التنويم المغناطيسي .. استرخاء فيه شفاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 14 محرم 1424 هـ الموافق 17 مارس 2003 يعتقد البعض ان التنويم المغناطيسي عملية تتعلق بالنوم والشعوذة وعالم الغيب وبأن من يقوم به من الممكن ان يسيطر على المنوم تماماً فيجعله يسرق او يقتل مثلاً، وما التنويم المغناطيسي حقيقة الا عملية يقوم بها محترف سواء كان معالجاً او طبيباً او مجرد شخص تعلم الحرفة واتقنها. وهي تقوم اساساً على الإيحاء والتأمل وافضل وصف لها ما أطلقه عليها علم النفس الحديث هو (التأمل الايحائي) وتعتمد على فصل الوعي عن اللاوعي بالتركيز على مسائل محدودة وهي ليست عملية تخدير او تغييب عن الوعي كما ان المسألة ليست لها علاقة بالنوم حيث يكون الشخص في كامل شعوره غير انه يكون مسترخياً جداً ذهنياً وجسدياً ويكون متقلباً لما يقال له وللتنويم جمعيات في مختلف انحاء العالم اهمها الكلية العالمية للتنويم، والجمعية البريطانية للتنويم الطبي واهم الدول التي تهتم به كندا والولايات المتحدة واستراليا وفرنسا وقد استخدمه العالم النفسي فرويد والعالم النفسي جانيت وله استخدامات كثيرة في مجال الطب الشرعي لمساعدة شهود العيان للتذكر وكما يستخدم في علاج حالات الألم خاصة المزمنة والأمراض النفسية الجسدية مثل القولون العصبي والصداع النصفي والتوتري وفقدان الشهية العصبي، غير ان استخدامه مع العلاجات العضوية المحددة والمباشرة لا يزال قيد الأخذ والرد وللوقوف على هذه الحقيقة كان لـ «دنيا الناس» هذا التحقيق.عبدالحميد الخطيب «متدرب نفسي» يقول: اعتقد ان التنويم المغناطيسي حقيقة اكدها علم النفس منذ ايام فرويد واستخدمها العديد من الاطباء النفسيين وخاصة في دول اوروبا واميركا حيث يلجأ اليه المريض للهرب من الألم النفسي والعضوي على حد سواء فهو اثناء الجلسة وعند الوصول الى حالة النشوة الهادئة ونجاحها لديه يشعر المريض بعدها براحة نفسية واطمئنان وهو يختلف في تقلبه من شخص لآخر فهناك اشخاص يندمجون مع الطبيب ويصلون الى مرحلة النشوة وهناك آخرون لا يشعرون بأي من ذلك وهذا يرجع الى نفسية المريض واستعداده وتقبله لهذا النوع من العلاج فإذا كان مقتنعاً به قبل الجلسة فنسبة نجاحه تكون كبيرة اما اذا كان رافضاً للفكرة منذ البداية او موافقاً عليها بلسانه ورافضاً لها في عقله الباطن وفي داخله فلن ينجح ولن يعالج بهذا الاسلوب واعتقد ان تعلم اساليب التنويم المغناطيسي الذاتي بحيث ينوم المريض نفسه ذاتياً يعطيه قدرة كبيرة على السيطرة على توتراته وآلامه واعني بتنويم المريض نفسه اي ادخال نفسه بطريقة التأمل الى الاسترخاء التام وهذا يفيد في نسيان الألم العضوي والتخلص منه وتأتي مرحلة ثانية بعد ذلك حين يعتاد الجسم على اسلوب معين يخرجه من ألمه ويحاول الجسد بعد ذلك شيئاً فشيئاً طرد ذلك الألم وآثاره وأسبابه اذا ما كثرت تلك الجلسات التأملية والاسترخاء. حقيقة علمية ويضيف: أما بخصوص وجود عيادات للمعالجة عن طريق التنويم المغناطيسي هنا في الامارات فلا أعتقد ان هناك أطباء نفسيين مختصين بذلك فقط لانه علم قائم بحد ذاته له تخصصاته في الجامعات الاوروبية غير ان هنالك بعض الاطباء الذين على دراية بهذا النوع من العلاج وكذلك في الجامعات فنحن كطلاب علم النفس لا ندرس هذه المادة كتخصص في المنهج ولكننا نمر عليها وعلى بعض اساليب هذا النوع من العلاج واذكر اني قرأت مقالاً بهذا الخصوص في مجلة (ارتستليشه براكسيس) الطبية الألمانية التي مقرها ميونيخ وفيه تقرير يبين العلاقة بين ضغط الدم المرتفع والتدريبات العقلية موضحة ان التدريبات العقلية التي هي مزيج من