8 ليال في المغرب ... أرض الكرم والطيبة والمفاجآت!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكد الطائرة تهبط على مدرج مطار الدار البيضاء(كازابلانكا) إلاّ وكانت مشاعر الفرح تغمرني. فرح، لم أفهم له سببا حينها، خاصة وأنها رحلتي الأولى للملكة المغربية .

دخلنا صالات استقبال الزوار في المطار وبدأ الترحاب بشكل لافت، ومضت الإجراءات بشكل سلس لنخرج من باب المطار و إذا بعبارة " أهلا بكم في المغرب " تتردد على مسامعي كأنه سقوط المطر، ينهمر من كل حدب وصوب. الآن، عرفت سر هذا الشعور الذي بدأ يغمرني من مقعد الطائرة. انه الاحساس أنك في بلدك ووسط ناسك.

بدأت الرحلة و توجهنا إلى المدينة الحمراء "مراكش" هذه المدينة التاريخية تعود تسميتها إلى ما بين عامي1122 و1123، حين بنى علي بن يوسف جدران حمراء في المدينة ومباني شيدت بالحجر الرملي الأحمر حتى باتت  مدينة مراكش تلقب بالمدينة الحمراء.

وهي تعتبر اليوم رابع أكبر مدينة في المملكة، بعد الدار البيضاء وفاس وطنجة، تقع شمال سفوح جبال الأطلس التي تغطيها الثلوج في الشتاء، وتبعد بحوالي 580 كم من جنوب غرب طنجة، و 327 كم من الجنوب الغربي للعاصمة المغربية الرباط.


  اليوم الأول: أندلس وباب الفنا

وصلنا فندق "رويال منصور" ذلك المكان الذي يفوح بعبق التراث والمعمار الأندلسي الجميل، الذي يجعلك تشعر بأنك تعيش في قصص ألف ليلة وليلة، بدءا من الزخارف التي تتزين بها زوايا الرياض إلى روعة فن الأرابيسك، مرورابحفاوة الترحيب وأصول الضيافة المغربية التي تعتبر جزءا من نسيج هذا الشعب المضياف . نمت مراكش بسرعة وفرضت نفسها لتكون المركز الثقافي والديني والتجاري للمغرب العربي وأفريقيا؛ بدليل أن ساحة جامع الفنا تعد أكثر الميادين ازدحاما في أفريقيا فهي فضاء شعبي للفرجة والترفيه للسكان المحليين والسياح.

في هذه الساحة ترى المدينة بشكل آخر ، فالفلكلور الشعبي و الأهازيج تتوزع في هذا المكان الذي يعدّ وجهة سياحية في مراكش، تجد العربات التي تجرها الخيول منتشرة في شوارعها وتعد وسيلة نقل سياحية مبهجة، ويطلقون عليها في المغرب " كوتشي " .

يرجع تاريخ هذه الساحة إلى عهد تأسيس مدينة مراكش في عهد الدولة المرابطية خلال القرن الخامس الهجري كنواة للتسوق لكن أهميتها تزايدت بعد تشييد مسجد الكتبية بعد قرابة قرن كامل. واستغل الملوك والسلاطين في ذلك الوقت الساحة كفناء كبير لاستعراض جيوشهم والوقوف على استعدادات قواتهم قبيل الانطلاق لمعارك توحيد المدن والبلاد المجاورة وحروب الاستقلال، ومنذ ذلك التاريخ وهي تعد رمزا للمدينة، يفتخر بحيويتها وجاذبيتها كل من مر منها من المسافرين
 
اليوم الثاني: سيتي فاطمة والقرى

توجهنا لمنطقة "سيتي فاطمة" التي تقع في نهاية طريق وادي أوريكا جنوب مراكش، على بعد مسافة 45  كيلومترا أي مسافة ساعة كاملة ، مع التوقف المستمر لمشاهدة قرى أوريكا والوادي، حيث تحدها جبال أوكايمدن و بجوارها أعلى قمة جبل في شمال أفريقيا وهي تبقال.

 

تشهد هذه المنطقة توافداً كبيرا للسياح وهي تنقسم إلى قسمين سيتي فاطمة الأولى، وتضم قرية على يمين النهر بنيت منازلها من الطين، أما القسم الثاني فيقع في الجهة الغربية من النهر ويضم العديد من المقاهي والمطاعم التي تقدم مختلف أنواع الطواجن، فضلا عن ممرات ضيقة ووعرة  على الجبل، والتي تقودك إلى استكشاف الشلالات السبعة المبهرة.

