دلال خليفة روائية تتأرجح بين الأسطورة والواقع

دلال خليفة روائية تتأرجح بين الأسطورة والواقع

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الكاتبة القطرية دلال خليفة من أغزر مجايليها إنتاجاً من كتابة القصة القصيرة إلى الكتابة للأطفال، من الشعر بالانجليزية الموجه لمدارس الإعدادية والثانوية إلى الرواية، ثم المسرحيات والمقالة.صدر لها العديد من المؤلفات منها «إنسان في حيز الوجود» مجموعة مسرحية 1992، «أسطورة الإنسان والبحيرة» رواية 1993،

«أشجار البراري البعيدة» رواية 1994، «من البحار القديم إليك» رواية 1995، «دنيانا.. مهرجان الأيام والليالي» رواية 2000، و«أنا الياسمينة البيضاء» قصص قصيرة 2002، و«التفاحة تصرخ.. الخبز يتعرى» مجموعة مسرحية 2004، وتحت الطبع «عوالم صغيرة» قصص، و«كأني» رواية.

والى جانب عملها الوظيفي إذ ترأس قسم الرقابة الأجنبية في إدارة المطبوعات في قطر، وهي عضو في هيئة مجلة «مأثورات شعبية» التي يصدرها مركز التراث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي.تشكل دلال خليفة رافداً سخياً للساحة الأدبية في قطر خاصة، وفي الخليج عامة. اهتمت بخطها الأدبي الذي نجحت في تشكيله في إطار فلسفة خاصة بها بين الوجودية والعبثية والكلاسيكية.

تتكئ في بعضها على الأسطورة مقتبسة منها تارة، ومن الواقع تارة أخرى. أول أعمالها رواية «أسطورة الإنسان والبحيرة» واعتبرتها صورة كاريكاتورية أكثر مما هي صورة فوتوغرافية للواقع؛ باعتبار أن الكاريكاتور ليس دائما نكتة أو صورة مضحكة، بل هو صورة تعبر عن الواقع بشكل ساخر وصريح، إلى حد تسمية الأشياء بأسمائها، وهو شديد الحرية إلى درجة التطرف في التعبير.

وهذا الشكل الكاريكاتوري للكتابة؛ ليس تحديثا بقدر ما هو عودة مؤقتة إلى شكل من أشكال الأدب القديمة التي كانت توظف الخيال بشكل اكبر، وتستعين بالخوارق في التعبير عن الفكرة الأدبية؛ وبما ان جانباً من هذا العمل يأخذ شكلاً أسطورياً إلى حد ما؛

إذ يقدم تفسيراً عابثاً لظاهرة معينة؛ كالبحيرة التي يرى الناظر إلى سطح الماء فيها؛ نفسه بشكل حيوان ما؛ يتم تفسير صفاته كإنسان، حسب ما ظهر له في مياه البحيرة؛ كما تفعل بعض الأساطير التي تستند إلى التراث. وتشير التقاطات دلال إلى مواقف من الواقع صادمة، لكنها ترفض ارتباطها بواقع معين أو ببلد أو زمن معين،

باعتبار أن في الواقع ما يصدم بشكل اعنف مما تفعل أحداث الأعمال الأدبية المتخيلة، وفي أسطورة الإنسان والبحيرة المنشورة في العام 1993، استشراف لافت لواقع راهن فيه من التخبط والانسياق والتغريب الشيء الكثير، يسري في المجتمعات بما قد لا تحمد عقباه.

أما عملها «إنسان في حيز الوجود.. أو آخر الأمسيات» وهي المجموعة التي تضم ثلاث مسرحيات، فقد ضمنتها نظرتها الفلسفية للأمور؛ منطلقة من كيفية إعادة بناء علاقة بين طرفين، أو زوجين من خلال البحث عن نقاط الاتفاق إلا ان البحث يبوء بالفشل حين يتصادم تفسير كل منهما لمفهوم الحرية؛ فالحرية لدى طرف ليست مطلقة بل لها حدود؛

بعكس رأي الطرف الآخر الذي لا يمكنه أن يرى الحدود بوضوح؛ عندما يصل إليه. وتتساءل «من منا يرى تلك الدرجة الحرجة.. الدرجة التي يجب ان نتوقف أمامها، ولو توصلنا إلى معرفة الدرجة الحرجة لكل شيء؛ لاستطعنا تجنب مشاكل كثيرة، ولربما قضينا على الجريمة».

