بير اقتصادي يتهم الولايات المتحدة باستخدام الدولار كسلاح

حرب العملات تمارس تأثيرات سلبية في أسواق المال

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد الخبير الاقتصادي الدكتور صلاح عبدالرحمن الطالب انه منذ انتهاء الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن الماضي اجتاحت العالم وعلى مدى عقدين حروب متنوعة ومختلفة الأساليب ومناطق ساخنة وبؤر مرشحة للسخونة من أجل اعادة صياغة خارطة العالم وهندسة الكون سياسياً واقتصاديا ومن أنواع الحروب الجديدة هذه ما يسمى بحرب العملات، التي تمارس تأثيرات سلبية في أسواق المال، وتلحق الضرر باقتصادات الدول.

وقال الطالب في ندوة نظمتها سوق مسقط الاوراق المالية بعنوان (حرب العملات واثرها على اداء الاسواق المالية): حرب العملات هي حرب اقتصادية يقصد بها التلاعب بسعر صرف عملة واستخدامها كسلاح كإجراء سريع المفعول للضغط والحاق الضرر باقتصاديات دولة ما أو بمجموعة دول واجبارها علي اعادة النظر بسياساتها واجراءاتها المالية والاقتصادية بما يعود بالنفع على معالجة أزمة المهاجم الاقتصادية. وهذه الحرب لا يمكن تحريكها الا من دول كبرى في استخدام عملتها الدولية كسلاح في مواجهة المقابل، حيث يلعب الدولار الأميركي الدور الكبير والمؤثر في الأسواق المالية الدولية ويسيطر على حوالي ‬85٪ من قيمة الأسهم العالمية المقدرة بحوالي ‬3 تريليونات دولار يومياً وعلي حوالي ‬86٪ من حجم المبادلات اليومية في أسواق الصرف العالمية والبالغة ‬3,2 تريليونات يومياً وهو يمثل حوالي ‬62٪ من إجمالي الاحتياطات النقدية الدولية البالغة اكثر من ‬12 ترليون دولار.

 

سيولة دولارية

واشار الى انه في ضوء قوة الدولار الأميركي ونفوذه المؤثر دولياً فقد أقدمت الولايات المتحدة ومنذ أشهر على اغراق النظام المالي الدولي بالسيولة النقدية من عملة الدولار مع معدلات فائدة منخفضة جداً أسهمت في تخفيضات حادة وسريعة في سعر صرف الدولار الأميركي ازاء العملات الدولية الأخرى بهدف احداث حالة من الانتعاش في اقتصادها اذ يسمح انخفاض الدولار بخفض تكاليف الانتاج وبالتالي اعطاء حافز للصادرات مقابل الأضرار بالشركاء التجاريين واحداث خلل في النمو المتوازن وارباك في نسيج التعاون الدولي بعد أن أصبحت مصالح العالم متشابكة وبالتالي فإن المتضرر الأكبر المقصود من هذا التخفيض هي الصين.

وتطرق الطالب الى الاسباب حيث قال: الازمة المالية العالمية احدثت خللا في اداء الاقتصاد الاميركي ادى الى ضعف النمو الاقتصادي فيها و زيادة نسبة الباحثين عن عمل الى مايقارب ‬10٪ وانحسار صادراتها وتدني اداء وربحية مؤسساتها الاقتصادية وتدني متوسط دخل الفرد والانذار بحصول كساد اقتصادي واسباب نشوب حرب العملات.

 

معدلات النمو

واردف الدكتور صلاح عبدالرحمن قائلاً: تمكنت العديد من الدول الناشئة خاصة الصين والهند والبرازيل وغيرها من تحقيق مستويات نمو عالية وفوائض في موازينها التجارية وموازين مدفوعاتها قياسا بأوروبا واليابان والولايات المتحدة وازدادت الحصة التصديرية على حساب حصة الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وتنامي نشاط وربحية مؤسساتها الاقتصادية وانخفاض معدل الباحثين عن عمل لديها للمستويات الطبيعية وحققت الاسواق المالية للدول الناشئة نسبة نمو ونشاط فريد. ولايزال القطاع المصرفي يتمتع بالمتانة المالية في هذه الدول.

وتابع: كانت اسعار الفائدة في هذه الدول اكثر تشجيعا للاستثمار من اوروبا واليابان والولايات المتحدة الاميركية. ومن اسباب نشوب حرب العملات اسعار صرف العملات في الدول الناشئة خاصة الصين المرتبطة بسعر صرف الدولار مما ادى الى الحد من قدرة الولايات المتحدة التصديرية تجاه هذه الدول لاختلاف كلف الانتاج.

وأضاف: اصبحت الولايات المتحدة اكبر مستورد من الصين مما اعاق تعافي قطاعاتها الانتاجية واستطاعت الدول الناشئة بناء احتياطيات مالية كبيرة نتيجة للفوائض في موازينها التجارية مما جعلها قوة استثمارية مؤثرة.

واشار الطالب الى ان الولايات المتحدة فشلت خلال السنوات الخمس الاخيرة في اقناع الدول الناشئة (خاصة الصين) برفع اسعار صرف عملاتها لاعطاء فرصة تنافسية للولايات المتحدة الاميركية لمعالجة أمراضها الاقتصادية المزمنة خاصة العجز الهائل في ميزانها التجاري وميزان مدفوعاتها حيث بلغ هذا العجز بحدود ‬10 تريليونات دولار وهو مايوازي اجمالي الناتج القومي لديها.

