تراث

«الرواح» قرع على الطبل يروح النفس ويبهج الروح

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تراثنا كنزنا. الجذر الذي مهما علت شجرة الأيام وتزينت واختلفت الوان اوراقها، يظل يشدنا الى التربة والأصل. التراث ليس حديثا مضجرا، انه حكايات لا تزال تنبض بالحياة، تماما كما الجذور تنبض بماء الحياة.

وكثيرة هي التقارير التي تتحدث عن تراث الامارات، وقليلة هي المقاربات التي لا تقع في فخ الاطالة او الضجر، في زمن انصرف فيه الشباب عن كتب التاريخ، الى محادثات »التويتر« و»الفيس بوك« وال»يوتيوب«.»الحواس الخمس« اراد في رمضان أن ينبش في خزانة تراث الامارات، أن يذهب في زيارات خاصة تستقصي وتسأل وتتذكر، مع المعنيين. جلنا في جبال، وتمشينا على شواطئ. استمعنا الى نغمات كادت أن تندثر لولا حرص مجموعة من المتحمسين الى التراث، وجهدهم في الحفاظ عليها ونقلها من جيل الى آخر. جالسنا صيادين وحرفيين وشعراء، وتوغلنا في ذاكرتهم الفردية والجماعية، في ذاكرة الحنين. في رمضان نفتح كتاب الحنين الى الماضي الجميل.

مع »الشحوح« في رأس الخيمة، قضى »الحواس الخمس« يوما دافئا، متخما بدفء الضيافة ولطافة المضيفين. في أقصى نقطة من رأس الخيمة، في منطقة جبلية، اجتمعنا مع القيمين على جمعية الشحوح للثقافة والتراث، وجمعنا هذه التفاصيل عن الإيقاعات القديمة والفنون الشعبية. واليوم، سنلقي الضوء على »ايقاعات الطبل« أو كما يسمى، باللهجة المحلية، »الرواح«.يقول محمد المنصور، المسؤول عن فن الرواح في جمعية الشحوح للثقافة والتراث برأس الخيمة: إن (الطبل) يعتبر الأداة الموسيقية الوحيدة عند الشحوح؛ والنقر عليه يشكل الموسيقى الأساسية للإيقاعات المختلفة للمقطوعات اللحنية الجميلة التي تؤدي عليها الرقصات.

ويضيف أن طبل الشحوح يصنع من خشب جذع شجرة السدر، أو شجرة القرط، والأفضل، هو المصنوع من السدر، وذلك بقطع ما طوله حوالي ذراع من جذع الشجرة، ثم حفر باطنه من الجهتين بشكل مخروطي خفيف، يستدق كلما اتجهنا نحو قلب الجذع.

أما الجلد فيصنع من جلد الوجه بشرط أن يكون أحد الوجهين لتيس أي ذكر، ويكون لونه أحمر والوجه الثاني لوجه عنزة، أي أنثى ويكون لونه أبيض، ويشد هذا الجلد على أطراف الطبل بخيوط مصنوعة من شعر الغنم، أو الماعز وتربط بعيدان مثبتة على حلقة جدار الطبل يسمونها »اشخريه« ويكون النقر على الطبل بالكف، أما الإيقاع المستعمل في رقصة الرواح؛ فهو على نوعين الأول يسمى (نقشه) والثاني (مجامل) وعلى هذا الإيقاع تؤدي رقصة الرواح.

ويضيف المنصور: يسمى الرقص عند الشحوح وأهل الإمارات (لعب)، فيقال (لعبة الرواح) ويقصد بها رقصة الرواح، وفي اللغة الرواح أي راحة الكف، ولعلهم أطلقوا عليها هذا الاسم لأن الأصل فيها هو القرع على الطبل براحة اليد أو قد يكون الاسم من الترويح عن النفس والتسلية.

والرواح ليست رقصة واحدة تؤدى مرة واحدة بل هي جزء من أربع تسميات لرقصة واحدة وهي كما يلي:

السيرح: وتؤدى في الصباح الباكر أي قبل الشروق إلى ما بعده بقليل، واللفظ فصيح ففي اللغة (سرح سرحاً وسروحاً) أي خرج بالغداة ، ويردد المشاركين قائلين (هوهو سيرحي واهوهو سيرحي).

والصودر تؤدي صباحاً أيضاً بعد الاستراحة من السيرح، إلى ما قبل أذان الظهر تقريباً وسميت صودر لأنها تتصدر النهار ويردد المشاركين قائلين (هوهو صودرا واهوهو صودرا). أما الرواح فهي الجزء الثالث التي يعم اسمها على بقية أسماء الرقصة وتؤدى بعد صلاة الظهر إلى ما قبل صلاة المغرب، ولعلها سميت رواح هنا لأنها تؤدى وقت رواح الشمس أي ذهابها وغروبها ويردد المشاركين قائلين (واهو رواح رواح رواح واهو رواح).

