انتعاش منطقة اليورو مستمر حتى مع خروج بريطانيا بلا اتفاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينمو الاقتصاد المشترك لـ 19 دولة أوروبية في منطقة اليورو بشكل صحي في أعقاب عقد من الركود.

ومن المتوقع أن ينمو 2% هذا العام، بعد نمو مماثل في عام 2016، ومعدلات شبيهة متوقعة في السنتين المقبلتين.


وبينما لا تشكل هذه النسب ازدهاراً اقتصادياً، إلا أنها بالتأكيد تمثل انتعاشاً دورياً معقولاً، وتعني بكل تأكيد أن منطقة اليورو على طريق تجاوز اقتصاد بريطانيا يعاني ما بعد استفتاء «بريكست». وفيما هناك اختلافات كبيرة في معدلات النمو بين دول أعضاء منطقة اليورو، إلا أنها جميعاً باستثناء اليونان، ستشارك في هذا الانتعاش. وقد توسعت قاعدة النمو أيضاً، مع توفير الاستهلاك والاستثمار المحلي معظم الزخم.


فهل تجاوزت منطقة اليورو مصاعبها؟ هل بإمكانها الازدهار من دون المزيد من الإصلاحات المهمة؟ سوف يعتمد الكثير من ذلك على مدة طفرة النمو الحالية، وعمق الانكماش المقبل وتوقيته. وفيما هناك مخاطر تهدد انتعاش منطقة اليورو، إلا أن معظم الاقتصاديين يتوقعون استمرار الانتعاش لبعض الوقت بعد.


وكان الدافع وراء الانتعاش تركيبة من أسعار فائدة منخفضة للغاية وغيرها من إجراءات التحفيز النقدي الطارئة، وضعف اليورو المقابل، والسحب التدريجي لإجراءات التقشف مع تراجع أسوأ أزمة ديون سيادية، والانخفاض الكبير لأسعار النفط العالمية.


وقد استجاب البنك المركزي الأوروبي للضغوط الانكماشية من خلال الاحتفاظ بأسعار الفائدة عند مستويات منخفضة قياسياً. وأطلق برنامج طوارئ للتيسير الكمي، بشراء أصول بالنقد الذي أوجده حديثاً لزيادة المعروض النقدي، وهذا البرنامج كان كبيراً إلى حد أن البنك المركزي الأوربي الآن يحتفظ بمزيد من الأصول في ميزانيته العمومية من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.


وكانت الحكومة الألمانية لخوفها الشديد من التضخم مناهضة أحياناً لاستراتيجية البنك المركزي الأوروبي. فالتضخم المفرط في ألمانيا كان قد أوجد الظروف الاقتصادية القاسية التي مهدت الطريق لصعود النازيين. لكن البنك المركزي استمر في مسعاه، ويعود إليه معظم الفضل في تحسين المناخ الاقتصادي في منطقة اليورو.


ويبقى الانتعاش متواضعاً، لكن ذلك لا يعود لعوامل استخدمت لمرة واحدة، بل لعوامل ستستمر لفترة طويلة.


ويظل متوسط نمو الأجور في منطقة اليورو منخفضاً، لكن زيادة العمالة تعزز ثقة المستهلكين، وبمعية ذلك الإنفاق. وتشير البيانات الاقتصادية إلى وجود وفرة في الطلب المكبوح بعد فترة طويلة من الاستهلاك الضعيف، وقد اكتشفت الأسر والشركات مجدداً بعض الرغبة في الاقتراض.


وكلما استمر التحسن الملحوظ، زادت احتمالية نجاة منطقة اليورو من أي تراجع مستقبلي، وتفادي اندلاع المزيد من الأزمات الخطيرة، إذ ستكون أوضاع المالية العامة والميزانيات العمومية للمصارف في وضع أقوى، وسيكون المصرف المركزي الأوروبي بقدرة على رفع أسعار الفائدة عن المستويات الحالية، بالتالي سيكون له بعض المجال لخفضها في سبيل مواجهة أي تراجع اقتصادي. وعلى العكس من ذلك، إذا كان الانتعاش قصير الأجل نسبياً، ستكون لحكومات منطقة اليورو والمصرف المركزي الأوروبي مهلة زمنية أقل لاستجماع القوة في سبيل مواجهة الركود.


وهناك تهديدات محتملة عديدة أمام انتعاش منطقة اليورو، لكن ليس مؤكداً أن أياً منها سيتجسد على أرض الواقع. التهديد الخارجي الأكبر هو ربما خسارة محتملة للثقة في الدولار إذا كان النمو الأميركي مخيباً للآمال، كما من شأن يورو أقوى أن يؤثر على صادرات منطقة اليورو.


ومن شأن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق أن يشكل مشكلات مالية واقتصادية وقانونية لبريطانيا. وهذا مما لا شك فيه سيضرب وتيرة النمو في منطقة اليورو، خصوصاً إذا فشل الجانبان في حل سريع للقضايا التنظيمية والقانونية الناجمة عن ذلك، من أجل السماح بتدفق التجارة على النحو الذي سبق «بريكست». لكن من الصعب رؤية سيناريو للخروج من دون اتفاق يُخرج الانتعاش الاقتصادي لمنطقة اليورو عن مساره.

تشمل المخاطر الخارجية المحتملة الأخرى موجة من الحمائية العالمية، وانهيار مالي صيني، وأزمة أمنية في أوروبا الوسطى والشرقية، أو اضطراب في الشرق الأوسط يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، لكن احتمال حدوث أي من تلك الأمور يبدو منخفضاً.

وسيكون التهديد الأكبر من داخل منطقة اليورو عبارة عن تضييق سابق لأوانه للسياسة النقدية.
وفيما لا يشهد الاقتصاد في منطقة اليورو طفرة، تبقى هناك أسباب مقنعة للاعتقاد بأن الانتعاش الدوري الحالي يمكنه أن يستمر لبضع سنوات.

* نائب مدير مركز الإصلاح الأوروبي

Email