العلاج السلوكي والتنويم المغناطيسي او ما يطلق عليه البرمجة العصبية اللغوية بامكانها خفض مستوى ضغط الدم لدى مرضى الضغط العالي وهذا مثال واضح على ان التنويم المغناطيسي حقيقة علمية مستخدمة لمعالجة الامراض العضوية كمعالجتها للأمراض النفسية واستشهدت المجلة بمجموعة بحوث اجرتها كلية التكنولوجيا المتقدمة في مدن بشمال المانيا على 63 مريضاً من مستشفى جامعة جوتنجن اكدت ان التدريبات ادت كذلك الى تحسن وظائف الكلى فعلى سبيل المثال انخفضت كمية البروتينات التي تخرج مع البول مما قلل من تدمير واتلاف الكلى ويتعامل المرضى مع صور داخلية اثناء ممارسة ما سمي بتدريب (هلد سهايم) الصحي وخلصت المجلة الى ان التنويم المغناطيسي ساهم في علاج المشكلات الصحية التي كان يعاني منها المرضى بحيث لم تعد تؤثر على الكلى لديهم وضغط الدم العالي كما كان يحدث من قبل وهذا التطور في الطب نوع من انواع العلم لا يدخله الدجل الا عند المتخلفين من الناس والذين لا يعرفون عن هذا العلم شيئاً فهم يعتقدون ان التنويم المغناطيسي نوع من انواع السحر او الدجل او الكذب في الوقت الذي اكتشفته الدول الغربية واخذت تقيم عليه الابحاث وتكرس من اجله الدراسات من اجل اكتشاف فوائده وادراجه لمعالجة مرضاهم من خلاله في الوقت الذي نعتقد نحن انه نوع من انواع الدجل واحب ان اوجه كلمة في هذا السياق للمعنيين عن الصحة في عالمنا العربي واقول بأنه يجب علينا البحث والتقصي واجراء البحوث واجراء الدراسات لنصل الى ما وصل اليه الغرب في ذلك فليس كل ما قاله او وصل اليه الغرب صحيحاً وليس كله خطأ فهنالك الصحيح الذي يجب علينا اخذه والعمل به ودراسته وتطويره وترك الخطأ ولو كان صادراً من اعظم جامعة في العالم ذلك ان العلم يتطور بسرعة فإذا لم نحسن عملنا ولم نسرع فسنبقى متخلفين ونصف اهل العلم بالجهل نتيجة جهلنا. تجاوز الآلام الجسدية الدكتور ريمون حداد «طبيب نفسي» يقول: بداية التنويم المغناطيسي حقيقة اثبتها الطب النفسي وهو عبارة عن طريقة لاستخدام الطاقة الكبيرة للعقل الباطني لاحداث نقلة ما في الانسان وتجربة التنويم شعور مريح واسترخاء وليست مرحلة نوم عميق كما يعتقد الناس ولكن يكون الشخص في مرحلة نشوة يسمع الاصوات ويشم الروائح ويدرك التحركات ويتحكم بتصرفاته فالتنويم ليس نوماً بل حالة استرخاء تامة يكون فيها التركيز على الداخل واغلب الناس يجد مرحلة النشوة ممتعة وهادئة وفي كثير من الاحيان تسمع بعد الجلسة من يقول «يا سلام لقد شعرت بالهدوء ولا اريد ان ارجع للحالة الطبيعية بهذه السرعة» واحياناً تمر على النائم اربعون دقيقة كأنها عشر دقائق دون ان يشعر ويشكل التنويم المغناطيسي طريقة تساعد على العلاج ولكن بشرط ان يكون المريض مستعداً لذلك فمثلاً الشخص الذي يأتي لتوقيف التدخين لن ينجح ولن نستطيع مساعدته الا اذا كان هو مقتنعاً بذلك وطريقة العلاج بالتنويم المغناطيسي تعتمد على ذلك وهي تساعد الشخص في السيطرة على نفسه. وهناك دراسة ظهرت في أول الثمانينيات كشف عنها في المؤتمر الطبي الاسلامي اظهرت انه لا يوجد ثمة فرق من الناحية النفسية بين الصلاة والتنويم المغناطيسي ولكن يكمن الفرق عند الشخص فقط وكيف يعتمد على ذلك وما مدى اقتناعه بأي منهما فهناك اشخاص يفضلون الصلاة لأنهم نفسياً مهيأون لذلك وهناك اشخاص يفضلون التنويم المغناطيسي او الاشياء الحسية كاللمس والرؤية وهو بذلك يستفيد اكثر لأنه مقتنع بما يقوم به مع العلم ان الصلاة هي الأفضل. وهناك طرق مقبولة كعلاج للأمراض الجسدية ولكن عندما تعجز تلك السبل يمكن للمريض اللجوء الى طبيب نفسي ليأخذ علاجه عن طريق التنويم المغناطيسي