مؤسسات دولية تخفّض تقييماتها للنمو العالمي 2016

الاقتصادات العربية تعاني تبعات «التقلبات» العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد صندوق النقد العربي تجدد المخاوف وتزايد الضغوط والتحديات على الاقتصادات العربية خلال النصف الأول من 2016 نتيجة استمرار تحرك الاقتصاد العالمي في حلقةٍ مفرغةٍ من تباطؤ مستويات الطلب وضعف معدلات النمو وهو ما يزيد إلى حد كبير من ظروف عدم اليقين التي تواجه النشاط الاقتصادي العالمي، متوقعاً تراجع النمو في البلدان العربية كمجموعة إلى 2.6 % عام 2016 أما فيما يتعلق بعام 2017، من المتوقع حدوث تحسن نسبي لمعدل النمو إلى نحو 3.1 %.

وأطلق الصندوق إصدار سبتمبر من تقرير «آفاق الاقتصاد العربي»، الذي يتضمن تحديثاً لتوقعات النمو الاقتصادي واتجاهات تطور الأسعار المحلية في الدول العربية 2016 و2017.

وذكر التقرير أنه وفي البلدان المتقدمة ورغم تحسن الأوضاع الاقتصادية، إلا أن العديد من هذه الدول لا يزال يعاني من تراجع في مستويات الإنفاق الاستثماري والإنتاجية ومن بوادر تحديات في أسواق العمل ناتجة عن «شيخوخة السكان» وهو ما يضغط على مستويات الناتج الممكن تحقيقه الذي أشارت دراسات حديثة إلى اتجاهه بالفعل نحو الانخفاض.

من جهة أخرى، من شأن ضعف النشاط الاقتصادي في الدول النامية واقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى أن يؤدي إلى إبطاء أو ارتداد ما تحقق من تقدم على صعيد تعافي الاقتصاد العالمي نتيجة التحديات الكبيرة التي تواجه هذه البلدان، وتتنوع ما بين تراجع أسعار السلع الأساسية، وضعف الطلب الداخلي والخارجي والتقلبات في الأسواق المالية وتدفقات رؤوس الأموال.

أوضح التقرير أن النمو الاقتصادي العالمي المحـــــــقق خلال الجزء المنصرم من العام جاء أقل مما كان متوقعاً من قبل المؤسسات الدولية والتي اتجهت بناءً عليه إلى مراجعة تقييماتها للنمو العالمي خلال 2016 بالانخفاض بقدر غير يسير حيث يشير ذلك إلى أن التعافي القوي ربما لا يزال أمراً بعيد المنال، خاصة في ظل أجواء عدم اليقين التي تحيط بالاقتصاد العالمي، لا سيـــما في إطار التداعيات المتوقعة لقرار بريطانيا الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

وفيما يتعلق بتوقعات النمو الاقتصادي في المنطقة العربية، أشار التقرير إلى أن التطورات في البيئة الاقتصادية الدولية انعكست على الأداء الاقتصادي للبلدان العربية خلال 2016 كغيرها من الدول النامية واقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى التي تأثرت بهذه التطورات، لا سيما فيما يتعلق باستمرار ضعف الطلب الخارجي أو بقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة.

من جهة أخرى، لا زالت الأوضاع الداخلية في بعض الدول العربية تحول دون استعادة تلك البلدان لتوازناتها الاقتصادية الداخلية والخارجية وتؤثر على النمو المحقق على مستوى الدول العربية كمجموعة.

