وسط أنباء عن تقديم »استراتيجي أند« خدماتها إلى الحكومة المصرية

انتعاش سوق الاستشارات الحكومية في دبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد صناعة الاستشارات في دبي نقلة نوعية في أعمالها وخدماتها، بما يعكس تطورها ونضجها الكبيرين على الصعيد العالمي، بأن صارت محفظة أعمالها تشتمل على تقديم النصح والمشورة للحكومات بشأن أفضل وأنسب سياسات واستراتيجيات الإصلاح المالي والاقتصادي، جنباً إلى جنب مع تقديم الخدمات المتعارف عليها تقليدياً إلى الشركات والمؤسسات.

وتُجسد هذه النقلة النوعية في عمل الشركات الاستشارية، التطور الذي يشهده عالمنا اليوم، وهو أن عملية إعادة الهيكلة ليست صفة لصيقة بالشركات التي تمر بتحديات وتعثرات، بل تمتد لتشمل كذلك الحكومات الساعية إلى إصلاح منظومة السياسات والاستراتيجيات التي تنتهجها، بما يمكنها من تحقيق أهدافها المنشودة والمرجوة.

 

الحالة المصرية

وتقدم شركة »استراتيجي أند« نموذجاً للشركات الاستشارية التي تجمع في عملها بين الأنماط التقليدية لأنشطة الشركات الاستشارية، المتمثلة في تقديم المشورة للشركات بشأن ما تعترضه من صعوبات وتحديات، والأنماط غير التقليدية، الممتثلة في تقديم الاستشارات للحكومات بشأن أفضل السياسات والاستراتيجيات، فضلاً عن تقديم النصح بشأن كيفية تطبيق هذه السياسات.

فهي واحدة من شركتين ترددت حيالهما أخيراً أنباء عن مشاركتهما في تقديم الاستشارات بشأن خطط الإصلاح الاقتصادي لمصر، إذ كشفت وكالة رويترز في تقرير صادر عنها حديثاً، النقاب عن مشاركة كل من شركة »استراتيجي أند« وبنك »لازارد« في إعداد خطط للإصلاح الاقتصادي في مصر، بمباركة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة أنه لو قبلت مصر بتنفيذ الإصلاحات المقترحة، فإن هذه الإصلاحات ستكون أساساً لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن القرض الذي فشلت في إتمامه حكومة الرئيس المخلوع محمد مرسي.

مساعدة حكومات المنطقة

ومن جانبهم، لم يؤكد مسؤولو شركة »استراتيجي أند«، في حديثهم مع البيان الاقتصادي، صحة هذه الأنباء، ولكنهم أكدوا مشاركة الشركة في تقديم النصح والمشورة للحكومات في منطقة الشرق الأوسط، ولفتوا إلى أن التغيرات التي حدثت في أكثر من بلد عربي أسهمت في تعزيز صناعة الاستشارات الحكومية، في ظل إعطاء المزيد من التركيز والالتزام بأجندات التحديث الحكومي القائمة.

وفي هذا الإطار، أقر سامر بحصلي، شريك في شركة »استراتيجي أند«، بالدور المهم الذي تقوم به الشركات الاستشارية في تقديم النصح والمشورة للحكومات في منطقة الشرق الأوسط، فبسؤاله عن الدور الذي يمكن أن تقوم به الشركات الاستشارية في تطوير الخدمات والعمليات الحكومية في الشرق الأوسط، أجاب قائلاً: تتطور أدوار وصلاحيات وتطلعات الحكومات في الشرق الأوسط في ظل سعيها إلى معالجة التحديات المعقدة، وبالتحديد تلك المشتركة بين القطاعات والطبقات الاجتماعية والديموغرافية.

ففي المنطقة على سبيل المثال، ننصح السلطات الحكومية والمؤسسات العامة والمنظمات غير الحكومية في المجالات الأساسية للإدارة العامة، ببذل مجموعة واسعة من جهود الإصلاح التي تشمل الخدمات الاجتماعية والتعليم والصحة العامة والطاقة والبيئة والسلامة العامة والجمارك والدفاع، والتنمية الاقتصادية والحكومة الإلكترونية والنقل.

وأجاب سامر بحصلي على سؤال بشأن أبرز الأعمال التي قامت بها شركة »استراتيجي أند«، والشركات الاستشارية العالمية بوجه عام في دعم تطوير وإصلاح السياسات الحكومية في الشرق الأوسط في أعقاب الأحداث التي جرت ولا تزال في المنطقة، قائلاً: قامت شركة »استراتيجي أند« بدعم حكومات رائدة في منطقة الشرق الأوسط بشأن تنفيذ مبادرات التطوير والإصلاح الحكومي الأكثر وضوحاً والأوسع نطاقاً. فقد ساعدنا على تشكيل الرؤى الاقتصادية، وجداول الأعمال الوطنية، واستراتيجيات الحكومة الإلكترونية، وإعادة هيكلة البلديات، وخصخصة قطاع الطاقة والكثير من المجالات الأخرى.

