العالم يبحث عن الشريك المالي وليس الدائن

دور محوري للتمويل الإسلامي في الاقتصاد الدولي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

بات من الواضح لمتابعي مسيرة الاقتصاد العالمي الدور المحوري للتمويل الإسلامي في عودة الحيوية للمنظومة الاقتصادية العالمية خلال السنوات القليلة القادمة، وخصوصاً بعد الحديث عن دوره الكامن في دعم خطط التنمية المستدامة والمشاريع الكبرى التي تحتاج لاستثمارات متوسطة إلى طويلة الأجل.

فوسط هذه الحالة من الديون التي تعيق مشاريع التنمية في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والصناعة والخدمات، يقف العالم أمام خيار واحد، وهو إيجاد التمويل الذي لا يزيد عبء الديون. بمعنى آخر، العالم اليوم بات يبحث عن شريك مالي وليس عن دائن، بحيث يعيد النشاط لعجلة الإنتاج المعطلة، مما يفسّر التوجه الكبير من مختلف المراكز الاقتصادية العالمية نحو تبني التمويل الإسلامي.

كما بات واضحاً أن التمويل الإسلامي وصل إلى مرحلة يحتاج فيها إلى تحفيز النمو واستعادة النشاط، ولكن على أسس مختلفة عن تلك التي سادت قبل الأزمة المالية العالمية، بحيث تضمن تلك الأسس استدامة النمو واتساعه ليشمل فئات اجتماعية أكثر، وليضمن عدم تكرار الأزمات السابقة التي كبدت الاقتصاد العالمي خسائر فادحة على صعيد المؤسسات والسيولة والبرامج من ناحية أخرى.

إرهاق الفائدة

وفي هذا السياق، يقول عبد الله محمد العور، المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي إن التمويل التقليدي الذي يعتمد على الفائدة المتراكمة، أرهق الاقتصاد العالمي ووضع الكثير من الدول والمؤسسات والشركات تحت طائلة الدين المتعثر. لقد سعت بعض الدول إلى الاستفادة من التعثر في سداد الديون، على أساس أن الفائدة تزداد كلما طالت مدة الدين لتصبح هذه الفائدة أكثر من أصل الدين ذاته في الكثير من الحالات. أما التمويل الإسلامي فهو الحد الآخر من هذا السلاح لأنه ينفع ولا يضّر، فهو قائم على مبادئ الشراكة والمرابحة ولا يمكن للمؤسسة المالية الإسلامية المَدينة أن تحقق أرباحها إلا من خلال هذه المبادئ.

ويشير العور إلى أن المال يدخل كعنصر من عناصر الإنتاج ولا ينمو بسبب كونه ديناً فقط، فإذا نجح المشروع الممول إسلامياً، يصبح للمؤسسة المَدينة حق في نسبة معينة من الربح، وهنا يصبح الربح العائد على أصل الدين مشروطاً بنجاح المشروع. وفي حال تعثر العمل أو فشل المشروع، فلا فائدة على أصل الدين في التمويل الإسلامي.

وتؤكد الدراسات الحديثة عن حالة الاقتصاد العالمي صحة هذه المعادلة. وتؤكد أيضاً أن الديون المتراكمة أصبحت المشكلة الأساسية في النظام المالي والمصرفي وليست مشكلة الجهات المَدينة فقط.

حجم المديونية

وفي دراسة صدرت أخيراً قدر بنك التسويات الدولية حجم المديونية بالدولار خارج الولايات المتحدة تقدر بـ 8.9 تريليونات دولار، وهو مستوى غير مسبوق في النظام المالي العالمي. وأكد البنك أن ديون القطاعين العام والخاص ارتفعت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق وباتت تشكل نسبة 185% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الناشئة و265% من الناتج المحلي لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي، فيما سجلت التنمية ارتفاعاً بنسبة 35% منذ عام 2007.

وتتصدر اليابان قائمة البلدان التي لديها أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 230%، تليها اليونان بنسبة 177%، فيما احتل لبنان المرتبة الثالثة عالمياً والأولى عربياً بنسبة 134%.

أما صندوق النقد الدولي، فقد كشف في دراسة صدرت عام 2015 أن ديون العالم تجاوزت الـ100 تريليون دولار، وهي حالة غير مسبوقة وتشكل معضلة التنمية الأساسية في معظم بلدان العالم.

