نشرته «رويترز».. ورؤساء ومديرو شركات يفندون المزاعم

6 حقائق اقتصادية تدحض تقرير «أزمة السيولة»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بثت وكالة رويترز أمس تقريراً بعنوان «شركات البناء في الإمارات تواجه أزمة سيولة برغم ازدهار السوق»، لكن الوكالة الإخبارية العريقة أغفلت 6 حقائق على أقل تقدير..

في سياق مناقشتها أوضاع السوق العقاري، ما وضعها في حرج أمام العاملين في السوق الذين قالوا لـ«البيان الاقتصادي» إن التقرير خلط الأوراق على طريقة «دس السم في العسل». وعبر هؤلاء عن استغرابهم من توقيت مثل هذه التقارير التي تلجأ إليها بعض الوكالات الإخبارية مع كل انتعاش اقتصادي تعيشه الإمارات.

وكان مثيراً للاستغراب أن تنشر رويترز تقريراً يتضمن تناقضات صارخة. فالتقرير يتحدث عما سمته الوكالة «أزمة سيولة»، في حين أنها ختمت التقرير بإحصاءات رسمية، تتحدث عن زيادة حجم الإقراض، «فقد أظهرت بيانات البنك المركزي أن قروض قطاع البناء في الإمارات العربية المتحدة ارتفعت 40.1 في المئة في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن مستواها قبل عام لتصل إلى 181 مليار درهم.

وفاق ذلك نسبة النمو البالغة 8.8 في المئة في إجمالي القروض المصرفية»... وهذه قراءة في الحقائق التي أغفلتها رويترز في تقريرها:

الحقيقة الأولى

أولى المغالطات التي ارتكبتها رويترز في تقريرها كانت في إشارتها إلى «أن الأمور ليست على ما يرام بالنسبة إلى شركات البناء التي وجدت قدراً هائلاً من المشروعات، لكن مع هوامش ربح محدودة، وتباطؤ شركات التطوير في سداد الفواتير. ويعني هذا أن بعض المشروعات الضخمة الجديدة والجذابة قد يتأخر استكماله عن الموعد المحدد».

ويقول المدير العام لدائرة أراضي وأملاك دبي سلطان بطي بن مجرن إن المطورين لا يملكون حق تأخير دفعات المقاولين أو التباطؤ في عملية السداد، بسبب قانون حساب الثقة الذي يلزمهم بإيداع أموال المشترين في حساب بنكي، يخضع لإشراف حكومي، ويسمح للمقاولين بالحصول على مستحقاتهم مع كل مرحلة من مراحل البناء، وهذه العملية تتم أيضاً بإشراف وتدقيق من قبل الدائرة والبنك الذي يدير حساب التطوير العقاري.

وتحدث بن مجرن عن زيادة السيولة في القطاع لا العكس، لافتاً إلى برنامج التمويل العقاري «تيسير» الذي أطلقه مركز تشجيع الاستثمار الذراع الاستثمارية للدائرة قبل سنوات.

موضحاً أن البرنامج يضم حالياً ثماني من أكبر المؤسسات المالية في الدولة. وأشار إلى استفادة 45 مشروعاً عقارياً، منها 4 مشروعات عقارية رئيسة من التسهيلات التمويلية التي يقدمها المشروع، لافتة إلى أن إجمالي عدد المستفيدين من البرنامج حتى الآن بلغ نحو 406 مستثمرين ونحو 1108 وحدات عقارية.

وأطلقت الدائرة برنامج تيسير الذي يعنى بتمويل المشروعات التي لا تنضوي على مخاطر جسيمة، إذ إن اللائحة التنفيذية للبرنامج تشترط أن تكون الشركة العقارية مسجلة في الدائرة، ونسبة إنجازها للمشروع لا تقل عن 60% على الأقل.

وتتطلب الاستفادة من برنامج التمويل العقاري أن يكون لدى الشركة حسابات ضمان، وتمضي قدماً في عمليات إنجاز مشروعاتها من دون مشكلات مع المشترين، فضلاً عن تمتعها ببنية تحتية جيدة ومتعاقدة مع مقاول قادر على إنجاز المشروع وتسليمه للمشترين.

وقال بن مجرن إن مساهمة قطاع العقارات والإنشاءات في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 22,5% بنهاية الربع الأول من العام الحالي. ولفت إلى ارتفاع مساهمة قطاع العقارات إلى 13,9% من الناتج المحلي الإجمالي لدبي خلال الربع الأول من العام الحالي، مقابل 13,3% خلال الفترة المقابلة من العام الماضي، كما زادت مساهمة قطاع الإنشاءات من 8% إلى 8,6%.

