الصين ستخرج أقوى من حرب تجارية تشعلها أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول أنصار الحرب التجارية في الولايات المتحدة إنه ما دامت الصين تصدّر 18% من صادراتها إلى أميركا، فإنها ستتضرر بدرجة أكبر. استنتاجاتهم قائمة ربما على افتراض مفاده أنه ما دامت الصادرات تشكل 20% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، فإن الاقتصاد الصيني سينكمش بـ 4 نقاط مئوية في الحرب التجارية. ووفقاً لذلك، فإن الحصار الأميركي للصادرات الصينية سيقلص معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي السنوي للصين إلى 2.7% أو أقل.

لكن، في سبيل حدوث مثل هذا الانهيار، يجب أن تغلق كل المصانع الصينية التي تتعامل مع الشركات الأميركية أبوابها، وأن تنتفي أمام العمال المصروفين وسائل بديلة لكسب عيشهم، وتفشل الحكومة في مساعدتهم. لكن مثل هذه سيناريوهات غير محتملة في ظل تاريخ الصين في التعامل مع الرياح الاقتصادية المعاكسة.

خلال الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2007، فإن الأغلبية الساحقة من 23 مليون عامل تم صرفهم عادوا إلى منازلهم في الأرياف، كثيرون ذهبوا لتأسيس أعمال صغيرة الحجم، والعناية بالمزارع، أو وجدوا عملاً بالقرب من منازلهم، فحققوا انتعاشاً اقتصادياً محدوداً في بعض المناطق الريفية.

وقد تدخلت الحكومة الصينية أيضاً بسرعة بحزمة تحفيز هائلة تصل إلى 580 مليار دولار، ما يمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في وقتها. فعكس الاقتصاد مساره التنازلي، وسجل معدل نمو سنوي يصل إلى 10% ما بين 2009 و2014.

علاوة من ذلك، لم تغلق كل المصانع التي تخدم السوق الأميركي أبوابها، برغم قيام بعضها بتقليص أعماله، بل اندفع معظمها بنجاح لإيجاد أسواق أخرى، محلية وخارجية.

ويصل التعداد السكاني في الصين إلى أكثر من 1.35 مليار نسمة، وتشير شركات استشارية أميركية إلى أن الطبقة الوسطى في المدن سيزداد عددها إلى أكثر من 550 مليوناً بحلول 2020. كما هناك مئات الملايين ممن يعيشون في الأرياف يمكن تصنيفهم ضمن الطبقة الوسطى، بديون ضئيلة بالمقارنة مع نظرائهم في الولايات المتحدة. أخيراً وليس آخراً، يوفر المستهلكون الصينيون 26% من مداخيلهم المتاحة بالمقارنة مع معدل ادخار في الولايات المتحدة يصل إلى حوالي 5%.

وأدت عملية التمدن إلى تبدل في تعاطي الصين الاستهلاكي. يؤدي نقل مئات الملايين من الناس إلى المدن إلى زيادة الاستهلاك نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وقد ارتفع بالفعل من 34% في أوائل هذا العقد إلى أكثر من 60% في عام 2016.

ونظراً لقوة الاستهلاك الهائلة وسجل الحكومة في التدخل في المحن الاقتصادية، فإنه ينبغي على الاقتصاد الصيني أن يكون قادراً على تحمل حرب تجارية مع أكبر شريك تجاري للبلاد.

وهناك الخطة بي، وهي مبادرة الحزام الواحد، الطريق الواحد. من المحتمل أن يكون إعلان الرئيس الصيني شي جينبينغ عن تجديد ممر طريق الحرير التجاري القديم، وتأسيس المصرف الاستثماري في البنى التحتية، وصندوق طريق الحرير عام 2013 أكثر من مجرد وسيلة للحفاظ على النمو الاقتصادي أو فتح منافذ للطاقة الصناعية المفرطة. ربما توقع أن تصبح العلاقات التجارية مع الغرب واليابان تصادمية.

وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان لحماية أسواقها المحلية، قد رفضت منح الصين مكانة اقتصاد السوق وفقاً لقواعد منظمة التجارة العالمية. كما تعد الصين الطرف الأكثر عرضة لإجراءات مكافحة الإغراق التي تتخذها الاقتصادات المتقدمة.

وبدلاً من تحمل العواقب الناجمة عن الأزمة المالية لعام 2007 التي نشأت في الولايات المتحدة، والقيام بتغيير هيكلي، فإن بعض السياسيين أو المسؤولين الأميركيين يلقون باللائمة على الصين، مثل رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بن برنانكي، الذي لام «الأموال الصينية الرخيصة» بدلاً من الإدارة المالية الأميركية المتهورة والسياسات المالية والنقدية غير المستدامة.

وكان قرار الشركات الأميركية بالتخلي عن التصنيع أو تقليص التصنيع لكسب عائدات أعلى على الرساميل وتخفيض التلوث هو ما أفرغ القطاع الصناعي في الولايات المتحدة، كما أن إنفاق المال على الأتمتة والابتكار الجاني الرئيسي المسؤول عن زيادة البطالة في الولايات المتحدة.

في أثناء ذلك، تواصل مبادرة الطريق والحزام تعزيز التجارة بين الصين وأكثر من 60 دولة تمتد على اليابسة الأوروبية الآسيوية، وجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا وأوروبا.

تجارة باتجاهين بين الصين والبلدان المشاركة في المبادرة قدرت بحوالي تريليون دولار في عام 2016. إذا ما استمر هذا الاتجاه، يمكن أن يزداد الرقم إلى ما بين 4 إلى 8 تريليونات دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. ويدعم عامل رئيسي هذه التوقعات، وهو أن الصين تفي بوعدها في استثمار تريليون دولار في البلدان التي تشارك في المبادرة، وتشيد البنى التحتية والأعمال وتزيد الترابط.

وفي ضوء هذا التحليل، من المحتمل أن تبرز الصين من حرب تجارية تشعلها الولايات المتحدة أقوى حالاً مما هي عليه اليوم. سوقها المحلي الهائل (أكبر من الغرب واليابان مجتمعة) يمكنه أن يستهلك معظم، إن لم يكن كل المنتجات التي تنتجها مصانعها. كذلك، علاقاتها التجارية مع البلدان في أميركا اللاتينية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وغيرها من المناطق هي في صعود.

ولقد أظهرت الصين أيضاً مرونة في التصدي لمواقف الولايات المتحدة المعارضة. رفض الولايات المتحدة مشاركة الصين في برنامج الفضاء الدولي، جاء بنتائج عكسية وتتوج ببناء الصين لمشروعها. حظر الشركات الصينية من شراء شركات التكنولوجيا الأميركية شجع الصين على زيادة الإنفاق على الأبحاث والتطوير، مما أدى إلى إغلاق فجوة الابتكار أسرع.

ولأسباب كثيرة فإن حرباً تجارية في المقابل يمكنها أن تدفع الولايات المتحدة والعالم نحو الركود أو حتى الكساد.

Email