والسيري تؤدي بعد صلاة المغرب وتستمر أحياناً إلى الليل بطوله حتى الفجر تقريباً واللفظ فصيح، ففي اللغة السرى أي السير ليلاً، ويردد المشاركين قائلين (هوهو سيرياه واهوهو سيرياه).

فإذا أرادوا أن يؤدوا الرقصة جاء الرجال بطبولهم واصطفوا صفاً واحداً قد يصل عددهم إلى ثلاثين رجلاً أو أكثر، ويكون القرع ثنائياً أي أن الواقف الأول يضرب ضربة إيقاعية بكف يده ذات نبرة خاصة تسمى (نقشة) يتبعه الشخص الثاني في الصف بضربة إيقاعية أخرى ذات نبرة مختلفة تسمى (مجامل) يتبعه الثالث (بنقشة) والرابع (بمجامل) وهكذا®.

واحد ينقش وآخر يجامل. ويتحركون على شكل دائرة أو يتقدمون خطوة ويتأخرون أخرى وتستمر الطرق والنقر والضرب على الطبول نصف ساعة أو أكثر فإذا تعبوا تحركوا صفاً واحداً وهم قائلين (واهي®. هو) وهي إشارة لجماعة ثانية أن تتقدم للعب.

ويوضح المنصور أن الرواح موروث شعبي أصيل موغل في القدم يحمل في فقراته الشعر والشجاعة والقوة والحماس والغزل له اسمان متعارف عليهما في جميع إمارات الدولة وهما (الرزيف أو الحربي) ويعتبر من الفنون الشعبية الأولى في الإمارات مع الفنون الأخرى، وله حضور دائم ومتميز، إذ يقام في الاحتفالات الرسمية والمناسبات الوطنية والخاصة كاحتفالات الدولة والأعياد والأعراس.

ويضيف المنصور أن الرواح له ثلاثة مقومات أساسية؛ »الشاعر والرزيفة واليويله«، فالشاعر هو العمود الفقري الذي تعتمد عليه الرزفة أو الحربية، حيث إنه يقوم ببدع الشلات وهي جمل شعرية ملحنة بصوته يتلقاها الرزيفة من بعده لبدء الرزفة، ويتميز شاعر الرزفة بخاصية عن غيره من الشعراء، حيث يجب أن يكون صاحب حضور ذهني، وبديهي مستمر وسريع في ارتجال الشعر في الوقت نفسه، والمناسبة على صورة الشلة.

أما الرزيفة فهم مجموعة من الرجال يشكلون صفين متقابلين بمسافة معينة حاملين العصي، ويقومون بترديد الشلة التي يلقيها الشاعر على مسامعهم، ويؤدون حركات متناسقة كالانحناء والارتفاع وتحريك الرأس للأمام والخلف بما يسمى الطيحة والخمعة مما يجسد انسجام متواصل بين الصفين على أنغام الشعر المتنقل بينهم.

واليويله هم الأشخاص الذين يقومون بالمشي بحركات معينة على صوت لحن الرزفة بين الصفين، أو من حولهم بانسجام تام حاملين معهم السلاح كل حسب رغبته وميوله، يستعرضون مهاراتهم بسلاح البندقية، أو السيف أو العصي، ويقومون ببعض الحركات الخطرة مثل المزافنه بالسيف أي يتقابل الشخصين حاملين السيوف يؤدون حركة شبيهة بالمبارزة.

ويتحدث محمد عبدالله، موظف، 53 عاما قائلا: هناك شيء جميل في هذا الفن، وهو أنك تجد جميع الفئات العمرية موجودة عند أدائهم للرواح، فهناك الجد ثم الأب، ومن بعدهم الابن، فهو شعور رائع عندما ترى الأجيال الثلاثة متشاركة لأداء رقصة شعبية متوارثة وكأنهم يتناقلون التراث من جيل إلى جيل، وينهي حديثه قائلا: اشعر بالراحة وانسجم كثيرا مع هذا النوع من الفنون الجبلية الرائعة.

وكان للوالد سعيد الشحي، البالغ من العمر 56 عاما، كلمة حول فن الرواح ومدى أهمية نقل هذا الفن إلى الجيل الجديد فيقول: في الماضي كان الرواح مقتصرا على أهل الجبال فقط، لكن اليوم وبعد اهتمام الدولة بالتراث والفنون الشعبية المختلفة بات الرواح منتشرا في جميع انحاء الدولة.

دبي - مريم إسحاق

Email