ثقة عالمية

وفي هذا الإطار يقول العور: «بالرغم من قلة حجم الأصول المالية الإسلامية في العالم والتي قد تصل لحدود 3.24 تريليونات دولار بحلول عام 2020 كما جاء في تقرير واقع الاقتصاد الإسلامي لعام 2015، إلا أن الثقة العالمية منحت التمويل الإسلامي والمصارف الإسلامية أفضلية جعلها تنمو بمعدل 16% سنوياً منذ إطلاق مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي، مقابل نمو 10% للمصارف التقليدية».

ويضيف: «عند احتساب هذه النسبة علينا مراعاة حقيقة هامة، وهي أن المؤسسات المالية العالمية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين، والعديد من المصارف التقليدية حول العالم باتت على ثقة تامة بضرورة تبني آليات التمويل الإسلامي ومعاييره لاستعادة ثقة عملائها، وفي هذه الحال فإن حجم الأموال التي قد تدخل نطاق التمويل الإسلامي قد يتجاوز بكثير ما هو متوقع حسب الدراسات، بحيث تصبح نسبة كبيرة من أموال هذه المؤسسات، أصولاً مالية إسلامية بحكم التزامها معايير وتشريعات التمويل الإسلامي».

ركائز

يقوم التمويل الإسلامي على ثلاثة محاور رئيسية هي أولاً الشراكة في المخاطر، وهذا الشكل ينفي صفة الفائدة المقطوعة، ويعفي الطرف المستفيد من تراكمات هذه الفائدة. وثانياً تقاسم الربح، وهذا يعني أن الأصل المالي لا ينمو إلا بعد دخوله كعنصر أساسي من عملية الإنتاج أو النشاط الاقتصادي المشروع سواء كان تجارة أو صناعة أو غيرها من أشكال الربح المباحة، فالمال حسب الشريعة الإسلامية لا ينمو بذاته ولا منفصلاً عن دوره في عملية الإنتاج وفي تحمل نتائج هذه العملية بسلبها وإيجابها. وثالثاً، القرض الحسن، وهنا تكمن أهمية التمويل الإسلامي في التنمية الاجتماعية، إذ يمكن أن تستفيد الفئات الاجتماعية الأقل حظاً في حل مشكلاتها المادية بدون فوائد أو تراكم للدين.

الاقتصاد الحقيقي أولوية الاستثمارات الإسلامية

حدد مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي اتجاهات الاستثمارات الإسلامية في السنوات المقبلة والفرص المتاحة للاستفادة من مزايا التمويل الإسلامي، حيث يقول عبدالله محمد العور المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي: «لكي تنجح أي منظومة اقتصادية، عليها أن تحدد اتجاهاتها الاستثمارية، وأن تدرس بشكل علمي ودقيق، في أي قطاعات يجب أن تضع أموالها.

وفي حالة التمويل الإسلامي فإن الأولوية دائماً لقطاعات الاقتصاد الحقيقي، التي تعتبر بالمقابل أولويات عند جميع البشر. فمن غير المنطقي مثلاً أن يتوجه التمويل في بلد فقير نحو الكماليات بدل الأساسيات التي تتمثل في إرساء قاعدة إنتاجية تستوعب العاطلين عن العمل وترفع من قدراتهم الشرائية وفي تعزيز قطاعات التعليم والصحة والتأهيل المهني».

توجهات

وتتجه دبي ودولة الإمارات أكثر فأكثر نحو تعزيز مفهوم السعادة لشعبها، هذا المفهوم الذي تتضافر في سبيل ترسيخه كمنهج وسلوك، الكثير من العوامل وفي مقدمتها الاقتصاد المستقر القائم على الإنتاج والمعرفة والعلوم والتقنيات الحديثة، واستدامة التنمية. وتشكل الأصول المصرفية الإسلامية في دولة الإمارات ما قيمته 18.6% من حجم السوق المصرفية في الدولة، و7% من حجم الأصول الإسلامية العالمية. وبحسب بيانات المصرف المركزي، فإن أصول المصارف الإسلامية في الإمارات وصلت إلى 445 مليار درهم في نهاية عام 2015، بنسبة نمو بلغت 9.8% منذ بداية العام.