تنتشر في ( ستي فاطمة ) معامل خاصة باستخراج زيت الأرجان والتي تشتهر بها المغرب ، لذا فإن السائح لايغادر المملكة المغربية إلاّ وهو يقتني بضع زجاجات من الأرجان .
 

 

اليوم الثالث: الصومعة ودار الدباغ

ذهبنا إلى صومعة الكتبية في مراكش وهي أقدم صومعة لمسجد المنصور الذهبي الباني أيضا لصومعة حسّان التي كانوا يسمونها الصومعة التي نصفها ذهب.

صومعة الكتبية هي واحدة من أشهر المآذن في عمارة المغرب الإسلامي، وتعد أبرز معالم مدينة مراكش -درة المدن الإسلامية في إفريقيا- وتكمل هذه الصومعة بارتفاعها الشاهق وهيئتها المهيبة، روعة البانوراما الطبيعية الخلابة لهذه المدينة التاريخية.

لم أشأ ترك مراكش قبل استكشاف جزء آخر من تاريخها ، فقصدت دار الدباغ أي مكان مدابغ الجلود تلك الصناعة التي أنعشت السياحة، ولاتزال إلى يومنا هذا تتبع الطريقة التقليدية واليدوية، وتستخدم مواد طبيعية مائة بالمائة، تنتشر معظم المدابغ في فاس ومراكش التي اشتهرت بهذه المهنة منذ 3 قرون.

عمل العمال تحت أشعة الشمس على معالجة الجلود عبر غمسها في المياه مع إضافة الليمون ويستخدمون لتلوينها أصباغا طبيعية، حيث تبدأ معالجة الجلود التي تصل إلى المدبغة في عربات تجرها الحمير، عبر فرزها ثم توضع في «الجفنة» أو «القصرية» (على شكل إناء كبير) حسب النوع واللون ليتم نقعها في محلول من الجير والماء، حتى يصبح الجلد ناعماً، يتم نقع الجلد في المحلول لعدة أيام وأسابيع وإذا لزم الأمر يعاد نقعها عدة مرات. بعد النقع تأتي عملية التنظيف إذ يتم إخراج الجلود من «القصرية» لتنظيفها يدوياً من الصوف العلق. وبعدها يتم غسل الجلد في ماء نضيف ويترك تحت أشعة الشمس ليجف.

الخطوة التالية هي صبغ الجلد، إذ يتم وضعه مرة أخرى في «قصرية»  من الماء الملون بصبغة طبيعية ويترك لعدة أسابيع، ويتم تحريك الجلد عبر جميع الاتجاهات باستمرار حتى تتوزع الصبغة على جميع أنحائه، هذه الصبغات هي مواد طبيعية مصنوعة من خليط الزعفران الأصفر والأحمر والفلفل، و في المرحلة الأخيرة، تذهب الجلود المصنعة إلى ورش العمل حيث تتم صناعة الحقائب والأحذية التقليدية والرياضية وغير ذلك، يتوافد على مدابغ الجلود عدد كبير من السياح لاسيما الأجانب رغم الرائحة الكريهة، ويحرصون على شراء النعناع قبل الوصول إليها لغرض تخفيف شدة الرائحة.
 

 

اليوم الرابع: إلى "شالة" الرباط

ودعنا مراكش في الصباح وتوجهنا إلى مدينة الرباط العاصمة الإدارية للملكة المغربية، وقصدنا مباشرة "شالة" التي تقع على نهر أبي رقراق وهي من أقدم المواقع الأثرية في الرباط وتجاور القصر الملكي ، يرجع تاريخها لزمن الفينيقيين ، يستقبلك فولكلور تراثي أمام مدخل قصر شالة .

وتنتشر مجموعات كبيرة من طائر اللقلاق الأبيض التي تستوطن قصر شالة و تتوزع على 75 عشا في الداخل و 25 في الخارج بشكل ظاهر لزائري القصبة ، كما تشغل أيضا المقبرة الملكية لسلاطين بني الجزء السفلي من " شالة" منذ العام 1284 م .
 

 

اليوم الخامس: الأوداية .. عبقُ التاريخ

توجهنا إلى " قصبة الأوداية " التي تعتبر نواة المدينة الموحدية في القرن الحادي عشر وقد شيدت في القرن الثاني عشر من طرف السلطان عبد المؤمن وسميت أولا بالمهدية تكريما للمهدي بن تومرت المصلح البربري المسلم مؤسس الدولة الموحدية ، وحظيت القصبة باهتمام سلاطين الدولة العلوية الحاكمة حاليا، خاصة في عهد مولاي عبد الرحمن الذي شيّد بابها الكبير.