ولا نقوم بذلك الا اذا كنا متأكدين مما سنقوم به وعلى علم ودراية بالنتائج التي سنصل اليها ولا نستخدم عادة الا الطرق التي اثبتت نجاحها في علم النفس واعتقد ان التنويم المغناطيسي واحدة منها. ويضيف د. ريمون وأشير في هذا السياق الى الخبر الذي تناقلته وسائل الاعلام منذ عامين تقريباً والذي يصب في نفس الحديث عن استخدام التنويم المغناطيسي كأسلوب للعلاج او تخفيف الآلام حيث أكد باحثون من جامعة فلوريدا الاميركية ان تعلم أساليب التنويم المغناطيسي الذاتي يعطي المريض قدرة كبيرة على السيطرة على توتراته وآلامه ومن هذا المنطلق بدأت العديد من السيدات الحوامل بتعلم العلاجات التكميلية مثل اليوجا والتنويم المغناطيسي كوسائل تساعد على الاسترخاء لمساعدتهن في التغلب على آلام المخاض والولادة وقد لاحظ الباحثون بعد متابعة الحالة الصحية لعدد من السيدات الحوامل ممن يتلقين عناية ما قبل الولادة في مركز صحي عام بحيث تعلمت 20 امرأة منهن تحضيرات التنويم المغناطيسي الذاتي وتلقت 20 أخريات الاستشارات الطبية فيما تلقت مجموعة ثالثة منهن العناية العادية وكانت النتيجة مذهلة حيث وجدوا انه لم تحتج اية واحدة ممن خضعن للتنويم لأي تدخلات جراحية عندما حان وقت الولادة مقارنة مع 12 امرأة ممن حصلن على الاستشارات واحتجن الى تدخلات جراحية و8 من مجموعة العناية العادية ونوه الباحثون ايضاً الى ان السيدات اللاتي تعلمن تقنيات التنويم المغناطيسي قبل الولادة اصبن بمضاعفات حمل اقل واحتجن الى علاجات اقل وكن اكثر احتمالاً لانجاب اطفال اصحاء مقارنة بالسيدات اللاتي لم يتعلمن هذا الاسلوب وفي هذه الايام يجري العلماء عدداً من التجارب والابحاث حسب علمي لدراسة امكانية استخدام التنويم المغناطيسي لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم بهدف تحسين صحتهم. وفي الختام أقول ماذا نستطيع ان نحقق بالتنويم المغناطيسي؟ ـ بلوغ مرحلة الصفاء والخيال والحرية من حواجز العقل الواعي الناقد. ـ برمجة العقل الباطن لمقاومة مرض موجود او امراض متعددة. ـ حسم بعض الصراعات الداخلية النفسية. ـ برمجة الجسد على التكييف مع الآلام الطارئة. ـ برمجة العقل الباطن على الاسترخاء والهدوء والشعور بالسلام الداخلي. ـ التغلب على العصبية. ـ مواجهة انواع المخاوف. ـ البرمجة على السعادة والتخلص من الاكتئاب والضيق المستمر. ـ التخلص من الوساوس التسلطية والافعال القهرية. ـ برمجة العقل الباطن على الاهداف الاستراتيجية. وغير ذلك الكثير بشرط واحد وهو ان يكون المريض او الذي يرغب بالنوم مغناطيسياً مهيئاً لذلك ومعتقداً به. التسمية خاطئة الدكتور عدنان عباس فضلي استشاري الطب النفسي بدبي يقول: بداية التسمية خطأ فليس ثمة شيء يسمى التنويم المغناطيسي وانما يسمى عملية «التنويم» فقط وسمي كذلك لأنهم كانوا يعتقدون في الماضي ان ثمة اضطراباً مغناطيسياً بين الجسم والمحيط به وهو اسلوب قديم وكان يسمى المسمرية ومسمر هو اول من نسب اليه هذا الاسلوب وهو ببساطة يخضع الشخص المنوم بارادته عن طريق الايحاء المستمر بحيث يصل الى مرحلة دون فقدان الوعي ولكن يكون تحت سيطرة المنوم فيوحي له بما يشاء ويلتقطها العقل الباطن او العقل اللاشعور. وهذه الطريقة لم تكتسب اهميتها الا بعد ان بدأ فرويد صاحب نظرية التحليل النفسي باستخدامها وكان ذلك اثناء الحرب العالمية الاولى فكان يشاهد الكثير من مرضى الهستيريا بأنواعها فكانت النتائج مذهلة كالأمراض التي تبدو عضوية ولكن أسبابها نفسية كالشلل النفسي فكان فرويد يخضعهم للتنويم ويحصل لهم الشفاء في كثير من الاحيان. وكان يوحي للمريض بعد اخضاعه للتنويم انه