للأذهان ثانية، حيث كانت الأعراس تستمر أسبوعاً، ويمكن أكثر، من ضمنها اليومان الأخيران، وهما يوم الحنة الذي يجب أن يكون يوم الأربعاء، ويوم العرس وهو يوم الخميس نظراً إلى أنه يوم نهاية الأسبوع وبداية الإجازة؛ فهذا يضمن حضور أغلب الضيوف.

دبي ـ مريم إسحاق

Email