ويعلّق رئيس جمعية المقاولين بالدولة الدكتور أحمد سيف بالحصا على هوامش ربح المقاولين بقوله «إن إحالة المشروعات على مقاولين أجانب قلصت هامش أرباح المقاولين الفاعلين، لأن المقاول الرئيس عادة ما يقوم بترسية عقد البناء على مقاولين بالباطن..

وبذلك تفضي هذه العملية إلى تنافس مقاولي الباطن في تقديم عروض سعرية تنافسية بغية الفوز بعقد البناء»، لكن بالحصا لا يرى في تراجع هامش الربح أمراً خطراً ما دام المقاول يحقق ربحاً. يقول بالحصا «الأمر المقلق عندما لا يجد المقاول مشروعاً ينفذه.. فهنا فقط يواجه المقاول مخاطر البقاء في السوق».

وتقول رويترز في تقريرها «يضغط التنافس الشديد في قطاع البناء على هوامش الربح، وهو ما يعني أن الأرباح المحتجزة لا يمكن أن تموّل المشروعات الكبرى»!

وهذه الخلاصة بحد ذاتها تحتاج إلى خبراء في علم اللغة لفهم معناها، إذ إن الجزء الأكبر من أرباح المقاولين يذهب لتمويل عمليات التشغيل وسداد التزامات الموردين ومستحقات العمالة وغيرها، ولم تكن الأرباح يوماً مصدراً لتمويل المشروعات الكبرى التي يفوز بها المقاول الذي عادة ما يلجأ إلى الاقتراض.

الحقيقة الثانية

تقول رويترز في مغالطتها الثانية «مع توقف بعض شركات التطوير العقاري في دبي وأبوظبي عن سداد ما عليها من مستحقات، تلجأ شركات البناء الآن إلى الاقتراض والسحب من الاحتياطات النقدية، لجمع الأموال اللازمة لتنفيذ المشروعات، وفي غضون ذلك يجتذب ازدهار قطاع البناء مقاولين جدداً وآخرين من الباطن، لتقديم عروض من أجل الفوز بالمشروعات، أملاً في جني أرباح سريعة، لكن ذلك يقلص هوامش الربح».

وليس مفهوماً تعمد رويترز إغفالها الحديث عن وفاء شركات دبي وأبوظبي بكل التزاماتها للمقاولين.

يقول رئيس مجلس إدارة نخيل العقارية إن الشركة سددت 10 مليارات درهم لـ1000 مقاول ومورد على شكل 40% نقداً و60% سندات مع فائدة 10%، أي أن الشركة لم تكتف بسداد الديون 100%، بل زادت عليها أرباحاً سنوية. تلك الخطوة أعادت الثقة إلى قطاع المقاولات، وضخت السيولة في مصلحة المنظومة الاقتصادية ككل بما فيها البنوك، لا سيما أن نسبة الفائدة على الصكوك مرتفعة.

الحقيقة الثالثة

ثالثة مغالطات تقرير رويترز عندما خلطت بين سوق البناء في الخليج وبين سوق البناء في الإمارات بقولها «هذه مخاطر تواجه سوق البناء في منطقة الخليج. وتتدفق شركات البناء الأجنبية على المنطقة لأخذ نصيبها من ثروتها النفطية، لكنها تواجه في بعض الأحيان أوضاعاً غير مستقرة في السوق، وعدم انتظام في سداد مستحقاتها».

ولم تتأخر رويترز في تغليف تقريرها بـ«الأكشن»، عندما نقلت على لسان «خبير إقليمي بشؤون القطاع طلب عدم ذكر اسمه نظراً إلى حساسية تعليقاته، أن أرباح شركات البناء الإماراتية ستنخفض هذا العام برغم ضخامة حجم المشروعات». وأضاف «تمرّ أنشطة المقاولات بمرحلة صعبة. سداد المستحقات يتأخر، وهو ما يؤثر في شركات البناء التي تواجه الآن مشكلات في السيولة. وسيكون لذلك بالطبع تأثير في المشروعات».

لا يتضمن كلام الخبير أية حساسية، لكنها تجافي الحقيقة، لا سيما أن الخبير لم يشرح «الأوضاع الصعبة»، وأكتفي بتوزيع تهمة «تأخر سداد المستحقات» على جميع شركات التطوير.

