«البيان» في أروقة أضخم مطبخ في العالم

من هنا تصعد 50 مليون وجبة إلى الطائرات!

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الأرقام تتنفس. تصعد منها أبخرة. روائح تخاطب الحواس. «تفتح النفس». تحار من أين تبدأ في هذا المكان؟ خارطتك فكرية، أم عاطفية؟ تبدأ من العقل أم المعدة؟ كل شيء ضخم وعملاق. كثير وكثيف.

مرصوص بعناية، يلمع، يسطع، يتحرك على عربات، أو أحزمة كهربائية معلقة، يبدأ وحيداً في طبق صغير، ثم يضاف إليه شيء آخر، فثان وثالث، ثم إلى صندوق، يتم الإغلاق والتغليف، ثم إلى صندوق أكبر. مثل كرة الثلج، كل شيء يبدأ صغيراً لكي يتعملق.

شاحنات تدور عجلاتها مئات المرات في اليوم، ماكينات تهدر محركاتها، أفران تشتعل نيرانها، مبردات تضخ صقيعها، وابتسامات على الوجه وإثارة لا تنقطع بادية في عيون أكثر من 4300 عامل يتجولون في المكان:«مرحباً بكم في أضخم مطبخ في العالم. في دبي، هنا، في مركز طيران الإمارات لتموين الطائرات، يتم تصنيع ما لا يقل عن 50 مليون وجبة سنويا، وفق ما ذكره شريف العيط مساعد نائب الرئيس للإمدادات اللوجستية.

الأحلام.. حقيقة

حقاً؟ تلك الأحلام التي فكرنا بها ونحن صغارا عن»مطبخ سحري«عجيب، فيه كل ما نشتهيه، بكميات ضخمة، موجود في الواقع؟ 10 آلاف سلة فاكهة في اليوم، يتم توضيبها في هذا المكان هذا يعني 3 ملايين و650 ألف سلة فاكهة في السنة. كل سلة فيها ما لا يقل عن 5 ثمرات. نحن نتحدث هنا عما يقارب 17 مليون ثمرة فاكهة سنوياً. هذا رقم كفيل لأن يجعلك تتخيل بستاناً مثمراً يغطي الكرة الأرضية، أو تتخيل كوكباً كاملاً على شكل ثمرة.

الأرقام، هنا، تشحذ مخيلتك. تطلقها إلى آفاق من الدهشة والغرابة. هناك جهود تشغيلية خارقة تسيّر هذا»المطبخ«. خبرات متراكمة على مدى سنوات طويلة، ومجمعة من كل دول الأرض. إنها مدينة متكاملة فيها كل ما تتمتع به المدن: بشر ومكائن وطعام وطاقة وسكن ومواصلات وحتى ترفيه. أما إن كنت من الذين يشعرون بسعادة حين لقاء الطهاة، وإمطارهم بأسئلة من قبيل: كيف تفعل ذلك؟ وما هي مكونات ذاك؟ وكم يحتاج الأمر من وقت لإنجاز ذلك.. فها هنا»جنة الطهاة«.

غرفة استراتيجية

أكثر من 500 طاه، من 47 بلدا، متواجدون بألبستهم البيضاء الناصعة، وقفازاتهم، وأقنعتهم الواقية، وشغفهم لكي يوصلوا إلى معدات آلاف الركاب يومياً على متن طائرات أسطول طيران الإمارات، أكلاً مطبوخاً بعناية وبحب، مع عبارة»صنع في دبي«. يجولون في الطوابق، والمساحات الممتدة على مئات الكيلومترات، يتذوقون بأطراف ملاعقهم، يدونون برؤوس أقلامهم ملاحظات على دفاتر صغيرة، يتأكدون من درجات الحرارة، وسير الأفران والثلاجات وتأثير حركتها على جودة الطعام، يمارسون أحلامهم وإبداعاتهم في تطبيق أشهى الوصفات وأغرب الأفكار

يقول الشيف الإيطالي برونو:» بوسعك أن تعتبر هذه الغرفة غرفة عمليات رئيسية في قيادة ذوق الأكل عند ملايين المسافرين. هنا، معرض صغير، نرص فيه الأطباق التي ستظهر على لائحة الطعام التي سيتلقفها الركاب بعد شهور وهم مسترخون على مقاعدهم«

يشرح برونو لنا الأمر، فيما يدور في غرفة اجتمع فيها رجال بأزياء بيضاء، يفحصون الأطباق ويسجلون ملاحظات. كأنهم أطباء في عيادة:» على سبيل المثال، ما يحصل الآن، هو عرض وفحص قائمة أصناف المقبلات العربية التي ستظهر على قوائم الطعام على الطائرات بدءاً من أبريل 2017. انت محظوظ لاطلاعك على هذا السر، بوسعك أن تخبر أصدقاءك ماذا سيأكلون بعد سبعة شهور على متن طيران الإمارات«، يضحك برونو الإيطالي ممازحاً.