وأضاف قائلاً: في أعقاب الربيع العربي، شهدت بعض مناطق الشرق الأوسط اضطرابات أبعدت عمليات الإصلاح الحالية عن مسارها. وفي مناطق أخرى أكثر استقراراً، شهدنا المزيد من التركيز والالتزام بأجندات التحديث الحكومي القائمة.

الكفاءة المهنية والحرفية

ويبدو أن مسألة إعادة هيكلة السياسات والاستراتيجية لم تعد قضية سياسية محضة، بل صارت مسألة تتعلق بشكل كبير بالكفاءة المهنية والحرفية، وهو تطور من شأنه أن يسهم في خلق بيئة مواتية لانتعاش صناعة الاستشارات الحكومية، ولم يقلل سامر بحصلي من قيمة الاعتبارات السياسية، لدى سؤاله بشأن تقييمه للمقولة الرائجة بأن الاستراتيجيات الحكومية يجب أن تعكس »رغبة الشعوب«، وليس المشورة المقدمة من الشركات الاستشارية، ولكنه رأى أن جودة المشورة المقدمة من أي شركة استشارية تعتمد على درجة تأثيرها في أرض الواقع، وهو التأثير الذي يتعاظم عندما تكون المشورة مرتكزة بقوة على احتياجات وواقع جميع المواطنين دون تفرقة.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن صياغة السياسات والاستراتيجيات العامة هو مسعى معقد، يتطلب توازناً دقيقاً بين العديد من المدخلات والمعايير.

وبسؤاله عما إذا كان من الممكن في المستقبل أن يتم »إسناد« التخصصات الحكومية إلى شركات استشارية لتحقيق أوجه الكفاءة المرجوة، أجاب سامر بحصلي بقوله: هذا تطور غير محتمل، على الأقل إذا اقتصر عمل الشركات الاستشارية على تقديم استشارات الاستراتيجية والأعمال. فمن الواضح أن العديد من شركات تكامل نظم تكنولوجيا المعلومات قد بدأت بتقديم الخدمات إلى جهات خارجية كخدمة رئيسة تقدمها للعملاء، وفي جميع أرجاء العالم تضطلع تلك الشركات بالعديد من وظائف الدعم الإداري المنوطة بالحكومات لزيادة الكفاءة، ويمكن رؤية ذلك في مجالات مثل الموارد البشرية والمالية وتكنولوجيا المعلومات نفسها.

الطموحات تدفع إلى التطوير

ويأتي هذا التطور الضخم في صناعة الاستشارات الحكومية، في ظل ما يشهده سوق الاستشارات في الإمارات من تطور ملحوظ على مدى سنوات عديدة مضت، وأسهم نمو السوق فضلاً عن المشاريع المهمة في استقطاب جميع المنافسين الكبار إلى البلاد والمنطقة. وبات سوق الاستشارات ناضجاً وقادراً على المنافسة.

وفي هذا المجال، أجاب بير أولا كارلسون، شريك أول في شركة »استراتيجي أند«، عن سؤال بشأن الدوافع الرئيسة للنمو في سوق الاستشارات في الإمارات خصوصاً، ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي عموماً، قائلاً: يعتمد سوق الاستشارات على عوامل عدة، وليس نمو الناتج المحلي الإجمالي فقط، على الرغم من أهميته القصوى. وتتمثل العوامل الرئيسة في وتيرة التغيير والتطوير، بغض النظر عن الدافع وراءها، وهو الطموح أو العوامل الخارجية التي تؤثر في الوضع الراهن.

وأضاف قائلاً: لدى دولة الإمارات طموحات كبيرة للمستقبل، وهي تمتلك الموارد اللازمة لجعل هذه الطموحات حقيقة واقعة على الأرض، فهي ترسم مسارات جديدة في العديد من المجالات. وهذا يخلق الحاجة إلى الشراكة مع شركات استشارية خارجية، يمكنها توفير التوجيه الاستراتيجي، وكذلك القدرات والطاقات المطلوبة لتحقيق ذلك.

وقدر كارلسون حجم سوق الاستشارات المختلطة في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 1.9 مليار دولار أمريكي، وأضاف قائلاً: إن سوق الاستشارات يتميز بالضخامة وتعدد المجالات، لذا، فإن تحديد ما يجب تضمينه في هذا السوق يتفاوت تفاوتاً كبيراً، على نحو يؤدي إلى بروز الكثير من التقديرات المختلفة لحجم السوق.