الحقيقة الرابعة

رابعة مغالطات الوكالة الشهيرة «بحياديتها» تعميمها للوضع المالي لشركتي أرابتك ودريك أند سكل على كل شركات المقاولات في الدولة. وحاولت رويترز حشد إحصاءات لدعم «حكمها» بصعوبة الأوضاع في السوق، بقولها إن «الأموال المستحقة لأرابتك قفزت إلى 9.1 مليارات درهم في النصف الأول من 2014».

وأشارت في مكان آخر من تقريرها إلى دريك أند سكل التي حصلت على قرضين في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، أحدهما بقيمة 20 مليون دولار من بنوك عالمية، والآخر 125 مليون دولار من بنوك محلية.

من غير المفهوم عدم قيام رويترز باستخدام محرك البحث غوغل، لتكتشف «أن مستحقات أرابتك التي ذكرها التقرير ليست داخل الدولة فقط، بل تمثل في جانب كبير منها مستحقاتها لدى عملاء خارج الدولة». وينطبق الأمر ذاته على قروض دريك أند سكل، فهي ليست لتغطية نفقات مشروعاتها داخل الدولة فقط، بل لتمويل توسعاتها الخارجية.

الحقيقة الخامسة

خامسة مبالغات رويترز الوكالة الإخبارية العريقة قولها «الضغوط التي يتعرض لها المقاولون قد تؤدي إلى تأخر مجموعة من المشروعات في الإمارات، ربما من بينها مشروعات بارزة، مثل متحف اللوفر أبوظبي الذي طال انتظاره». وقال مصدر بالقطاع يتابع تطورات المشروع «إن من الصعب جداً استكمال أعمال البناء في العام المقبل في ضوء حجم المشروع والضغوط الواقعة على الموارد».

اللافت للانتباه أن رويترز استعانت بـ«مصدر في القطاع»، متحدثاً عن صعوبة استكمال البناء، في حين أن رويترز نفسها نقلت قبل ثلاثة أيام خبر «الانتهاء من إنجاز كامل قبة متحف اللوفر أبوظبي، بوصفه أبرز الوجهات الثقافية والسياحية والسكنية في أبوظبي»!

وتطول قائمة مغالطات تقرير رويترز الذي يجزم بأن الشركات تواجه نقصاً في السيولة، وهي الوكالة الإخبارية التي انفردت بنشر تصريحات خاصة على لسان الرئيس التنفيذي لدبي القابضة أحمد بن بيات قبل شهرين، وهو يتحدث عن مصادر تمويل أكبر مول في العالم.

الحقيقة السادسة

سادس أخطاء رويترز الشهيرة بتحريها للدقة في تقاريرها حديثها عن «ارتفاع الإيجارات وأسعار المنازل بنسبة 30 في المئة في دبي»، وزادت أن «السكان يشكون من ارتفاع تكاليف المعيشة، ويتساءلون عما إن كانت هذه الطفرة ستستمر في المدينة التي تتباهى بجذب الموهوبين بما توفره لهم من حياة طيبة».

وضربت رويترز مثالاً على ما ذهبت إليه بمغادرة جهانزيب مشهدي، المدير المساعد بوحدة الشرق الأوسط لشركة باناسونيك مسكنه الفخم في مبنى شاهق وسط دبي، ويقيم حالياً في شقة متواضعة تبعد ساعتين من عمله، وتقع على حدود إمارة الشارقة المجاورة. ونتيجة لذلك يستقل ابنه حافلته المدرسية قبل شروق الشمس.

الدراما التي انتهجتها رويترز في صياغة «معاناة» ذلك الموظف ستكون أكثر تأثيراً لو أنها مارست حرفيتها، وذكرت أن السلطات العليا في الإمارة تدخلت 6 مرات لكبح جماح الزيادات السعرية في القيمة الإيجارية. وكانت الوكالة ستحافظ على حياديتها لو تذكرت أنها من بين وسائل الإعلام التي نقلت حرص دبي على استقرار العائلات إلى الدرجة التي جعلتها تؤسس مركزاً رسمياً يديره قضاة لفض المنازعات الإيجارية في سوق السكن.

لم تكن رويترز لتخسر مصداقيتها لو أنها ذكرت أن ذلك الموظف يتمتع بميزة عدم دفع ضريبة الدخل التي تلتهم نصف المرتب الشهري لأي موظف في رويترز أو غيرها في أوروبا وأميركا وغيرهما. كما أن استيقاظ تلميذ قبل شروق الشمس متوجهاً إلى مدرسته لا يتقاطع مع مفاهيم التربية والتعليم، ولا مع التربية العائلية التي تشجع الأطفال على النوم والاستيقاظ المبكرين.