فالبلدان العربية المصدرة للنفط تشهد منذ منتصف 2014 واقعاً اقتصادياً مغايراً على ضوء الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط التي فقدت منذ ذلك الوقت وحتى أغسطس من 2016 نحو 61 % من قيمتها حيث تركت هذه التطورات تأثيراتٍ ملموسةٍ على مستويات النشاط الاقتصادي وأوضاع المالية العامة في هذه البلدان على ضوء الأهمية الكبيرة التي يلعبها الإنفاق الحكومي في دعم النمو في عدد من القطاعات الاقتصادية، بما حد من قدرة تلك البلدان على التوسع خلال 2016 في ظل إجراءات الضبط المالي المتبناة لاحتواء العجوزات في الموازنات العامة بتلك الدول والتي أثرت على مستويات الإنفاق بشقيه العام والخــــاص. أما فيما يتعلق بالبلدان العربية المستوردة للنفط، فرغم الاستفادة من أسعار النفط المنخفضة إلا أن تعرضها للتداعيات الناتجة عن ضعف مستويات الطلب الخارجي وظروف الجفاف والأوضاع في أسواق الصرف الأجنبي، وكذلك تأثرها بالتطورات في دول الجوار وتدفق المزيد من النــــازحين إليها كان من شأنه إبطــــاء تسارع وتيرة النمــــــو في هذه البلدان العام الجاري.

تنفيذ إصلاحات

وحرصت عدد من الدول العربية، خلال 2016 على تنفيذ إصلاحات هادفة لدعم استقرار الاقتصاد الكلي من خلال تبني أطر للسياسات الاقتصادية الكلية تهدف إلى احتواء الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية وضبط أوضاع المالية العامة عبر سلسلة واسعة من الإجراءات التي استهدفت إصلاح نـظم الدعـم، وتنويع مصادر الإيرادات، وتخفيف مستويات تباين توزيع الدخل، إضافة إلى إجراءات أخرى على صعيد السياسات لحفز أنشطة القطاع الخاص خاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحسين مناخ الاستثمار وإقرار مجموعة من القوانين الداعمة للنمو الاقتـــصادي وتطوير القطاع المالي.

تراجع النمو

وكمحصلة، للعوامل السابق الإشارة إليها، واستناداً إلى الافتراضات الرئيسية للتقرير، تم خفض معدل نمو الدول العربية كمجموعة خلال عام 2016 بنحو 0.3 نقطة مئوية مقارنة بالتوقعات الواردة في تقرير آفاق الاقتصاد العربي إصدار مارس الماضي، حيث من المتوقع أن ينخفض النمو في البلدان العربية كمجموعة إلى 2.6 % عام 2016. أما فيما يتعلق بعام 2017، من المتوقع حدوث تحسن نسبي لمعدل النمو الاقتصادي إلى نحو 3.1 % مستفيداً من التعافي التدريجي للنشاط الاقتصادي في كل من الدول العربية المصدرة للنفط والمستوردة له نتيجة عدد من العوامل.

على صعيد المجموعات الفرعية، من المتوقع تسجيل الدول العربية المصدرة للنفط معدل نمو يتراوح حول 2.4 % خلال 2016 مقارنة بنحو 3.3 % للنمو المسجل 2015، فيما يتوقع أن يعاود معدل النمو الاقتصادي لدول المجموعة الارتفاع إلى نحو 2.8 % العام المقبل.

يشار إلى تباين النمو المسجل داخل المجموعة ما بين دول التعاون والدول العربية الأخرى المصدرة للنفط فمن المتوقع أن يتأثر النمو المسجل في دول التعاون بدرجة أكبر هذا العام جراء تراجع الأسعار العالمية للنفط مقارنة بالتأثر المسجل عام 2015 – الذي شهد تبني بعض هذه الدول لسياسات معاكسة للدورة الاقتصادية لدعم النمو – يأتي هذا التأثر على ضوء إجراءات الضبط المالي التي تم تبنيها خلال 2016 للحفاظ على الانضباط المالي، التي من المتوقع أن تؤثر على أنشطة القطاعات غير النفطية بدرجة تتفاوت من دولة لأخرى حسب هياكلها الاقتصادية والحيز المالي المتاح لكل منها.

