مكامن قوة الاقتصاد الألماني تسبق صعود أنغيلا ميركل

macrae

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أهم أسباب إعادة انتخاب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في انتخابات 25 سبتمبر، هي قوة الاقتصاد الألماني. فمنذ توليها سدة الحكم في عام 2005، هبطت البطالة إلى النصف، وتمكنت البلاد ليس فقط من تحقيق نمو، هو الأعلى من معظم دول منطقة اليورو منذ الانهيار المالي، بل إن البلاد قد تكون الوحيدة في العالم المتقدم التي تدير فائضاً في الميزانية حالياً. فلماذا تجري المخاطرة بالتغيير في ألمانيا؟


هذا السجل خولها لولاية رابعة في المنصب. وعندما يغدو المرء زعيماً في السلطة كل تلك الفترة الطويلة، فإنه من المنطقي أن يعزى النجاح في ذلك إلى قيادته. لكن في واقع الحال، فإن لبنات هذه الإدارة من النجاح النسبي كانت قائمة عندما تولت منصب المستشارية في عام 2005، وكانت أساس القوة الأعمق لألمانيا.


وهناك فعليا ثلاثة عناصر رئيسية للنجاح الألماني، وهي عناصر لا يمكن تكرارها، وذات صلة ببقية العالم. ربما الأهم بينها، كانت إصلاحات العمالة في بداية 2003، تحت زعامة المستشار الألماني السابق من يسار الوسط غيرهارد شرودر. حينها، بدت ألمانيا الرجل المريض في أوروبا، مع بطالة أعلى من معدلات الاتحاد الأوروبي، ومع نمو اقتصادي بطيء.


تم إدخال هذه الإصلاحات التي يطلق عليها «هارتز الرابع»، نسبة إلى كبير التنفيذيين في شركة فولكس فاكن، بيتر هارتز، على أساس تداولي، قبل أن تُتوّج بالكامل في عام 2005. وقامت هذه الإصلاحات بتخفيض منافع البطالة، والأهم أوجدت مجالاً للمساومة، حيث جرى الضغط على الألمان للبحث بنشاط عن عمل من أجل الحصول على المنافع، فضلا عن تغييرات أخرى ترمي لإيجاد سوق عمل أكثر مرونة: شملت عقوداً محددة المدة، وعملاً مؤقتاً عبر الوكالة، وما يدعى «وظائف صغيرة» تنطوي على منافع قليلة.


وقد واصلت البطالة ارتفاعها لبضع سنوات ووصلت إلى حوالي 11% في عام 2005، لكن المد كان قد تحول بحلول موعد انتخاب انغيلا ميركل، حيث حصد حزبها، الحزب الديمقراطي المسيحي، المنافع مع غياب شعبية الاشتراكيين الديمقراطيين الذين هم من أدخلوا الإصلاحات. وشكل هذا الأمر درساً عظيماً عن ظلم السياسة، كما عبر عن ذلك بشكل رائع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر، عندما قال: «جميعنا يعرف ما يفترض القيام به، لكننا لا نعرف كيف سنتمكن من إعادة انتخابنا بعد قيامنا به».


وهناك عنصران آخران للنجاح الألماني. الأول يكمن في العلاقة الوثيقة بين التعليم، لا سيما التدريب المهني، والصناعة. هذه قضية على درجة كبيرة من التعقيد لإيفائها حقها، لكن شبكة الشركات، المتوسطة والكبيرة الحجم، ليست فقط جيدة جداً في التدريب التقني، بل تعمل مع المدارس في الجوار للحفاظ على تدفق المتدربين الشباب المهرة. وفي معظم باقي العالم، يريد الأشخاص الذين يبنون الشركات الحصول على أرباحهم وبيع الشركة لاحقاً، أما في ألمانيا، وبمساعدة من بند خاص في ضرائب الإرث، فانه يجري توريثها للأبناء.


النقطة هنا هي أن هذه الهيكلية الصناعية لا علاقة لها بإشراف المستشارة أنغيلا ميركل. بل إنها موجودة قبل فترة طويلة من وصولها للحكم، لكن ميركل دعمتها بدلا من تقويضها. على سبيل المثال، تمكنت حكومتها العام الماضي من وقف طعن المحكمة بالمعاملة الضريبية المواتية للإرث للشركات العائلية، من خلال التوصل إلى حل توفيقي يحافظ على هذه الثغرة شريطة أن تبقى العائلة منهمكة في إدارة العمل التجاري.

* المحلل الاقتصادي في صحيفة «إندبندنت»

 

Email