تحديات بسبب الشركات الأجنبية والتصنيف وقلة المشاريع والتكلفة والإيجارات

«مقاولات الباطن» تصارع للبقاء في سوق أبوظبي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمقاولون الصغار في أبوظبي «شركات مقاولات الباطن»، تحديات جمة، تدفع بعضها للصراع على البقاء في السوق بأقل الأرباح، بينما استسلمت أخرى وفضلت الخروج وهي ما زالت تنزف بخسائرها.

التحديات متنوعة ومتجددة، أبرزها سوق مقاولات جديد يختلف كلياً عن الماضي، سوق تتصارع فيه كبريات الشركات الأجنبية والوطنية الكبري للحصول على موطئ قدم في مشاريع بمئات المليارات من الدراهم تضخها الحكومة وشركاتها في قطاعات الطاقة والطيران والعقار والسياحة والبنية التحتية والنقل. كما تشمل هذه التحديات نظام تصنيف جديد للشركات والمقاولين، أخرج غالبية الشركات القديمة الصغيرة من حصة مناقصات العطاءات الجديدة، فضلاً عن التحديات التي تواجهها شركات مقاولات الباطن، وأبرزها ارتفاع تكلفة استقدام وتشغيل وتسكين العمالة الجديدة، وارتفاع إيجارات المكاتب الإدارية، وتراجع حجم العمل في مشاريع فيلات المواطنين، وتأخر استلام المستحقات المالية لمشاريع الباطن من الشركات الكبرى، ما أدخل الشركات الصغيرة في مشكلات لا تنتهي.

«البيان الاقتصادي» في هذا التحقيق، يبحث عن الصعوبات والمعاناة التي تواجهها شركات مقاولات الباطن، التي تعد جزءاً رئيساً ومهماً في سوق المقاولات في أبوظبي، حيث يدير غالبيتها مقاولون مواطنون، كما يطرح على لسان أصحابها وخبراء قطاع المقاولات حلولاً بدعم الحكومة لها، عبر تسهيل حصولها على مشاريع ضمن مشاريعها الكبري، أو تحويل أنشطتها للتخصص في مجال محدد بعينه، أو الاندماج لتكوين كيانات وطنية كبيرة، تكون قادرة على المنافسة في المناقصات الكبرى.

قلة المشاريع

هناك اتفاق بين جميع المقاولين الصغار والشركات الصغيرة، على أن الواقع الذي يعايشونه سيئ للغاية، ويرصد المهندس خالد طناش مدير شركة يونيفرسال بيلدنج سيتسم، الواقع الصعب الذي تعيشه شركات المقاولات الصغيرة، مشيراً إلى أن غالبية هذه الشركات تعاني بشدة، بسبب قلة المشاريع المطروحة أمامها، حيث تسيطر الشركات الكبرى على غالبية المشاريع، فضلاً عن أن الفترة السابقة شهدت تسابقاً محموماً من الشركات الكبرى والمتوسطة على تنفيذ مشاريع الفيلات، وهي المشاريع التي كانت تنفذها الشركات الصغيرة، وذلك بسبب قلة المشاريع الجديدة المناسبة لقدراتها في السوق.

وينوه بأن غالبية الشركات الصغيرة التي تمارس عملها في مشاريع أخرى مع شركات كبرى من الباطن، تعاني من تأخر صرف مستحقاتها المالية من قبل الشركات الكبرى لمدد زمنية تتراوح بين 6 أشهر إلى سنة، ما يكبل الشركات الصغيرة بأزمات ومشكلات لا حصر لها، خاصة أن اللوائح والقوانين التي فرضتها وزارة العمل وحكومة أبوظبي، تلزم الشركات بتوفير الرواتب الشهرية للعمل في نهاية كل شهر، بصرف النظر عن تأخر صرف مستحقاتها من عدمه، ولدينا 50 عاملاً في الشهر مطلوب توفير رواتب وتأمين صحي لهم بدون تأخير.

ويعرب المهندس طناش عن لمحة تفاؤل، موضحاً أن الشركات الصغيرة، رغم معاناتها الكبيرة، فهي متفائلة بالسوق خلال الشهور المقبلة، حيث بدأ النشاط يدب بقوة في دبي، ويسحب إليه عدداً لا بأس به من الشركات المتوسطة، ما يترك المجال أمام الشركات الصغيرة في أبوظبي للعمل، كما أن الشركات الحكومية وشبه الحكومية المسؤولة عن التطوير العقاري والبنية التحتية، طرحت عطاءات منذ أيام، وهذه العطاءات تحتاج إلى فترة زمنية تصل إلى نحو ستة أشهر لتأخذ طريقها للتنفيذ على أرض الواقع.