وتم خفض توقعات نمو مجموعة دول التعاون لعام 2016 بنحو 0.4 نقطة مئوية، حيث من المتوقع تسجيل دول المجموعة نمواً بحدود 2.1 % عام 2016 مقارنة بنحو 3.6 % للنمو المسجل العام الماضي، في حين يتوقع تحسن النمو إلى 2.4 % عام 2017 في ظل الأفق الزمني الممتد لإجراءات الضبط المالي المتخذة لاستعادة التوازنات الاقتصادية الداخلية والخارجية، بينما سيجد النمو دعماً من الارتفاع المتوقع لأسعار النفط ومن سعي هذه الدول لتطوير طاقات الإنتاج النفطي واستمرار تنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية.

في المقابل، من المتوقع تحقيق مجموعة الدول العربية المُصدرة للنفط الأخرى نمواً محدوداً لا يتعدى 1 % العام الجاري على ضوء التأثير الانكماشي المتوقع الناشئ عن ظروف الأوضاع الداخلية في عدد من دول المجموعة باستثناء الجزائر. أما في 2017 وعلى ضوء التوقعات بتحسن أسعار النفط وبفرضية حـــدوث تطور إيجابي ملموس على صعيد البيئة الداخلية يتوقع ارتفاع النمو إلى 6.2 % العام المقبل، وهو ما سيعكس بالأساس النمو الضعيف المسجل في سنة المقارنة.

الطلب المحلي

وفيما يتعلق بالـــدول العربية المستوردة للنفط، من المتوقع تباطؤ وتيرة النشاط الاقتصادي بفعل تأثر الطلب المحلي والخارجي بعدد من العوامل التي من شأنها أن تنعكس على مستويات النمو المسجلة 2016، ومن أهمها استمرار تباطؤ النشاط في بعض القطاعات الاقتصادية الرئيسية نتيجة استمرار ضعف الطلب العالمي والأوضاع في سوق الصرف الأجنبي وظروف الجفاف في بعض دول المجموعة وبناءً عليه تم خفض توقعات نمو المجموعة إلى 3.1 % عام 2016 مقارنة بنحو 3.6 % متوقعة في تقرير آفاق الاقتصاد العربي إصدار مارس الماضي.

ومن المنتظر عام 2017 أن يستمر تعافي الأداء الاقتصادي في بلدان المجموعة على ضوء التحسن المتوقع للنشاط في عدد من القطاعات الرئيسية في تلك الدول التي ستستفيد من التحسن المتوقع للطلب العالمي، وهو ما سيتبعه ارتفاع في مستويات الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي والصادرات بما يدعم النشاط الاقتصادي الذي من المتوقع ارتفاعه إلى 3.9 %. وفيما يتعلق باتجاهات تطور الأسعار المحلية، ارتفعت معدلات التضخم في معظم الدول العربية خلال الأشهر الأولى من 2016.

جاء ذلك نتيجة للارتفاع الذي شهدته أسعار السلع الغذائية، ومجموعة الوقود والطاقة فقد انتهجت معظم الدول العربية تطبيق سياسات هادفة إلى ترشيد مستويات الدعم الحــــــكومي وخاصة الموجهة منها للمنتجات النفطية. وقد استفادت تلك الدول في تطبيق تلك السياسات، من بقاء الأسعار العالمية للنفط والسلع الأساسية عند مستويات منخفضة، مما خفف من حدوث ارتفاعات قوية في معدلات التضخم في الدول العربية بصفة عامة.

مستويات التضخم

سجلت معظم الدول العربية المستوردة للنفط خلال الأشهر الأولى من 2016 زيادة في مستويات التضخم نتيجة أساسية لارتفاع أسعار السلع الغذائية ومنتجات الوقود والطاقة المنزلية والنقل. فقد تأثرت معدلات التضخم بتلك الدول بالسياسات الرامية نحو ترشيد مستويات الدعم خاصة الموجهة منها للمنتجات النفطية. خفف من حدة الضغوط التضخمية تبني السلطات النقدية في معظم دول المجموعة سياسة نقدية انكماشية، إضافة إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وأثره في الحد من التضخم المدفوع بعوامل جذب الطلب.

