النفط الصخري يقلق السياسات الاقتصادية في الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال مؤتمر عقدته منظمة أوبك في فيينا في ديسمبر تحدث معالي محمد بن ظاعن الهاملي وزير الطاقة بصراحة بشأن التهديد الذي تواجهه المنظمة من نمو إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة.

وقال الوزير في اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول إن ثورة الطاقة الصخرية الأميركية "مسألة كبيرة". وأضاف أن أوبك ينبغي أن تحمي نفسها بأن تجعل نفطها أكثر جاذبية للمستهلكين في العالم.

وقررت أوبك في فيينا ألا تغير سياسة الإنتاج ومنذ ذلك الحين يبدو معظم المسؤولين الخليجيين خلال الأحاديث العامة غير قلقين من إمكانية نجاح تقنيات جديدة في إنتاج مئات المليارات من براميل النفط في الولايات المتحدة ودول أخرى.

لكن تصريحات الهاملي كشفت عن قلق متزايد بشأن النفط الصخري بين المسؤولين ورجال الأعمال في منطقة الخليج قد يفضي في النهاية إلى تغيير في الاستراتيجية الاقتصادية للمنطقة.

ويشير صعود النفط الصخري - الذي قد يدفع أسعار النفط للهبوط في المدى البعيد ويبطئ نمو الطلب على الإمدادات الخليجية - إلى أن المنطقة مقبلة على يوم لن تعود فيه قادرة على مواصلة تلك الاستراتيجية.

ومن ثم ستواجه الحكومات ضغطا متزايدا لتوفير فرص عمل في قطاعات أخرى وتحفيز القطاعات غير النفطية في اقتصاداتها. ومن المرجح أن تتسارع جهود توجيه المواطنين إلى القطاع الخاص وتطوير صناعات جديدة لاستيعابهم.

التعاون الخليجي

وقد يتعزز التعاون بين دول الخليج العربية في مجالات شتى من الأسواق المالية إلى بناء سكة حديدية إقليمية. وقد رصد بعض الاقتصاديين بالفعل بدايات تحول في السياسات.

وقال مارك ماكفارلاند كبير خبراء الاستثمار لدى قسم إدارة الثروات في بنك الإمارات دبي الوطني إنه خلال زيارة للسعودية للقاء عملائه الشهر الماضي وجد أن تهديد النفط والغاز الصخريين يدفع إلى "إعادة التفكير" بشأن السياسة الاقتصادية.

وتابع: إنه يوجد لدى المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال في أنحاء الخليج "قلق على مستوى الأفراد .. كيف سنجد بديلًا لمصدر دخلنا الرئيسي؟"

وأضاف ماكفارلاند: "من الواضح أن تداعيات إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة وتأثيراته على مستقبل صناعة البترول السعودية بدأت تشغل العقول."

وخلال الأشهر القليلة الماضية زاد القلق بشأن الثورة الصخرية وهي مصطلح جامع لاستخراج النفط والغاز بتقنيات جديدة من مكامن غير تقليدية في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم.

وجاءت تصريحات الهاملي في فيينا بعد تقرير لوكالة الطاقة الدولية في نوفمبر تنبأ بأن الولايات المتحدة ستتخطى السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم بحلول عام 2017. وستزيد صادرات أميركا الشمالية من النفط عن وارداتها بحلول 2030 تقريباً وستحقق الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول 2035 بحسب التقرير.

ويقول مسؤولون خليجيون إن من السابق لأوانه بكثير افتراض أنهم سيخسرون مركزهم القوي في أسواق الطاقة العالمية. وتعتمد توقعات النفط والغاز الصخريين على افتراضات بشأن التكنولوجيا والاحتياطيات والربحية ستتطلب سنوات أو عقودا لحسمها.

حتى إذا تراجع الطلب على واردات النفط والغاز في الغرب فقد ينتقل ببساطة إلى الاقتصادات سريعة النمو في الشرق مثل الصين والهند.

ميزة التكلفة

وإذا زادت بشدة الإمدادات غير التقليدية من النفط والغاز فستبقى لدى الخليج ميزة لمنافسة هذه الإمدادات من حيث التكلفة. فالتكلفة التقديرية لإنتاج النفط من المكامن الصخرية الأميركية تبلغ نحو 50-75 دولاراً للبرميل بينما تقل تكاليف الإنتاج في الخليج عادة عن 20 دولاراً.

غير أن إمكانية استخدام هذه الميزة لدرء تهديد النفط الصخري تتقلص. فبسبب الزيادة الكبيرة في الإنفاق السعودي يعتقد محللون الآن أن الحكومة السعودية تحتاج سعراً يبلغ 65-85 دولاراً لبرميل النفط لتحقيق التعادل في الميزانية بزيادة نحو 20 دولاراً عن السنوات القليلة الماضية. لذلك فإن انخفاضاً حاداً في السعر قد يضر الموارد المالية للرياض حتى لو حافظت على حصتها السوقية.

وأفادت وسائل إعلام حكومية سعودية أن وزير البترول السعودي علي النعيمي ناقش تأثير تزايد إنتاج النفط الصخري مع عبد الله البدري الأمين العام لأوبك في اجتماع عقد في الرياض في يناير لكنها لم تذكر تفاصيل المحادثات.

وفي علامة أخرى على أن السعوديين يأخذون مسألة النفط والغاز الصخريين على محمل الجد قالت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) المملوكة للدولة وهي أكبر شركة للبتروكيماويات في المملكة في نوفمبر إنها تدرس الاستثمار في ثورة الغاز الصخري الأميركي.

وقال محمد الماضي الرئيس التنفيذي للشركة إن سابك ينبغي أن تشارك في أنشطة الغاز الصخري وينبغي أن تشارك في مصادر أخرى يمكن أن تكون تنافسية أيضاً.

استعداد أفضل

وفي بعض النواحي دول الخليج العربية أفضل استعداداً لمواجهة أي انخفاض في سعر النفط مقارنة بما كانت عليه في ثمانينات القرن الماضي حين أدخلها هبوط مستمر في أسعار النفط في فترات ركود استمرت عدة سنوات.

ونظراً لأن متوسط سعر النفط كان أعلى بكثير من 100 دولار للبرميل على مدى العامين الماضيين فقد تكونت لدى دول الخليج احتياطيات مالية بمئات مليارات الدولارات التي قد تستخدمها لمواصلة الإنفاق الحكومي لسنوات حتى لو تقلصت إيراداتها النفطية.

وقال نيل شيرينج كبير الخبراء الاقتصاديين للأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس في لندن "من المرجح أن يكون تأثير النفط الصخري هو أن تدخر بلدان الخليج مبالغ أقل لا أن تنفق أقل ... ونحن على الأرجح نتحدث عن عملية ستحدث على مدى عقود وليس سنوات."

لكن على أقل تقدير لم يعد بإمكان دول الخليج في ظل النفط الصخري أن تفترض أن النمو الاقتصادي العالمي سيظل يعزز إيراداتها. وفي الأشهر القليلة الماضية عززت عدة دول جهودها للاستعداد لأوقات أكثر صعوبة.

ومن النواحي التي يجري التركيز عليها توجيه المواطنين الخليجيين إلى القطاع الخاص لتخفيف الضغط على موارد الدولة التي توظفهم في القطاع العام أو تدفع لهم إعانات بطالة. وأطلقت السعودية ضريبة جديدة للضغط على الشركات لتوظيف مواطنين سعوديين بدلاً من موظفين أجانب أقل أجراً. وقالت الإمارات إنها تدرس تغييرات في قانون العمل لجعل وظائف القطاع الخاص أكثر جاذبية.

Email