الحلوى بالملايين

هذه ليست كل الأسرار. كم قطعة من حلوى»المافن«الشهية يتم خبزها هنا؟ 5.5 ملايين قطعة سنويا! كم طول هذا الحزام المتحرك (كأنه حزام الحقائب في المطار) المعلق تحت السقف والذي لا يتوقف عن الدوران؟ 1.1 كم!

وما هو عدد القطع التي يدور بها؟ 3 ملايين و650 ألف قطعة سنوياً؟ كم قطعة من الملاعق والشوك والمناديل يتم تغليفها ؟ 150 ألف قطعة في اليوم! القليل من التونة»يشفي الإنسان«، القليل؟ ترد جين الاسكتلندية، مشرفة الجولة:» ربما يكون أكثر مما توقع. 1500 كغ يومياً.

من نيوزيلاندا إلى اليابان

كل شيء هنا، 1548 قائمة طعام مختلفة من «الهوت ديش» (الوجبات الساخنة). من شرائح الواغو النيوزيلاندية الفاخرة، مروراً بالسوشي الياباني الذي يتم تحضيره على الطريقة التقليدية الأصيلة، كأنك في أفخم مطاعم طوكيو، وصولا إلى «النودلز» البنفسجي، المصبوغ بصباغ طبيعي من الخوخ الياباني.

 لا ننسى الحمص ولا الأطباق الهندية، أو الملائمة لأذواق النباتيين، وأصحاب الطلبات الخاصة، مثل الأطباق التي تخلو من «الغلوتين» أو السكر.. «تلك التي تأتي على الطائرة قبل غيرها، ثم تشعر بالحسد، لماذا هذا الراكب حصل على وجبته قبلي؟ ببساطة، لأنه طلب مواصفات صحية خاصة.. وعلينا أن نحترم ذلك ونوليه الأولوية»، تقول جين ضاحكة:«في المرة المقبلة ربما سيتوجب عليك فعل ذلك».

4300

عامل يتجولون في المكان بهندام مرتب وأقنعة معقمة

500

طاه من 47 بلداً يعدون بعناية وشغف الأطباق للمسافرين

17

مليون ثمرة فاكهة و3 ملايين و650 ألف سلة سنوياً

1548

قائمة طعام مختلفة من الوجبات الساخنة

توريد للمهرجانات والمناسبات الضخمة في دبي

هذه السمعة والعناية الشديدة بجودة الطعام، جعلت «مطبخ» مركز تموين الطائرات في طيران الإمارات (الآن بات بوسعنا تسميته مدينة التموين) يقوم بتوريد الطعام ليس لأسطول الناقلة العالمية العملاقة فقط، وإنما لفعاليات وأحداث ومهرجانات ضخمة تحصل في دبي. يقول الشيف الياباني ساتو:«نعمل مثل أي مطعم ضخم، نورد الطعام، مثلا لـ»مهرجان الجاز«وبطولة لاعبي الركبي».

طعامنا يعني الجودة ودقة المصنعية»، ويقوم ساتو بتدوير لفائف «السوشي الذي بدا غريباً وفريداً من نوعه قائلاً:» لعلك معتاد على السوشي الذي يكون محشواً بالأرز. هذا صنف مختلف، معاكس، الأرز كما ترى من الخارج، والحشوة من الداخل«.

ويشرح شريف العيط:» حتى قطع السوق الحرة التي تصعد إلى الطائرة، تخرج من مركز التموين أيضا. ليس فقط الطعام، 150 ألف قطعة من 196 صنفاً من السوق الحرة يتم تزويدها يومياً«.

في المرة المقبلة التي تقدم لك فيها مضيفة الطائرة وجبة الطعام على »طيران الإمارات«، اغمض عينيك فقط، وتخيّل من أين يأتي هذا الطعام..

إعداد الحلوى

ينهمك الطاهي السوري أحمد في تحضير «جلسة البقلاوة» للتصوير. ويتابع بعينيه حركة قالب بنكهة التوت، من الفرن إلى الماكينة التي يتم تقطيع القالب فيها بخيط رشاش الماء. وليس بطرف سكين. قائلا:«إنها الطريقة الوحيدة التي تبقي على قطع الحلوى متماسكة، بحيث يحصل جميع الركاب على الحجم ذاته».

Email