اختناقات في سلاسل الإمداد نتيجة الضغوط التضخمية

تأثر المستوى العام للأسعار في بعض الدول بتواصل الاختناقات في سلاسل إمداد السلع الأساسية نتيجة للظروف المحلية التي تشهدها تلك الدول إضافة إلى الضغوط التضخمية المتولدة عن زيادة عدد النازحين من بعض المناطق.

وكمحصلة للتطورات سالفة الذكر، يتوقع أن يبلغ معدل التضخم في الدول العربية كمجموعة خلال عام 2016 حوالي 7.8 % وبالنسبة لعام 2017، فمن المتوقع أن يُسجل معدل التضخم في الدول العربية نحو 8.5 %. ففي الدول العربية المصدرة للنفط، من المتوقع خلال 2016 أن يشهد معدل التضخم في دول المجموعة ارتفاعاً ليبلغ حوالي 6.3 % مقارنة مع 4.3 % محققة خلال عام 2015. جاء ذلك كمحصلة لزيادة معدل التضخم لدى كلٍ من مجموعة الدول العربية المصدرة الأخرى للنفط ليصل إلى نحو 6.9 %، ومجموعة دول مجلس التعاون ليبلغ 3.8 % خلال 2016. وعلى صعيد توقعات مستويات التضخم لعام 2017، يتوقع أن يرتفع معدل التضخم لدى المجموعة ليبلغ حوالي 7.0 %.

ترشيد الدعم

أما فيما يتعلق بدول مجلس التعاون، فقد تأثر معدل التضخم خلال الأشهر الأولى من 2016 بالارتفاع الذي شهدته أسعار مجموعة الوقود والطاقة والمجموعات الأخرى الخاصة بخدمة السكن حيث جاء ذلك نظراً لانتهاج معظم دول المجموعة إجراءات هادفة إلى ترشيد مستويات الدعم الحكومي وتطبيق «آلية التمرير التلقائي» للأسعار العالمية. وقد ساعد هذه المجموعة من الدول على تطبيق تلك السياسات، بقاء الأسعار العالمية للنفط والسلع الأساسية عند مستويات منخفضة، الأمر الذي حد من حدوث ارتفاعات قوية في المستوى العام للأسعار لدى دول المجموعة. كما خفف من حدة الضغوط التضخمية في دول المجموعة انخفاض معدلات نمو السيولة المحلية وتراجع النشاط الاقتصادي، إضافة إلى ارتفاع القوة الشرائية للعملات المحلية لدى معظم دول المجموعة لارتباطها بالدولار الأميركي.

وفي ضوء التطورات سالفة الذكر، من المـــتوقع أن يـــبلغ معدل التضخم في هذه المجمــــوعة من الدول خلال عام 2016 حوالي 3.8 %. بالنسبة لعام 2017، يتوقع أن يسجل معـــدل التضــــخم مستوى 3.1 %.

أسعار الإيجارات

وبخصوص الدول العربية الأخرى المصدرة للنفط، فقـــد شهدت دول المجموعة (باستثناء الجزائر) تواصل الاختناقات في سلاسل إمداد السلع الأساسية نتيجة للتطورات المحلية التي تشهدها هذه الدول، إضافة إلى أثر هذه الظروف على نزوح السكان من بعض المناطق إلى مناطق أخرى، الأمر الذي يولد ضغوطاً تضخمية ناتجة عن ارتفـــاع أسعار الإيجارات وخدمات المرافق السكنية في تلك المناطق التي نزح إليها السـكان بينما تأثر معدل التضخم في بعض دول المجموعة كنتيجة لتطبيق بعض السياسات بغرض ترشيد مستويات الدعم الحكومي خاصة بالنسبة لمنتجات الطــــاقة، إضافة إلى أثر تراجع قيمة العملات المحلية في بعض دول المجموعة على زيادة حدة الضغوط التضخمية في تلك الدول وكمحصلة للتطورات السابقة، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في هذه المجموعة من الدول نحو 6.9 % خلال 2016 وفيما يتعلق بعام 2017، يتوقع أن يبلغ معدل التضخم حوالي 7.8 %.

Email