اذا استفاق فسيتمكن من المشي وكان يستفيق المريض بعد اصدار الامر من الطبيب ويقوم بالمشي وقد احرز في ذلك نجاحاً كبيراً وكانت معظم هذه النجاحات في الامراض العصابية ولكن المشكلة التي واجهته هي ان ثمة اشخاصاً لا يرغبون في الخضوع لمثل تلك الطرق العلاجية فكانت طريقة التنويم تفشل لأنها تعتمد بشكل اساسي على موافقة واقتناع المريض وتجاوبه فترك فرويد التنويم وبدأ باستخدام التحليل النفسي بترك المريض على سجيته يتكلم ما يريد ويكتشف من خلال كلامه ما يعاني من مشكلات ويقوم بحلها. ويضيف د. فضلي: يمكن للتنويم ان يساعد في شفاء الكثير من الامراض النفسية والعصابية اما بالنسبة للأمراض العضوية التي ليست لها علاقة بالامراض النفسية فقد تساعد عملية التنويم في تخفيف اعراض المرض والآلام المصاحبة له وليس الشفاء التام منه ومن المعروف ان الكثير من الامراض لها اسباب نفسية اذا ما حلت حصل الشفاء لهم من امراضهم العضوية. النوم الطبيعي أفضل الدكتور عادل الشافعي «طبيب عام» يقول: العمل الطبي شقان: الاول هو الوصول للتشخيص والأسباب المؤدية للمرض والثاني هو العلاج وكيفية التعامل مع هذه الحالة الطبية وحتى نصل للعلاج الذي هو عبارة عن شعور المريض بزوال الاعراض التي يشكو منها والاحساس بأنه اصبح سليماً وقد عاد لمزاولة حياته العادية لابد من المرور بعدة طرق منها ان نعالج الاعراض الظاهرة مثل التقلصات او الآلام او التقيؤ باعطاء ادوية تؤثر على هذه الاعراض فتمنعها وثانياً نعالج المسببات كالجراثيم او ارتفاع في السكر او الضغط وغيرها والسؤال المهم اذا كان سبب المرض مرتبطاً بخلل ما في الحالة النفسية او الاضطرابات العصبية فما دور العلاج؟ انه ببساطة يزيل هذه الحالة بعدم الشعور بالألم فمثلاً المخدر ما هو الا عقار يمنع الاحساس بالألم اي يعطل العصب عن وظيفته فترى الانسان يشاهد الجرّاح وهو يجري له جراحة بدون ألم لماذا؟ لأن العقار قد عطل العصب عن العمل الطبيعي له فماذا يكون الحال اذا ادخل الشخص في حالة من عدم الاحساس الطبيعي؟ الجواب انه لن يشعر بأي عرض عنده اي انه اذا كان المريض يعاني من القولون العصبي مثلاً الذي هو مرتبط بالحالة العصبية للمرء الذي عادة ما يكون عصبياً طوال الوقت مما يؤثر على اعصاب القناة الهضمية فتتحرك الامعاء دون انتظام مما يشعره بآلام وعدم انتظام الحاجة عنده فإن هذا المريض عندما يتعرض للتنويم المغناطيسي فإن هذه الاعصاب لا تعمل اي تهدأ ولذا يشعر المريض بالراحة تماماً مثلما ينام ليله مرتاحاً لا يشعر بالآلام المرتبطة لديه بالنهار والتفكير والارق وهذا ما يؤكد ان التنويم المغناطيسي هو مؤثر خارجي على الحواس والحالة النفسية للانسان تسلبه الارادة والتفكير، فالتنويم المغناطيسي قادر على معالجة مرضى التهاب المعدة او القرحة في الاثنى عشر او الصداع النصفي لفترات بسيطة دون ان يقترب من اسباب المرض وعلاجه اي انه يغيب الشخص عن مشكلته تماماً مثل المهدئات فهو في مثل هذه الحالات يعطي نتائج جيدة والدليل على ذلك ان هناك شقاً نفسياً في العلاج ففي الدراسات الاكلينيكية نلاحظ ان من يأخذ علاج (البلاسيو) وهو عبارة عن «لا دواء» ليقارن به الاطباء بينه وبين من يأخذ العلاج لوحظ ان هذا «اللادواء» يعطي نتيجة ايجابية بسيطة رغم انه لا يحتوي على شيء وهذا راجع لرغبة المريض واستعداده للعلاج وهذه كلها محاولات للهروب من العقاقير وتأثيرها العكسي فتارة يهرب الناس للأعشاب واخرى للدجل وآخرون للتنويم المغناطيسي فلماذا ننام مغناطيسياً فلننم ببال مرتاح وضمير لا حقد فيه وعندها يكفينا النوم الطبيعي ليعطينا افضل صحة. تحقيق: محمد زاهر

Email