٪40

قروض قطاع البناء

ارتفعت 40.1 %

في ديسمبر 2013

181

مليار درهم قروض

منحتها المصارف

للمقاولين

٪8.8

نسبة النمو في قروض

المقاولين من إجمالي «المصرفية»

10

مليارات درهم سددتها نخيل لـ1000 مقاول

مع أرباح 10%

406

مطورين مستفيدين من برنامج «تيسير» للتمويل من أراضي دبي

٪22.5

مساهمة العقارات والإنشاءات في الناتج المحلي الإجمالي

عنوان مثير

فوجئ عاملون في السوق العقاري أمس بوقوع وكالة إخبارية عالمية عريقة بحجم رويترز في حبائل أخطاء مهنية لا يرتكبها هواة للعمل الصحافي. فقد بثت الوكالة المعروفة «بحياديتها» تحليلاً صحافياً حول حاضر ومستقبل قطاع البناء والتشييد في الإمارات..

وكانت خلاصته «الحكم» على السوق بالانهيار، بسبب ما وصفته بـ«تعرض المقاولين في الإمارات إلى أزمة سيولة برغم ازدهار السوق». تقرير رويترز أصاب في مواضع وأخطأ في مواضع كثيرة، تستدعي توخي الدقة في نقل المعلومة، وعدم إطلاق الأحكام المزاجية للخروج بعنوان صحافي مثير.

عبارات فضفاضة ومغالطات بالجملة

كررت رويترز في تقريرها مراراً عبارات فضفاضة تبعث على التشاؤم من غير دليل، واستسهلت حشو تقريرها بعبارة «برغم ازدهار السوق، ما زالت شركات التطوير العقاري تتذكر الأزمة التي نشبت قبل ست سنوات، وهو ما يدفعها إلى توخي الحرص والحذر بشأن دفع مستحقات مقاولي البناء، ويقول مسؤولون تنفيذيون بالقطاع إن بعض شركات التطوير العقاري تتمهل في دفع المستحقات وتسددها على مراحل، بدلاً من دفع مبالغ كبيرة مقدماً لشركات البناء».

قبل ثلاثة أيام دافع رئيس إعمار العقارية محمد العبار عن إجراءات المركزي في صياغة آلية الإقراض، كما أثنى على البنوك في الحذر الذي تمارسه البنوك في تمويل السوق العقاري، «كل هذه الأطراف تعاونت لحماية مكتسبات الطفرة، وكلها حريصة على عدم زج السوق في أتون المضاربات. لقد بذل الجميع بمن فيهم الجهات الرسمية جهوداً جبارة لدعم استقرار السوق الذي أصبح اليوم يسير بثقة في الاتجاه الصحيح».

أضاف العبار أن قفزة الأسعار في عام 2013 كانت خطرة إلى حد ما، ورفعت تكلفة المسكن على الإنسان العادي، إذ تكررت مشكلة 2007 و2008، مشيراً إلى أن إنجاز المعروض حقيقة من المساكن والوحدات العقارية وبناءها سيبعثان على الاطمئنان لدى الناس، بخلاف البيع على الخريطة، وتأخر الإنجاز سنوات عدة مقبلة. وقال إنه متفائل بأن يكون النمو في القطاع العقاري معتدلاً ومستمراً للسنوات المقبلة.

ولم تنته مغالطات الوكالة عند دس السم في العسل، بل تجاوزتها إلى استنتاجات وأحكام ليست من اختصاصها، إذ تقول «صحيح أن الحكومات المحلية، وخصوصاً حكومة أبوظبي الغنية بالنفط، لا تفتقر إلى الأموال، لكن العقبات البيروقراطية واللوجستية قد تؤخر سداد مستحقات شركات البناء». ولم تذكر الوكالة مثالاً واحداً على تلك العقبات البيروقراطية أو اللوجستية.

لكن الوكالة عادت في الأسطر اللاحقة إلى التأكيد أن «تراجع أسعار النفط العالمية مبعث قلق آخر إذا طال أمده. وبرغم تهاوي الأسعار إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات خلال الأشهر الأخيرة، مازال من المعتقد أن أبوظبي تتمتع بفائض في الميزانية، ولا توجد علامات تشير إلى إلغاء مشروعات مدعومة من الدولة».

ويبدو أن غياب «علامات تشير إلى إلغاء مشروعات مدعومة من الدولة» لم يعجب الوكالة، فعاودت التشكيك في استمرار النمو، لكن على لسان «مسؤولين تنفيذيين بالقطاع يعتقدون أنه إذا ظل خام برنت قريباً من مستوى 80 دولاراً للبرميل لمدة عام أو عامين، فإن الإنفاق على المشروعات قد يتباطأ».

Email