الشركات الأجنبية

ويتفق المقاول المواطن إبراهيم خوري رئيس مؤسسة طنب الكبرى للمقاولات العامة في بني ياس، مع ما ذكره المهندس خالد طناش، موضحاً أن السوق يتحسن، حيث تنشط حركة المقاولات عن طريق بدء تنفيذ مشاريع متوسطة وصغرى للمواطنين، وخاصة الفيلات، إلا أن هذا التحسن طفيف، ولا يفي بطموح الشركات والمقاولين الصغار.

ويرى أن غالبية الشركات الصغيرة والمتوسطة في أبوظبي، تواجه صعوبة في الحصول على أعمال من الباطن في المشاريع الكبرى، موضحاً أن الشركات الأجنبية تسيطر على كبريات المشاريع في أبوظبي، وتتعاقد مع شركات معينة من الباطن، تربطها بها علاقات قوية.

ويطرح صعوبة أخرى تواجهها الشركات الصغيرة، ممثلة في مشروع تصنيف شركات المقاولات الذي أقرته دائرة التنمية الاقتصادية وبلدية أبوظبي، ويسري العمل به منذ نوفمبر قبل الماضي، مؤكداً على أن هذا التصنيف يعد أهم العقبات التي تواجه الشركات الصغرى، حيث يصعب على هذه الشركات الدخول في مناقصات بدون حصولها على شهادة التصنيف من البلدية، ويشترط التصنيف بتخصص الشركة وتوافر مهندسين متفرغين لديها، ما يشكل صعوبة حقيقية تواجه هذه الشركات.

حيث إن غالبية الشركات الصغيرة لا يوجد لديها مشاريع بصورة مستمرة، وقد اعتادت خلال السنوات الماضية على التعاقد مع مهندسين لفترات محددة، حتى يتسنى لها إنجاز مشاريعها، وبكل تأكيد، يصعب على هذه الشركات الإبقاء على مهندسيها لفترات طويلة، بينما لا يوجد لديها مشاريع، وهو ما حدث مع شركتنا مؤخراً.

ويشير إلى أن أصحاب الشركات الصغيرة يئنون من ارتفاع الرسوم المحصلة منهم لاستقدام العمالة، حيث زادت رسوم الجوازات والعمل والتأمين الصحي، إضافة إلى إلزامهم بتسكين العمال في السكن الجماعي في منطقة مصفح، كما تعاني شركات المقاولات من ارتفاع تكلفة إيجارات مكاتبها ومقراتها الإدارية، ومؤخراً ارتفعت قيمة إيجار مكتب لنا في بني ياس من 15 ألف درهم إلى 30 ألف درهم، وقد اضطرت شركات مقاولات لانتقال مكاتبها من مدينة أبوظبي إلى ضواحي المدينة، بعد زيادة إيجاراتها بنسبة 100 %، وذلك بعد إلغاء نسبة الزيادة السنوية 5 %.

حرق الأسعار

ويطرح عيسى العطية الرئيس التنفيذي لشركة قمراء للمقاولات في أبوظبي، مشكلة أخرى تواجهها شركات المقاولات الصغيرة، وهي حرق الأسعار الذي تواجهه من قبل الشركات الكبرى، موضحاً أن الثلاث سنوات الماضية، شهدت تنافساً محموماً بين الشركات للحصول على مشاريع جديدة، وقد اشتد هذا التنافس بسبب تحول شركات كثيرة من دبي للعمل في سوق أبوظبي، وبالتالي، فإن المشروع الذي كان يشهد تنافساً بين شركتين أو ثلاث، أصبح يشهد تنافساً بين أكثر من خمسين شركة، وكل شركة تطرح أقل تكلفة، بما يضمن لها البقاء في السوق.

إغلاق شركات

ويجزم أحمد خلف المزروعي مدير شركة بولينج للمقاولات العامة في أبوظبي، بأن السوق يشهد خروج شركات صغيرة، حيث تغلق أبوابها وتسرح عمالها، وهذه الظاهرة مستمرة في أبوظبي، وسوف تستمر.

ويرى أن طبيعة قطاع المقاولات في أبوظبي، فرضت تحديات جسيمة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة، فالسوق اختلف بصورة جذرية عن الماضي، فقد كنا سابقاً كشركات مقاولات، نلعب في ملعب نعرفه تماماً، حيث كانت المشاريع تطرح من دائرة الأشغال أو دائرة المباني التجارية، وكانت مشاريع بتكلفة قليلة تتراوح بين مليوني إلى خمسين مليون درهم، وكنا كمقاولين نعرف مواعيد العطاءات والمسؤولين عن ذلك، ويتم التنسيق، ونجد الأعمال بسهولة.