وستشكل هذه الأصول رافعة قوية للاقتصاد الوطني إذا توزعت على أنشطة التصنيع والمنتجات الحلال والاقتصاد الرقمي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

الصناعة

يعتبر قطاع الصناعة من القطاعات الاستراتيجية الرئيسية التي تستهدفها خطة دبي 2021 التي تهدف إلى بناء اقتصادي قوي ومستدام قائم على تنويع مصادر الدخل الوطني وبناء اقتصاد ما بعد النفط. وكذلك ركزت استراتيجية دبي الصناعية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على ستة قطاعات صناعية وهي: الطيران، والسفن البحرية، والصناعات الدوائية والمعدات الطبية، والمعادن المصنعة، والسلع الاستهلاكية سريعة التداول، والآلات والمعدات.

الحلال

تقود دبي صناعة الحلال في العالم، فمن ناحية عززت الإمارة موقعها كمرجعية تشريعية وهيكلية للصناعات الحلال عبر إطلاق شعار الحلال الوطني، وتأسيس المنتدى الدولي لهيئات اعتماد الحلال، واحتضان معرض المنتجات الحلال السنوي، بالإضافة للإنتاج الثقافي المتواصل الذي منح الاقتصاد الإسلامي منظومته المعرفية التي حددت أسس مفاهيم الحلال في هذه المنظومة ومكانة الإنتاج كمحرك للنمو المستدام.

وتفيد التقارير الصادرة عن منظمة التعاون الإسلامي، أن الأسواق العالمية للمنتجات الحلال تشهد نمواً متسارعاً حيث يقدّر حجم أسواق وتجارة المنتجات الحلال بأكثر من 2.3 تريليون دولار وتستحوذ الأغذية والمشروبات على نحو 67% من حجم هذه التجارة بما قيمته 1.4 تريليون دولار تقريبا، ويتوقع أن يرتفع حجم التعاملات التجارية الدولية بقطاع الأغذية إلى نحو 1.6 تريليون دولار مطلع عام 2020.

التقنية

يعتبر التطور التقني مدخلاً للاختراعات والصناعات والإنتاج بمختلف أشكاله، وتركز دبي ودولة الإمارات على امتلاك التكنولوجيا وتبني الابتكارات التي تتمثل بالمشاريع أو الأفكار ودعمها وتمكينها من إحداث تغيير في المسارين الاقتصادي والاجتماعي.

وسجلت الإمارات تفوقاً ملحوظاً في المؤشرات العالمية الخاصة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي يسهم بأكثر من 5% من الناتج المحلي للدولة حسب بيانات الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات.

ويعد هذا القطاع أحد أهم القطاعات الحيوية في مسيرة الدولة نحو التحول الاقتصادي القائم على الابتكار والمعرفة.

وبحسب التقرير السنوي لمؤسسة آي دي سي العالمية المتخصصة في بحوث الاتصالات وتقنية المعلومات استحوذت الإمارات على أكثر من 30% من إجمالي إنفاق دول الخليج على تكنولوجيا المعلومات عام 2015، والبالغ نحو 100.9 مليار درهم. إذ ارتفع حجم الإنفاق على التكنولوجيا في الإمارات بنسبة 4% ليصل إلى نحو 8.2 مليارات دولار (30 مليار درهم) خلال العام 2015، مقابل 7.6 مليارات دولار (28.8 مليار درهم) خلال العام 2014.

مشاريع صغيرة ومتوسطة

تعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة، القاعدة العريضة للتنمية الاقتصادية لأنها تشمل فئة الشباب بما لديهم من حماسة للابتكار والتطوير، كما تحقق هذه المشاريع التوازن للأسواق وتحميها من هيمنة واحتكار الشركات الكبرى.

ومن الضروري أن تتركز الأصول المالية الإسلامية في تمويل مشاريع البنى التحتية وقطاع التعليم والصحة والبنى التحتية والمصانع للقضاء على الفقر والبطالة.

أما المشاريع الصغيرة والمتوسطة فهي من القطاعات الحيوية التي تسهم في تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث تشير دراسة لمؤسسة التمويل الدولية، فإن هناك ما يراوح بين 16 إلى 17 مليون من المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في الدول العربية لا تزال غير مستفيدة من الخدمات المالية الرسمية.

فضلاً عن أن نحو ثلث المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة لا تستفيد من الخدمات المالية الرسمية لغياب المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مما يدل على الفرص الكبيرة المتاحة لقطاع التمويل الإسلامي في دعم هذه المشروعات والمساهمة في التنمية.

Email