بين انخفاض النفط وارتفاع أسعار صرف العملة الأميركية

تعويم الريال يتيح إنعاش الاقتصاد السعودي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تتجه السعودية إلى فك ارتباط الريال مع الدولار لتحفيز الاقتصاد؟ هذا السيناريو مطروح بقوة الآن من جانب الخبراء والاقتصاديين، لاسيما وأن فك الربط والسماح بتعويم الريال يتيح فرصة لحكومة المملكة لإنعاش الاقتصاد المتأثر من التراجع في النفط، الذي من المرجح أن يستمر لفترة قد تطول في المستقبل.

وفيما توجد بعض الفوائد من فك ارتباط الريال بالدولار يرى خبراء أن الحافز لتغيير سياسة ربط الريال السعودي بالدولار الأميركي متواضع للغاية، كما أن مثل هذا الإجراء سوف يؤثر سلباً على مصداقية مؤسسة النقد العربي السعودي، ما يفتح الباب أمام جميع الخيارات.

وأصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي في مطلع شهر يناير الماضي بياناً أكدت فيه أن القرار الذي ربط أسعار صرف الريال السعودي بالدولار الأميركي عام 1986 غير معرض للخطر، وبعد أسبوع واحد تقريباً، قيَّدت مؤسسة النقد العربي السعودي حقوق البنوك العاملة ضمن منطقة سيادتها في بيع العقود الآجلة التي تضارب ضد الريال السعودي.

وحيث إن استمرار تراجع أسعار النفط يتزامن مع استمرار ارتفاع أسعار صرف الدولار الأميركي، قد يبدو ذلك الربط في نظر بعض المستثمرين معرضاً للخطر.

ضخامة الاحتياطيات

وقالت كاتيا بدر، المحلل المالي المعتمد، عضو جمعية المحللين الماليين المعتمدين في الإمارات: إنه ورغم ضخامة احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية، التي بلغت 616 مليار دولار في ديسمبر 2015، أخذ المضاربون في أسواق العملات يراهنون على عدم استدامة ربط أسعار صرف الريال السعودي بالدولار الأميركي.

ففي ظل هذه الشكوك نتساءل إن كانت المملكة قادرة وراغبة بالمحافظة على ربط أسعار صرف عملتها بالدولار الأميركي؟ أم إنها سوف تتبع خطى روسيا، نظيرتها في تصدير النفط التي تمتلك أكبر احتياطيات في العالم من العملات الأجنبية وتلغي ارتباط أسعار صرف عملتها بالدولار الأميركي على غرار روسيا؟

وأضافت أنه حين تقرر إحدى الدول ربط سعر صرف عملتها بإحدى العملات الرئيسة مثل الدولار الأميركي تكون قادرة على دعم تدفق التجارة من خلال المحافظة على تنافسية أسعار منتجاتها المحلية في الأسواق الأجنبية. كما يتيح ذلك لاقتصاد الدولة المعنية تجنب مخاطر تقلُّب أسعار صرف العملات الأجنبية والآثار السلبية على استقرار اقتصادها. ومع ذلك فإن لهذه المزايا ثمناً.

وللمحافظة على ربط أسعار صرف عملة معينة، بحسب كاتيا بدر تقوم الدولة ببيع وشراء العملة المحلية باستمرار من خلال احتياطيات العملات الأجنبية.

واستخدمت السعودية أكثر من 100 مليار دولار أميركي من احتياطياتها من العملات الأجنبية خلال الشهور الأحد عشر الماضية بين شهري يناير وديسمبر من عام 2015، حيث كانت مؤسسة النقد العربي السعودي تشتري الريال السعودي بوتيرة عالية للمحافظة على ارتباط أسعار صرفه بالدولار الأميركي.

السياسات النقدية

ويتمثل أحد التكاليف الأخرى لربط أسعار صرف عملة معينة بالدولار الأميركي في التخلّي عن الاستخدام غير المقيَّد للدور الذي تلعبه السياسات النقدية في إدارة الاقتصاد بصفتها إحدى أدوات النمو والاستقرار. ورغم أن السياسات المالية تتمحور حول التحكم بمستوى الإنفاق في الاقتصاد، إلا أن السياسات النقدية تنظم أسعار الفائدة لتحفيز الأفراد والشركات على الادخار أو زيادة الإنفاق لتتمكن بالتالي من تسريع أو إبطاء وتيرة النشاط الاقتصادي.