 

العملة كسلاح

وعن آلية حرب العملات قال الدكتور صلاح عبد الرحمن ارادت الولايات المتحدة الاميركية الخروج من النفق الاقتصادي المظلم من خلال استخدام عملتها - التي تشكل عملة الاحِتياطي الرئيسية وعملة السيولة الدولية وعملة تقييم السلع - كسلاح موجة ضد الدول الناشئة وخاصة الصين في محاولة منها للتخفيف من الاوضاع الاقتصادية التي تعاني منها وخاصة معالجة الباحثين عن عمل والتخفيف من العجز الهائل في ميزان مدفوعاتها فقامت: تبنى بنك الاحتياطي الفدرالي الاميركي برنامجا سمي ببرنامج التيسير الكمي والذي يقوم على اساس طرح كميات كبيرة جدا من الدولار الاميركي للتداول من قبل الحكومة لاعادة شراء سندات الحكومة الاميركية كل ذلك بهدف: التأثير على سعر صرف الدولار لجعل السلع الاميركية المعدة للتصدير رخيصة لمنافسة الدول الناشئة. وتخفيف النفقات العامة للدولة من خلال تجنب دفع الفوائد على السندات التي يتم اطفاؤها واحداث خلل في الاداء الاقتصادي للدول الناشئة من خلال انتقال الاموال الساخنة الى الاسواق المالية للدول الناشئة ذات الربحية الاعلى وبالتالي إيجاد فقاعات اقتصادية في هذه الاسواق على غرار ماحصل في ازمة النمور الآسيوية واحداث ضغوط تضخمية في اقتصاديات الدول الناشئة واسواقها من خلال التأثير على اسعار صرف عملاتها ورفع اسعار كلف الانتاج لديها نتيجة لانقاظ قيمة عملتها مالم تقم برفع سعر صرف عملتها والذي في حالة حصوله يؤدي لضعف صادراتها.

 

أموال التحفيز

وتابع: بلغت الاموال التي تم طرحها بموجب برامج التحفيز:الدفعة الاولى ‬500 مليار دولار والدفعة الثانية ‬600 مليار دولار وهاتان الدفعتان تمثلان اكثر من (ثلثي) عرض النقد الدولي بالدولار.

وعن الآثار الاقتصادية قال: خفض القيمة الحقيقية لاحتياطيات الدول من العملات الاجنبية وارتفاع مستويات التضخم في الاقتصاد العالمي نتيجة لاحداث خلل بين العرض النقدي والسلعي وإيجاد خلل في اداء الاسواق المالية العالمية خاصة الناشئة منها من خلال تحول النقد المصدر الى اموال ساخنة تجوب اسواق العالم للمضاربة وإيجاد فقاعات اقتصادية في اسعار الاصول وفي الاسواق المالية للدول الناشئة وسيادة المضاربات في الاقتصاد الدولي اكثر من الاستثمار.

وحول أثر حرب العملات على الأسواق المالية قال يقصد بالأسواق المالية ليس فقط اسواق الاوراق المالية من اسهم وسندات ولكنها تضم: اسواق الأوراق المالية واسواق العملات واسواق المعادن الثمينة واسواق المشتقات واسواق العقود المستقبلية. بموجب برامج التيسير الكمي لحد الان تقرر طرح ‬1,1 تريليون دولار على دفعتين مما يؤدي لزيادة عرض النقد الدولي بالدولار بشكل كبير جدا .ان فرص استثمار هذه الاموال محدودة في الولايات المتحدة الاميركية واليابان ودول اوروبا الغربية بسبب: ربحية الاسواق المالية فيها متدنية قياسا بالاسواق الناشئة سعر الفائدة المصرفية متدن بالقياس للاسواق الناشئة معدل النمو الاقتصادي فيها متدن قياسا بالاسواق الناشئة والمؤسسات المالية في الدول الناشئة لا تعاني من المشاكل المالية التي تعانيها المؤسسات المالية الاميركية والاوروبية واليابانية.

 

أموال ساخنة

وأردف الدكتور صلاح عبد الرحمن قائلاً: للأسباب التي ذكرتها فان من الطبيعي بموجب برامج التحفيز أن تهاجر الاموال المطروحة للاماكن الاكثر ربحية بحثا عن الفرص الواعدة في الاسواق الناشئة مما يؤدي الى تحول هذه الاموال الى اموال ساخنة تستخدم في المضاربات وزيادة حجم السيولة الدولية بشكل كبير قد يكون اكبر من امكانية الاسواق على استيعابها مما يؤدي الى ارتفاع مؤشراتها بشكل لايعكس الواقع الاقتصادي لاقتصاديات الدول الناشئة: تضخم اسعار السلع الرئيسية والمعادن الثمينة وازدياد حجم المضاربة على الاصول في الدول الناشئة بهدف تحقيق الارباح وإيجاد فقاعات اقتصادية في الدول الناشئة واحتمال انفجارها بما يحقق فوائد للاقتصاديات الغربية المتعثرة.

Email