إلا أن طبيعة السوق اختلفت جذرياً، فلم يعد السوق ملعباً واسعاً أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة الوطنية فقط، بل دخل إليه الشركات الأجنبية العملاقة والمتوسطة، ما أدى إلى ضيق الملعب جداً، خاصة وأن الشركات الأجنبية استعانت بشركات تربطها علاقات بها، وخاصة شركات الزجاج والألوميتال والأخشاب والصبغ وغيرها، وبالتالي، ضاق الخناق على الشركات الوطنية الصغيرة، كما أرهقت التنظيمات الجديدة الخاصة المتعلقة باستقدام العمال وإقامتهم، أو تصنيف الشركات والمقاولين، أو قلة المشاريع، أرهقت المقاولين الصغار، ما أدى إلى تجميد أعمالهم، وقد فضل بعضهم الخروج من السوق، بينما ما زال هناك من ينتظر لأي فرصة تحسن.

وينوه بأن ظاهرة حرق الأسعار نشأت بسبب قلة المشاريع، وصعوبة الوضع الحالي الذي تعيشه شركات المقاولات، ووجدنا شركات تطرح عروضاً بأقل من التكلفة، حتى تفوز بالمناقصة، لكن بعد فترة من الزمن تتعثر، وقد تسرح عمالها وتعلن إفلاسها، ولا تستطيع تنفيذ المشروع، وأعتقد أن ظاهرة «حرق الأسعار» سلبية جداً، ولها مخاطرها الجسيمة على السوق.

وأوضح المزروعي أن لكل مشروع ظروفه ومواصفاته، ونتمنى أن يكون للشركات الوطنية دور في تنفيذ هذه المشاريع، لأن الواقع يؤكد على أن شركات المقاولات الصغيرة والمقاولين الصغار، ومنهم شركات ومقاولون مواطنون، تتقلص أنشطتهم في السوق، وهذا التقلص يرجع إلى عوامل عدة، منها ضخامة مشاريع الشركات الجديدة، وبلا شك، فإن بعض المقاولين الصغار يحصلون على أعمال بسيطة، عكس ما كان سابقاً، إلا أن هذه الأعمال البسيطة لا تكفي بتوفير أموال لهم لاستقدام عمالة جديدة تحتاج إلى رواتب منتظمة وتأمين صحي ورسوم استقدام وسكن وخلافه، وعلينا أن نتجنب الدخول في دوامات لهذه الشركات الصغيرة، لأنها جزء مهم في سوق المقاولات في أبوظبي، ولا ينبغي أن تصبح ضحايا للتغيير الجديد في السوق.

مسؤولية الشركات

ويحتد الدكتور فؤاد الجمل رئيس شركة تراست للمقاولات في أبوظبي في حديثه، مؤكداً على أن المقاولين الصغار والشركات الصغيرة تتحمل الجزء الأكبر من معاناتها في الوقت الحالي، مؤكداً على أنها مصرة على العيش في كنف الماضي، وعدم التلاحم مع الأوضاع الجديدة للسوق في أبوظبي. ويقول: «السوق اليوم هو سوق للصراع ولا تنافس القوى، ولن تأتي إليك المشاريع في مكتبك، بل عليك أن تسعى، وبكل قوتك، للفوز بأي عمل، حتى لو كان بسيطاً».

ويوضح أن غالبية المقاولين الصغار والشركات الصغيرة لا تعرف طبيعة وتفاصيل السوق في أبوظبي اليوم، وحالياً، فإن الشركات الأجنبية تسيطر على أكثر من 75 % من المشاريع الضخمة، مثل مشروع تطوير مطار أبوظبي، أو مشروع متحف اللوفر، أو المشاريع البترولية، أو مشروع الطاقة النووية، ولديها إمكانات ضخمة للغاية، غالبيتها شركات كورية، وفي السوق توجد الشركات الوطنية والعربية الكبري، مثل أرابتك والفارعة وإي سي سي، وهذه الشركات تستحوذ على 20 % من السوق، بينما نسبة الـ 5 % الباقية من نصيب الشركات الصغيرة.

ويشير إلى أن غالبية المقاولين الصغار ما زالوا يتجاهلون حقيقة اختفاء الدوائر الحكومية التي تولت إطلاق مناقصات المشاريع خلال السنوات الماضية، مثل دائرة الأشغال ودائرة المابني التجارية، والتي حلت محلها حالياً شركات غالبيتها شركات شبه حكومية الأعمال، وعلى رأسها شركات مساندة ومبادلة والدار وتوازن وبركان والتطوير السياحي وآبار.