وأشارت المحلل المالي المعتمد، عضو جمعية المحللين الماليين المعتمدين في الإمارات، أنه من هنا نستطيع أن نفهم أن ربط المملكة أسعار صرف عملتها الوطنية بالدولار الأميركي يجعل الاقتصاد السعودي يخسر حريته في تطبيق سياسات نقدية تحفز اقتصادها على النمو.

وفي حالة اتخاذ مؤسسة النقد العربي السعودي قرار تعويم الريال فإن هذا يتيح فرصة لإنعاش الاقتصاد السعودي المتأثر بتراجع أسعار النفط من خلال تخفيض أسعار الفوائد. إلا أن ارتباط أسعار صرف الريال السعودي بالدولار الأميركي يعني أن أسعار الفائدة السعودية يجب أن تحاكي نظيرتها الأميركية التي يحددها بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي ليبقي سعر صرف الريال عند 3.75 ريالات سعودية مقابل الدولار الأميركي، ويزداد القلق بالتالي لأن سعر الفائدة الذي يحدده بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي مصمم ليخدم الاقتصاد الأميركي ولا يناسب الاقتصاد السعودي بالضرورة.

يذكر أن الولايات المتحدة الأميركية دأبت على تخفيف سياساتها النقدية منذ نشوب الأزمة المالية العالمية إلى أن عاود بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي رفع أسعار فوائده أخيراً للمرة الأولى خلال تسع سنوات.

رفع الفائدة

وسارعت مؤسسة النقد العربي السعودي إلى زيادة سعر الفائدة على الريال لمواكبة التحرك الأميركي رغم استمرار تأثر الاقتصاد السعودي سلباً بتراجع أسعار النفط وضغطها المتزايد على اقتصادها، وحيث إنه من المتوقع أن يواصل بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي رفعفوائده التي بدأها عام 2015 لما لا يقل عن أربع سنوات أخرى، ستضطر المملكة إلى مواكبة سياساته إذا ما أرادت المحافظة على ارتباط أسعار صرف الريال بالدولار.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاقتصاد السعودي المتأثر سلباً بتراجع أسعار النفط سوف يستفيد من تغيير السياسات النقدية من خلال خفض أسعار الفائدة، وأن احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية تتناقص، يحق لنا التساؤل عما يدفع المملكة إلى مواصلة ربط أسعار صرف الريال السعودي بالدولار الأميركي بدلاً من اتباع خطى روسيا؟

ففي عام 2014، دفع الضغط القوي الذي تعرض له الروبل الروسي (السعودية في تصدير النفط) إلى تعويم عملتها لتحرير احتياطياتها من العملات الأجنبية وتعزيز إيرادات الدولة. وحدث هذا التطور رغم ضخامة احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية.

وقالت كاتيا بدر، إن الأمر مختلف في حالة السعودية التي تشكل الإيرادات النفطية فيها المقوَّمة بالدولار الأميركي نحو 85 % من إيرادات صادراتها (بينما شكلت 66 % في روسيا عام 2013) في حين تمثل الواردات الجزء الأكبر من الإنفاق الحكومي السعودي. لذلك فإن الأضرار التي قد يتكبدها الاقتصاد السعودي من خفض أسعار صرف الريالتفوق أي فائدة قد يتحصل عليها.

حافز التغيير

وأشارت إلى أنه يتضح أن الحافز لتغيير سياسة ربط الريال السعودي بالدولار الأميركي متواضع للغاية. كما أن مثل هذا الإجراء سوف يؤثر سلباً على مصداقية مؤسسة النقد العربي السعودي.

مزايا وسلبيات

سلَّط تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال العقد الحالي الأضواء على قدرة الدول المصدرة للنفط على مواصلة ربط أسعار صرف عملاتها الوطنية بالعملات الرئيسة. إلا أن احتمال فك ارتباط أسعار صرف الريال السعودي بالدولار الأميركي في المستقبل المنظور أقرب إلى الصفر بينما يعتبر احتمال تخفيض أسعار صرفه منخفضاً. وتفوق سلبيات فك الارتباط مزاياه وتستطيع المملكة الصمود بشكل جيد أمام دواعي فك الارتباط لمدة 4 سنوات أخرى على الأقل.

وقد لا يشاطر هذه الرؤية جميع المتعاملين في أسواق العملات.

Email