واعتبر كارلسون دبي سوقاً مهمة لجميع الشركات الاستشارية العالمية، مشيراً إلى أن هناك مجموعة عملاء مهمين في الإمارة على مستوى العديد من قطاعات الأعمال، والكثير من الشركات العالمية تختار دبي لإقامة مقر إقليمي لها. وأضاف قائلاً: إضافة إلى ما سبق، توفر دبي مكاناً رائعاً للعيش للمستشارين الدوليين والمتنقلين، فسهولة وراحة المعيشة لا تُضاهى في دبي.

ورداً على سؤال بشأن أبرز المبادرات المطلوبة لتعزيز وتنمية قطاع الاستشارات في الإمارات، أجاب كارلسون قائلاً: إن قطاع الاستشارات في الإمارات قوي ومتنامٍ بالفعل، وهناك العديد من التطورات الحاصلة في هذا الصدد. وأهم عنصر في تعزيز نمو سوق الاستشارات هو التأكد من أن جميع الشركات تقدم أعمالاً عالية الجودة، وتحقق تأثيراً ملموساً. ومن الواضح أن المسؤولية الرئيسة تقع على عاتق الشركات الاستشارية نفسها، ولكن هناك أيضاً الكثير الذي يمكن للعملاء القيام به في تعلم كيفية تحديد نطاق العمل، واختيار شركة الاستشارات المناسبة، وفي النهاية المشاركة معها لضمان تحقيق النتائج المنشودة.

 

الجمع بين التخطيط الاستراتيجي والتطبيق

لم يقتصر تطور سوق الاستشارات في دبي على دخول الحكومات ضمن قاعدة عملاء الشركات الاستراتيجية، في مسعاها للحصول على أفضل استراتيجيات وسياسات بدرجة عالية من الكفاءة والمهنية، بل امتد هذا التطور ليشمل بروز الحاجة إلى مزيج يجمع بين الاستراتيجية والقدرة على تنفيذها من قبل شركات الاستشارات العالمية. وتسهم عملية الدمج الأخيرة مع بي دبليو سي في قيادة شركة »استراتيجي أند« تجاه التقارب بين استشارات الاستراتيجية والتنفيذ في المنطقة والعالم بأسره.

وتُعتبر شركة »استراتيجي أند« نتاج عملية اندماج جرت في شهر أبريل من العام الجاري، بين شركتي »بي دبليو سي« و»بوز أند كومباني«، ويتطلع الكيان الجديد إلى قيادة المشهد العالمي لقطاع الاستشارات، من خلال تقديم استشارات مُستمدة من خبرات متراكمة وثرية في مجال الاستشارات الاستراتيجية.

وعلق جو صدي، نائب الرئيس الأول والعُضو المُنتدب لشركة »استراتيجي أند« في الشرق الأوسط، على هذا التوجه بقوله: سوف يعيننا هذا الاندماج على تزويد عملائنا وموظفينا بفرصة أكبر وأشمل، بل أفضل، للربط بين الاستراتيجية النظرية والنتائج الواقعية، كما سيمكننا من استحداث نوع جديد من الأعمال الاستشارية، من خلال الجمع بين الاستراتيجية والتطبيق، ونحن في طريقنا لتحقيق وجود مستدام أفضل، وضخ مزيد من الاستثمارات، وتقديم مزيد من الخدمات لعملائنا.

تحديات غير مسبوقة

وأضاف قائلاً: سيكون بإمكاننا معاً تحقيق رؤيتنا في أن نصبح أفضل شركة لتقديم الاستراتيجية على أرض الواقع التي من شأنها توفير مزايا متفوقة ومواهب متميزة، والتمايز عن غيرها من المنافسين من خلال قدرتها على مساعدة العملاء على بناء قدراتهم الذاتية على نطاق عالمي.

وفي السياق ذاته، قال بير أولا كارلسون إن الشركات تواجه مخاطر غير مسبوقة تعوق أعمالها، ولذا يتزايد احتياجها إلى الاستراتيجية الصحيحة والقدرة على تنفيذها، مشيراً إلى أنه بمقدور شركتي »بي دبليو سي« و»استراتيجي أند« أن يلبيا معاً هذه الحاجة، وذلك عبر تقديم خدمات ودراسات مميزة لعملائنا والجهات المعنية، واستقطاب المواهب اللامعة، ومساعدة الشركات في جميع أنحاء العالم على بناء قدراتها على نطاق عالمي.

