الاستثمار في أفريقيا على الميزان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما توجس مجتمع الاستثمار الدولي من أفريقيا، إذ ينظرون إليها على أنها بيئة شديدة المخاطر عند المقارنة مع الأسواق الناشئة الأخرى. وبالطبع، تحمل إقامة الأعمال في أي سوق ناشئة قدراً من المخاطرة، إلا أن أفريقيا.

وخاصة منطقة جنوب الصحراء الكبرى، عانت من تغطية إعلامية سلبية مبالغ فيها في كثير من الأحيان (ركزت على قضايا الأمراض والحروب والمجاعة) مع فهم محدود من جانب المستثمرين لواقع الفرص التي تتيحها. فلننظر مثلاً إلى آسيا عامة وإلى الصين خاصة، والتي يعتبرها المجتمع الدولي وجهة استثمارية مثالية نظراً لحجم سوقها، إلا أن مخاطر ممارسة الأعمال التجارية فيها تتشابه إلى حد كبير مع تلك الموجودة في القارة السمراء.

ويدرك المستثمرون الذين أمضوا وقتاً في بناء الأعمال التجارية في أفريقيا أن الاستثمار في بعض الأسواق الأفريقية هو في الحقيقة أقل خطورة بكثير من نظيراتها في آسيا. وفي الماضي، ربط المستثمرون مخاطر الأعمال في أفريقيا بالبيئات السياسية غير المستقرة، والفساد، وانعدام سيادة القانون، وسوء إدارة الشركات، وضعف الأمان. كما أن مخاطر العملات أصبحت مؤخراً مصدر قلق للمستثمرين في أفريقيا، لكنها ليست حكراً على هذه القارة.

وفي حين أن هذه التحديات لا تزال قائمة اليوم، إلا أن إدارة المخاطر المرتبطة بالاستثمار أصبحت وعلى نحو متزايد أسهل وأكثر كفاءة، من خلال تعميق الفهم بالقارة واتباع نهج أكثر انفتاحاً للمخاطر.

أفريقيا ليست أرضاً متجانسة

يبدو أن أفريقيا هي القارة الوحيدة التي يشار إليها بانتظام ككيان واحد، مع أنها من منظور الأعمال التجارية ليست متجانسة، وبالتالي فإن التركيز على أفريقيا بوصفها وحدة واحدة ليس منطقياً أو مجدياً. فمن خلال اعتبارها كامتداد واحد يسيء المستثمرون فهم المخاطر والعوائد التي تختلف من بقعة لأخرى.

ومن الأهمية بمكان فهم أن المليار نسمة القاطنة في أفريقيا تتوزع في 54 بلداً، وفي أربع مناطق زمنية، وبيئات تنظيمية متفاوتة، ويتحدثون لغات مختلفة، ولديهم جذور تاريخية مختلفة جداً، وكل ذلك يؤدي إلى شخصيات اقتصادية فريدة عبر القارة.

وتاريخياً، لم يحصل أن تبادلت البلدان الأفريقية مع بعضها البعض بكثافة، ولها واحد من أدنى معدلات التجارة الإقليمية الداخلية. وقد شكل هذا في حد ذاته فرصاً واعدة للمستثمرين الواعين الذين يدركون إمكانيات تطوير التواجد الإقليمي لأعمالهم وتشجيع التجارة العابرة للحدود.

وفي ظل المناخ الاقتصادي الحالي، تأثرت الاقتصادات الكبرى مثل نيجيريا وأنغولا بشكل خاص بانخفاض أسعار النفط، في حين ظل النمو في جنوب أفريقيا بطيئاً منذ عام 2007 لعدة أسباب مختلفة.

وهي أوضاع ليست فريدة من نوعها في السوق، حيث ضرب التباطؤ معظم اقتصادات الأسواق الناشئة حول العالم. وعلى النقيض من ذلك، هناك توقع بنمو اقتصادات إثيوبيا وكينيا وتنزانيا وموزامبيق وساحل العاج بمعدلات تزيد على 5 بالمائة سنوياً.

وهذه الاختلافات الواضحة في النمو تؤكد الطبيعة المتنوعة والمجزأة لأسواق أفريقيا، وبدأنا نرى ما يسمى بالنمو المتعدد السرعات مع تطور بلدان مختلفة بمعدلات نمو متفاوتة. والسبب في هذا الاتجاه بسيط: حيث يرى المستثمرون فرصاً كبيرة للاستثمار في قطاعات أفريقيا غير السلعية مثل الخدمات المالية والبناء والتصنيع. ومع ارتفاع تكاليف الإنتاج في آسيا، فإن المستثمرين مهتمون بشكل خاص بأسواق مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا.

وبالنظر إلى شرق أفريقيا، فإن الأهمية الاستراتيجية لكينيا كمركز للاستثمار في المنطقة سوف يضمن استمرار جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ورغم الإعلان عن اكتشاف مخزونات نفط جديدة، تتمتع كينيا باقتصاد متنوع يركز على الخدمات المالية والتكنولوجيا والزراعة والمنسوجات والسياحة، ما يحول دون اعتمادها على سلعة معينة، وستنقذها من التخبط في دوامة أسعار النفط.

وتسترعي إثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 90 مليون نسمة، اهتماماً كبيراً من المستثمرين الدوليين، بما في ذلك الشركات المتعددة الجنسيات، فهي تتمتع بالعمالة غير المكلفة، والبيئة السياسية والاجتماعية المستقرة نسبياً. وتعتبر حالياً أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.

وتسعى حكومتها بنشاط إلى تحسين المشهد الاستثماري الحالي من خلال تطوير البنية التحتية وتحسين كفاءة عمليات تسجيل الأعمال. وتشمل بعض المجالات الرئيسية ذات الأولوية الاستثمارية في إثيوبيا القطاعات الزراعية، والمنسوجات، والسكر، والكيماويات، والمعادن، والهندسة. غير أن التحديات لا تزال قائمة، بالنظر إلى أن الأطر القانونية والتنظيمية ليست متطورة بشكل كاف.

* مدير شركة أنجاروالا آند كانا

 

Email