1.25 تريليون دولار خسائر الأسهم الأميركية أمس قبل أن تستعيد عافيتها

ثلاثاء أسود يضرب أسواق المال العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«ثلاثاء أسود جديد» هكذا وصف محللون وخبراء إقليميون وعالميون خسائر أسواق المال العالمية في جلسة أمس بعدما هوت المؤشرات والأسهم على نحو لم تشهده من قبل.

وامتدت أثاره إلى سوق السلع والمعادن وأيضاً العملات الرقمية الافتراضية، مما أثار المخاوف من أن تكون بداية لأزمة مالية عالمية جديدة كتلك التي شهدها العالم قبل سنوات عندما انهار بنك «ليمان براذرز» نهاية 2008.

وقالت وكالة «بلومبرغ» إن أسواق الأسهم الأميركية تكبدت خسائر بقيمة 1.25 تريليون دولار في أسوأ يوم للتداول منذ ست سنوات ونصف، قبل أن تستعيد عافيتها مع بدء التداولات أمس، ولفتت إلى أن موجات البيع الواسعة هبطت بالقيمة السوقية للأسهم الأميركية إلى 29 تريليون دولار. وقال المحللون والخبراء لـ «البيان الاقتصادي»:

إن تراجع الأسواق العالمية ومخاوف المستثمرين جاءت بسبب نمو الأجور في الولايات المتحدة بأسرع وتيرة منذ عام 2009، وهو مؤشر على مزيد من الإنفاق وبالتالي سيرتفع التضخم وهو ما سيدفع المركزي الأميركي لمزيد من الرفع في أسعار الفائدة، وهو الأمر الذي فاقم مخاوف المستثمرين حول العالم الذين كانوا يتوقعون أن يرفع البنك الفائدة مرتين أو ثلاث مرات فقط خلال العام الحالي.

وهوى مؤشر داو جونز الصناعي في البورصة الأميركية خاسراً 1175 نقطة، وذلك في أسوأ تراجع منذ عام 2008، وهو ما يتجاوز الانخفاض التاريخي الذي مُني به المؤشر أثناء الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حين هوى 777.68 نقطة.

وتزامنت تراجعات الأسواق العالمية بعدما أدى جيروم بأول، القسم كرئيس جديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مؤكداً التحدي الذي يواجهه لاتخاذ قرارات تدعم نمو الاقتصاد. وسعى البيت الأبيض لطمأنة الأسواق، قائلاً إنه يركز على «الأساسيات الاقتصادية طويلة الأمد، التي ما زالت قوية بصفة استثنائية».

هزة عنيفة

وقال رائد الخضر رئيس قسم الأبحاث لدى «إيكويتي غروب»، إن الأسواق العالمية تعرضت إلى هزة عنيفة عقب بيانات أظهرت نمو الأجور في الولايات المتحدة بشكل متسارع ما قد يرفع على معدلات التضخم، ويؤثر على تكلفة الاستدانة وعلى أداء الشركات في الفترة المقبلة، وبالتالي يدفع الفيدرالي إلى رفع الفائدة أكثر من 3 مرات هذا العام.

وأضاف الخضر: ما يحدث في الأسواق الأميركية يرجع إلى فقدان الثقة وعزوف المستثمرين عن المخاطرة، وتفعيل أوامر بيعية قوية بالاتجاه الهابط، وذلك نتيجة مخاوف متعلقة بالسياسة النقدية المستقبلية.

إنفاق أكثر

وقال محمد زيدان كبير المحللين الاستراتيجيين لأسواق السلع لدى «ثينك ماركتس»، ومقرها دبي، إن وتيرة بيع الأسهم في الأسواق العالمية تسارعت على مدار الجلسات الماضية بعدما أصدرت وزارة العمل الأميركية بيانات التوظيف، التي أظهرت نمواً أكبر من المتوقع في الأجور، وهو ما يعني ارتفاع رواتب الموظفين وبالتالي مؤشر على أنهم سينفقون أكثر ومن ثم يرتفع التضخم في البلاد.

وأضاف زيدان أنه في حال ارتفعت معدلات التضخم الأميركية سيحتاج الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة للسيطرة على الوضع، وهو الأمر الذي فاقم مخاوف المستثمرين حول العالم الذين كانوا يتوقعون أن يرفع البنك الفائدة مرتين أو ثلاث مرات فقط خلال العام الحالي.

ورأى زيدان أن الخسائر الحادة التي أصابت أسواق الأسهم الأميركية وامتدت إلى كافة أسواق العالم تفاقمت حدتها بسبب حالة «التوتر» التي أصابت كبار المستثمرين في العالم والتي لم تشهد الأسواق لها مثيلاً منذ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة قبل أكثر من عام.

ضغوط بيع

وقال روماني زكريا كبير التجار الاستراتيجيين لدى «يو اي فوركس» الإنجليزية ومقرها لندن، إن الأسواق الأميركية تعرضت لضغوط بيع حادة وعمليات جني أرباح عنيفة تزامنت مع إعلان جيروم بأول، تأدية القسم كرئيس جديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

وأضاف زكريا أن تأثير الهبوط الحاد للأسواق الأميركية امتد إلى كافة أسواق العالم الأوروبية والآسيوية وكذلك العربية، ومن المتوقع أن تخفض حدة التراجعات في الجلسات القادمة مع تلاشي مخاوف المستثمرين.