تطرح دلال العديد من الأسئلة المفعمة بالفلسفة حول الإنسان وكينونته، وهنا تلعب الكاتبة بحالات البحث عن الذات والآخر من خلال الحوارات؛ التي تصل بها إلى أن «الأشياء التي تدخل حيز الوجود لا تتحول إلى العدم تماما؛ بل توجد بيننا ليس في صورتها التي نعرفها؛

ولكن في شكل آخر من إشكال الوجود» وان الإنسان طبقات وصفات، وترفض رؤى الكاتبة نبذ كل شيء، والنفور منه والسعي للخلاص منه لمجرد الرغبة في الأفضل بل على المرء ان ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى غير التي اعتاد عليها؛ فلعلها تكفيه شر الفرار مما هو بين يديه إلى آخر الدنيا؛ ثم يتضح أن ما يفر إليه اسوا.

وفي ذلك تردد الكاتبة أنها ترفض ذلك النوع من الأدب التنفيسي والإنفعالي، وإنما هي تثق في الأدب التأملي، وترفض أن يكون الأدب ردة فعل لكبت سياسي أو غريزي. وفي مجموعتها المسرحية (التفاحة تصرخ.. الخبز يتعرى) انعكاس صارخ ومؤلم لما يقوم به الفرد ويمارسه في حياته ويومياته،

وان كل إنسان رهين لأفعاله التي تلتصق به كالبصمة لمجرد القيام بها لمرة؛ تضع الكاتبة أبطالها هنا أمام مرايا متعددة أو متعاكسة يظهر فيها دوما بطل واحد هو..أنا.. أنت.. الإنسان. وهي في هذه المجموعة تدخل المغامرة بأسلوب التجريب والمزج بين العبثية والكلاسيكية.

أما أعمالها الروائية والتي اعتمدت التجريب فيها كذلك فإنها ذات مستوى من السرد الناضج، مع الاعتناء بالعنونة والتركيز والاهتمام بالبداية والنهاية، وتوظيف الدلالات في المكان، وتعددية الأصوات وشحذ الشخوص كما تتطلب الأعمال الروائية المتفوقة؛ حيث تقوم بتعرية الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من خلال السرد المتخيل بالدرجة الأولى؛ متخذة الإنسان بؤرة اهتمامها، بالإضافة إلى كل ما يمس الذات الإنسانية، والكيان الإنساني كفكر، وكمعاناة.

تقول الكاتبة والناقدة القطرية نورة آل سعد استكملت دلال خليفة اللوحة الروائية القطرية عندما انتصرت لعملية إحياء ودمج الشخصية القطرية مع المقتضيات الجدية، ومع التطورات الحاصلة في التحديث السياسي والاجتماعي، وكأنما اختزلت الرواية القطرية.

وأن الميزان البنائي والأسلوبي لدلال خليفة قدم مساهمة كبيرة جادة للرواية القطرية التي قدر لها ان تتشكل في نصوص روائية لافتة ومتماسكة فنيا. وان روايات مثل «من البحار القديم إليك» وكذلك «أسطورة الإنسان والبحيرة»، و«أشجار البراري البعيدة».

نجد أن مسار الرواية يتمحور حول المركز الواقعي التسجيلي، ويتحرك في افقه، وبحسب تراتبيته وتتابعه وانعكاساته المباشرة، وتفاصيله البادية للعيان. حيث وصل إلى مرحلة التجريب فيما بعد التسعينات. أي الانطلاق من التنظير إلى الممارسة التطبيقية والتجريب منها، ووضوح الجوانب الدرامية التي فيها، والتي تصل إلى الضحك في سرد الراوي ووظيفته الاجتماعية والتطهيرية.

فاطمة محمد الهديدي

Email