إضافة إلى شركات البنوك الكبري، مثل شركة أبوظبي التجاري للعقارات، التابعة لبنك أبوظبي التجاري، أو لشركات المقاولات والتنفيذ والمتابعة التابعة لبنوك الخليج الأول، ومصرف أبوظبي الإسلامي، وبنك دبي الإسلامي، وللأسف، لا يبذلون جهوداً للتعرف إلى المصادر المهمة في هذه الشركات، أو معرفة تفاصيل مناقصاتها بدقة.

وقال الدكتور الجمل «هناك فكر جديد يسيطر على سوق المقاولات في أبوظبي، من ناحية الأفكار والممارسات العملية واللوائح والقوانين والمنافسة بين المقاولين وشركات المقاولات، وهذا الفكر الجديد له إيجابيات كبرى، أهمها تسريع وتيرة إنجاز المشاريع، حيث إن الشركات المهمينة على السوق غالبيتها تعمل بفكر وبأسلوب القطاع الخاص، وبعيدة عن العمل البيروقراطي العتيق، وللأسف، فإن المقاولين الصغار والشركات الصغيرة لا تبذل أي جهود للتناغم مع هذا الفكر، وسيكون مصيرها إلى الزوال، كما هو حادث مع الكثير من هذه الشركات.

حجم الأعمال

قال عيسى العطية الرئيس التنفيذي لشركة قمراء للمقاولات في أبوظبي: «حالة السوق تحسنت منذ شهور، خاصة مع انتعاش قطاع المقاولات في أبوظبي، إلا أن آثار هذا التنافس ما زالت موجودة، وقد شهدنا إغلاق العديد من شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، بسبب تراجع حجم الأعمال. ويرى العطية أن حصة الشركات الوطنية من المشاريع الجديدة ما زالت محدودة، مشيراً إلى أن عدداً لا بأس به من الشركات الوطنية تعرضت لخسارة كبيرة، وسرحت موظفيها، وأغلقت مكاتبها، ولم تصمد في السوق إلا الشركات القوية العريقة، علماً بأن هذه الشركات عانت الكثير، وقد بدأت الغمة تزال، ولا بد أن يكون لنا نصيب كبير من المشاريع الجديدة، لأن الشركات الأجنبية لا يهمها إلا الربح فقط، ولا توظف المواطنين لديها.

جمعية المقاولين: نساعد الشركات الصغيرة وفق إمكاناتنا

قال أحمد خلف المزروعي مدير جمعية المقاولين في أبوظبي، حول ما قدمته الجمعية للشركات الصغيرة وصغار المقاولين: «نساعد هذه الشركات وفق إمكاناتنا المحدودة، حيث نلتقي مع أصحاب الشركات الصغيرة والمقاولين الصغار، ونساعدهم في الحصول على أعمال، كما نطالبهم دائماً بتطوير أدائهم وتوسيع دوائر علاقاتهم، وبصفة خاصة مع مسؤولي المناقصات في الشركات الحكومية وشبه الحكومية، التي تطرح المشاريع في أبوظبي، إضافة إلى ضرورة استفادتهم من الإمكانات الكبيرة للشركات الأجنبية.

وأوضح المزروعي أن الجمعية تتدخل في حالة وجود أي متأخرات أو مستحقات للشركات الصغرى لدى الشركات الحكومية، كما تبذل جهوداً ودية لحل أي مشكلات للمقاولين الصغار مع الشركات الكبرى، وعلى أي حال، فإن لكل مشروع ظروفه ومواصفاته، ونأمل من الحكومة أن تتدخل حتى تفوز الشركات الوطنية الصغرى والمتوسطة بدور، حتى ولو كان صغيراً، في تنفيذ مشاريعها الكبرى.

ويضيف المزروعي قائلاً: «نناشد الحكومة بمساعدتنا، لأن هناك شركات مقاولات صغيرة ومقاولين صغاراً، ومنهم شركات ومقاولون مواطنون تتقلص أنشطتهم في السوق بشكل كبير وواضح، وهذا التقلص يرجع إلى عوامل عدة، منها ضخامة مشاريع الحكومة وشركاتها، إضافة إلى ظروف وأوضاع السوق في أبوظبي، وبلا شك، فإن بعض المقاولين الصغار يحصلون على أعمال محدودة جداً، وهذه الأعمال لا توفر لها الأموال الكافية للحفاظ على العمالة الموجودة لديها، ولا بد أن تقدم الحكومة لها بعض أشكال الدعم، لأنها شركات وطنية، كما أنها تشكل جزءاً مهماً في سوق المقاولات في أبوظبي.

Email