مخاوف المستثمرين

وقال علاء الدين فرحان، الرئيس التنفيذي لشركة «وافن بروكرز»، ومقرها بيروت، إن الأسواق العالمية سجلت هبوطاً حاداً انطلاقاً من نيويورك، وصولاً إلى بورصة طوكيو بفعل مخاوف المستثمرين من التضخم واحتمال تراجع الاقتصاد الأميركي، في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات الفائدة على السندات الحكومية الأميركية بشكل كبير.

وأضاف فرحان أن المستثمرين في الولايات المتحدة تدافعوا للهروب من أسواق الأسهم إلى الملاذات الآمنة، وتحديداً نحو سندات الخزانة الأميركية طويلة الأمد.

تصحيح منتظر

وقال مارتن جيلبرت، المدير التنفيذي المشارك لصندوق الاستثمار العالمي «أبردين»، إن الانخفاض الأخير في أسواق الأسهم هو مجرد تصحيح طال انتظاره.

وأضاف جيلبرت، الذي يدير صندوق تزيد قيمة أصوله على 300 مليار دولار في تغريدة عبر موقع «تويتر»: أن آفاق الاقتصاد العالمي تشهد تحسناً لكن سوق الأسهم تجاوزت نفسها مع تضخم أسعار الأصول بشكل عشوائي عبر سنوات من اتباع برامج التيسير الكمي.

وكانت أسواق الأسهم العالمية شهدت موجة هبوط بعد أن استهلت الأسهم الأميركية تعاملاتها أمس الثلاثاء بانخفاض كبير جديد بعد تراجعها الكبير الاثنين الماضي. في حين ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات إلى 2.885% الاثنين الماضي.

لتصل إلى أعلى مستوياتها في أربع سنوات وتزيد 47 نقطة أساس فوق مستوى 2.411% الذي سجلته في نهاية 2017. لكن الهبوط الحاد في أسعار الأسهم دفعها لتغيير اتجاهها، لتتراجع في التعاملات الآسيوية الثلاثاء إلى 2.662%.

وتراجع مؤشر ستاندرد أند بورز (إس أند بي 500) الأوسع نطاقاً بمقدار 72.25 نقطة أي بنسبة 2.77% إلى 2535.5 نقطة بعد تراجعه بمقدار 113.18 نقطة أي بنسبة 4.1% إلى 2648.95 نقطة.

وهبطت الأسهم الأوروبية لأقل مستوى منذ أغسطس 2017 أمس الثلاثاء مع اشتداد موجة البيع العالمية وزيادة التقلبات، وتراجعت جميع مؤشرات القطاعات ليهبط المؤشر ستوكس 600 للأسهم الأوروبية للجلسة السابعة على التوالي. وفقد المؤشر 2.6% بحلول الساعة 08:44 بتوقيت غرينتش بينما هبط فايننشال تايمز 100 البريطاني 2.5% وداكس الألماني 2.7%. ويخشى المستثمرون أن تدفع عودة التضخم البنوك المركزية إلى تشديد سياساتها النقدية بخطى أسرع من المتوقع، لتقلص برامج التحفيز التي ساهمت على مدى سنوات في تعزيز قيم الأسهم وصعدت بالأسهم الأوروبية لأعلى مستوى في عامين في يناير.

أثرياء العالم يتكبدون 114 مليار دولار

أدى الهبوط الحاد في أسواق الأسهم الأميركية أول من أمس إلى خسارة أغنى 500 ثري في العالم مدرجين على مؤشر «بلومبرغ للمليارديرات» نحو 114 مليار دولار في يوم واحد.

وذكرت «بلومبرغ» أن مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسة هبطت أول من أمس بين 3.8 و4.6% على خلفية مخاوف المستثمرين من التضخم واحتمال تراجع الاقتصاد الأميركي وتراجع مؤشري «داو جونز» و«ستاندرد آند بورز» فخسرا كل ما حققاه من مكاسب منذ إعلان التخفيضات الضريبية الأميركية في بداية العام.

وأضافت الوكالة أن ورين بافيت رئيس شركة الاستثمارات «بيركشاير هاثاواي»، كان أكبر الخاسرين، إذ فقد 5.1 مليارات دولار، يليه في المركز الثاني مارك تسوكربيرغ مؤسس شركة «فيسبوك إنك» بخسارة نحو 3.6 مليارات دولار.

وحل جيف بيزوس مؤسس «أمازون» في المرتبة الثالثة بخسارة قدرها 3.3 مليارات ليأتي بعده لاري بيدج وسيرغي برين مؤسسا «غوغل» بخسارة 2.3 مليار دولار، يتبعهما بيل غيتس مؤسس «مايكروسوفت» الذي خسر 2.25 مليار.

ومع ذلك فإن أغنى خمسة أشخاص في العالم لم يفقدوا صدارتهم في قائمة الأثرياء فالمركز الأول لا يزال في حوزة بيزوس بثروة قدرها 116 مليار دولار، والثاني بيل غيتس بثروة تبلغ 91.6 مليار دولار.

أما المركز الثالث فلا يزال في حيازة بافيت بثروة 85 مليار دولار والرابع لتسوكربيرغ بـ 74.7 مليار دولار ليذيل القائمة صاحب شركة «زارا» أمانسيو أورتيغا بثروته البالغة 74 مليار دولار.

Email