ولأن المغرب زخر بالكثير من الآثار لذا لابد من كسب الوقت و زيارة أغلبها ، لذا توجهنا إلى المسجد العتيق الذي يعد أول مسجد في الرباط يقع على قمة القصبة الموحدية ، بناه السلطان عبد المؤمن بن علي سنة 544 هجرية ، وقد كان الملوك العلويونحتى بداية القرن العشرين يؤدون صلاة الجمعة في هذا المسجد كلما طال بهم المقام في الرباط .

ولأن المغرب زخر بالكثير من الآثار لذا لابد من كسب الوقت و زيارة أغلبها ، لذا توجهنا إلى المسجد العتيق الذي يعد أول مسجد في الرباط يقع على قمة القصبة الموحدية ، بناه السلطان عبد المؤمن بن علي سنة 544 هجرية ، وقد كان الملوك العلويونحتى بداية القرن العشرين يؤدون صلاة الجمعة في هذا المسجد كلما طال بهم المقام في الرباط .

اليوم السادس: كازابلانكا و روعة المعمار

توجهنا لمدينة الدار البيضاء أو كما يطلق عليها ( كازابلانكا) لنحظى بزيارة التحفة المعمارية ( مسجد الحسن الثاني) والذي يقع في ساحل المدينة وهو أكبر مسجد في المغرب وإفريقيا و الـ13 عالمياً ، مئذنته أندلسية الطابع و ترتفع 210 متر.

بدأ بناءه في 1987 م  واكتمل في  أغسطس 1993 أبّان حكم الحسن الثاني ، يتسع هذا المسجد لـ 20.000  إلى 25.000  مُصلي إضافة لـ 80,000 مصلى في الباحة الخارجية، و يتميز المسجد بتقنيات حديثة كالسطح التلقائي (يفتح ويغلق آليًا) وأشعة الليزر يصل مداها لـ 30 كلم باتجاه مكة المكرمة , صمم المسجد المهندس المعماري الفرنسي ميشال بينسو.

اليوم السابع : مدن الشمال

و لأن الرحلة لن تكتمل إلاّ بزيارة الشمال حيث المدن الرائعة و الطبيعة الأخاذة فقد انطلقنا فجرا إلى مدن الشمال بدءا من تطوان ، العرائش ، أصيلة ومن ثم توقفنا في طنجة و زرنا المدينة العتيقة فيها ، حيث عبق التاريخ يفوح في كل ركن منها .

وتعد مدينة طنجة أكبر مراكز الصناعة والتجارة والمال في المغرب، وبها أكبر المؤسسات الحكومية الخاصة. وتعد طنجة من أكبر المراكز الثقافية في إفريقيا، حيث يوجد بها العديد من قاعات الفنون والمسارح والموسيقى والمتاحف والجمعيات الثقافية الشهيرة.

وقبل أن تنتهي الرحلة عرجنا عبر الغابات الخضراء الجميلة و البساتين لنصل إلى مدينتي فاس ومكناس الأثريتين، قابلنا خلال الطريق الكثير من الكتل البيضاء المتحركة التي ما كانت إلا الخراف والماعز والأبقار التي تنتشر في المراعي المنبسطة .

زرنا السوق العتيق ولفت نظري انتشار محلات الحلويات التقليدية و التي اشتهرت المدينة بها وهي حلوى ( مولاي إدريس ) و التي تجسد الأصالة الفاسية المشهورة وهي عبارة عن اللوز و الكتاّان و الكاكاو ، ثم توقفنا في ( العرجات ) حيث تنتشر مطاعم الشواء في الهواء الطلق واستمتعنا بوجبة من المطبخ المغربي.


اليوم الثامن والأخير : أصالة الضيافة المغربية

ولم يكتمل عقد البهجة إلاّ بالكرم المغربي الأصيل، وبخوض تجربة انسانية حقيقية مع أهالي البلاد، اذ نزلنا ضيوفا في القنيطرة و سلا، مما زاد فرحتي وجعل من رحلتي مميزة، ليتأكد لي في كل يوم سرّ تلك السعادة التي تغمرك فيما تهبط طائرتك على أرض المغرب.
 

Email