يا مواطني العالم اتحدوا

ت + ت - الحجم الطبيعي

في استطلاع للرأي أجري العام الماضي لصالح وكالة «بي بي سي وورلد سيرفيس»، أشار أكثر من نصف المشاركين والبالغ عددهم 20 ألف شخص من 18 بلداً، إلى أنهم يعتبرون أنفسهم مواطنين عالميين أكثر من كونهم مواطنين لبلدهم الأم.

وهذه هي المرة الأولى منذ بدء هذا الاستطلاع قبل 15 عاماً، التي تكون فيها «الغالبية العظمى» لصالح الهوية الدولية وليس الهوية الوطنية، وفقاً لما ذكره موقع الوكالة على الإنترنت.

وتعكس نتائج هذا الاستطلاع واقع العالم اليوم بأكثر من طريقة. فقد خلقت شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية والأجهزة الذكية مجتمعاً افتراضياً مترابطاً يمكن لمواطني بلد واحد أن يعرفوا فيه بالضبط ما يحدث في أي بلد آخر تقريباً على هذا الكوكب.

وعلاوة على ذلك، فإن المسائل الحساسة في عالم اليوم، كالأمن الغذائي والطاقة، والتغير المناخي، والكوارث الطبيعية، وعدم المساواة، وانتشار الأمراض، باتت تتجاوز الحدود الوطنية، وحتى الإقليمية. وعلى العموم، فإن الناس يشعرون بالقلق إزاء مصير «الإنسانية» بشكل عام، تماماً كمصير أوطانهم أو مجتمعاتهم المحلية.

وفي ظل هذه المعطيات، فقد أرخت تعليقات رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، خلال المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في أكتوبر من العام الماضي، موجات من الإحباط عبر العالم. وقالت ماي في كلمتها تلك: «اليوم يتصرف الكثير ممن هم في مواقع السلطة كما لو كان لديهم الكثير من الأمور المشتركة مع نخب دولية أكثر من الناس العاديين، والأشخاص الذين يعملون لديهم، والأشخاص الذين يعبرون الشارع. إذا كنت تعتقد أنك مواطن عالمي، فإنك في الواقع لا تنتمي لأي مكان.

أنت لا تدرك ما تعنيه المواطنة حقاً». وفي الردود الإعلامية التي أعقبت ذلك الحديث، وصف أحد المعلقين موقف ماي بأنه «قومية صرفة غير مقنعة». وأشار معلق آخر إلى استطلاع بي بي سي وورلد سيرفيس،.

حيث إن 47٪ من المواطنين البريطانيين - أي ما يقرب من نصف السكان الذين شملهم الاستطلاع ـ يرون أنفسهم مواطنين عالميين. ومن هنا فمن المؤكد أن ماي لم تقصد القول بأن الكثير من أبناء شعبها هم «مواطنون غير منتمين لأي مكان»!

وعلى العموم، يبدو أن هناك شدّاً وجذباً بين المشاعر القومية التي يعبر عنها القادة في المملكة المتحدة - وكذلك في أماكن أخرى مثل الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وميانمار - والطريقة التي يرى بها المواطنون العاديون أنفسهم ومكانتهم في العالم. فهل هذا الشدّ والجذب يعني بأن الناس الذين يرون أنفسهم كجزء من مجتمع عالمي سيواجهون صعوبة في التعبير عن عالميتهم في المستقبل، نظراً لما تشدق به قادتهم إزاء حريتهم وتنقلهم؟ وهل ستصبح الجنسية الثانية قريباً مصدراً أساسياً للأفراد في هذا الوضع؟

هذه القضايا وغيرها كانت من بين ما تم نقاشه أخيراً خلال إطلاق النسخة الثانية من مؤشر هينلي وشركاه-كوشينوف لجودة الجنسية في لندن، والذي يعد أول مؤشر عالمي من نوعه يعنى بتصنيف جودة الجنسيات بموضوعية. ويعمل المؤشر على قياس القيمة الداخلية والخارجية للجنسية من حيث جودة الحياة وفرص النمو المتاحة للفرد ضمن البلد الذي يحمل جنسيته، وجودة وتنوع الفرص التي توفرها له جنسيته خارج بلده.

وفي أحدث نسخة من المؤشر، احتلت ألمانيا المركز الأول، بينما ضمت قائمة الدول العشر الأفضل كلاً من الدنمارك وفرنسا وأيسلندا والسويد والنرويج وفنلندا والنمسا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وإسبانيا. كما حلت الولايات المتحدة في المرتبة 29، وهي بذلك تقع ضمن الفئات العالية جداً للجنسيات - ويرجع ذلك أساساً إلى حرية الاستيطان المنخفضة نسبياً المتاحة لمواطنيها. وجاءت المملكة المتحدة خارج أفضل 10 مراكز، لتحتل المركز 12، إلا أنها بقيت ضمن مستوى عالٍ جداً.تشير نتائج الاستطلاع إلى أننا حتى ولو افترضنا جدلاً عدم حدوث أي خسارة اقتصادية داخلية للمملكة المتحدة بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي.

وركزنا فقط على الجوانب الخارجية للمواطنة، فإن الجنسية البريطانية ستدخل في نوع من «السقوط الحر»، إذ ستهوي من مستوى الجودة العالي للغاية الذي كانت تنتمي إليه تاريخياً. وسيتغير جيرانها في الترتيب، من أمثال سويسرا وألمانيا إلى أمثال البرازيل ورومانيا. وستعاني الجنسية من خسارة فادحة في القيمة، والتي ترتبط عادة بالبلدان التي تكون في خضم نزاعات مسلحة أو غيرها من أشكال الاضطراب السياسي.

* مدير «هينلي وشركاه» الشرق الأوسط

 

 

Email