وأكد كارلسون أن القدرة على ترجمة استراتيجيات الشركات إلى عمل حقيقي في جميع الدول وقطاعات الأعمال قد أصبحت ضرورة قصوى لبقاء الشركات ونجاحها، إذ إن العملاء باتوا يحتاجون إلى نوعية مختلفة من الخدمات، فهم بحاجة إلى جهة واحدة موثوقة وقادرة على تطوير الدراسات الاستراتيجية الصحيحة وتنفيذها.

 

84% من قادة الشركات الخليجية يعوّلون على الثقافة في رفع الأداء

أظهر استطلاع الثقافة العالمية وإدارة التغيير لعام 2013 الذي أجراه مركز كاتزنباك في شركة »استراتيجي أند« وشمل 2.219 مسؤول تنفيذي ومدير وموظف، أن 84 في المئة من المشاركين يعتقدون أن الثقافة عنصر بالغ الأهمية في تحقيق الأهداف التنظيمية، كما أظهر الاستطلاع أن الثقافة هي القوة غير المستغلة إلى حد كبير، إذ أفاد أقل من نصف المشاركين في الاستطلاع بأن شركاتهم استفادت من الثقافة في تحقيق الأهداف التنظيمية. وعلاوةً على ذلك، أشار المشاركون الذين أفادوا بفشل مبادرات التغيير في شركاتهم، إلى أن الاعتبارات الثقافية لم تكن ذات أولوية في تلك الجهود.

وتشير هذه النتائج إلى أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي الذين يدرسون عن قصد ثقافة شركاتهم ويستخدمونها بشكل استباقي، بإمكانهم تحسين نتائج مبادراتهم الاستراتيجية، والارتقاء بمستويات الأداء، كما يمكنهم التقدم خطوة في سباق سد فجوة الأداء مع الشركات المنافسة المحلية والإقليمية والعالمية.

وأشارت نتائج الدراسة الاستطلاعية إلى أن الثقافة تؤدي دوراً لا يقل أهمية عن الاستراتيجية ونموذج التشغيل، في تحديد نتائج الشركات، ولذا فمن الأهمية بمكان إيجاد سبل لحشد واستغلال الطاقة التحفيزية التي يمكن أن تستحدثها الثقافة.

وفي هذا المجال، أفاد جون كاتزنباك، مستشار تنفيذي أول في شركة »استراتيجي أند«، بأن الثقافة التي تتماشى بشكل جيد مع استراتيجية الشركة وسلوكيات الموظفين المطلوبة، يمكن أن تُولد مشاعر الفخر في مكان العمل، ورغبة حقيقية في تحقيق ذروة الأداء.

ومع ذلك، فإن الثقافة غير المتوافقة، وخاصة الراسخة داخل الشركة، يمكن أن تكون بمنزلة عائق كبير أمام التغيير، وتؤدي إلى تضخيم المعتقدات والسلوكيات السلبية الراسخة التي لا تتفق مع مصالح الشركة الحالية أو المستقبلي، مشيراً إلى أنه يتعين على القادة دراسة ثقافة شركاتهم، وتحديد أي الخصائص التي يمكن استخدامها لتسريع واستدامة التغيير، بغرض إحداث التغيير السلوكي المستدام واللازم لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.

وفي السياق ذاته، قال جيمس توماس، مدير أول في شركة »استراتيجي أند«، إنه على الرغم من صعوبة أن تقوم الشركات بتحديد كيفية تنفيذها للأمور بشكل واضح، مشيراً إلى أنه من الممكن إجراء تشخيص مُنظم للثقافة التنظيمية. فعند إجراء هذا التشخيص بشكل صحيح، يكون بمنزلة المرآة للشركة، إذ يوضح السمات الثقافية التي تتميز بها الشركة، ويحدد بدقة السلوكيات القليلة الحاسمة المطلوبة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة.

 

الاستحواذ والاندماج

قال بير أولا كارلسون، شريك أول في شركة »استراتيجي أند«، إن هناك فرصاً للشركات الاستشارية لكي تنمو وتنتعش خلال المرحلة المقبلة، من خلال عمليات الدمج والاستحواذ داخل دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها على حد سواء، مشيراً إلى أن هناك العديد من الأمثلة على الشركات الإماراتية التي حظيت بمكانة جيدة في جنوب آسيا وأفريقيا، وسيتبعها المزيد من الشركات، وأرجع أسباب ذلك إلى ما تتمتع به الشركات الإماراتية من وضع متميز يؤهلها لمواصلة تطوير الشركات في العديد من هذه الاقتصادات النامية.

وأجاب كارلسون، في معرض رده على سؤال بشأن أبرز الاتجاهات في الطلب على الخدمات الاستشارية المتعلقة بإعادة هيكلة الشركات في الإمارات،

Email