يؤكّد عمق العلاقات الإماراتية الصينية

منتدى الصيرفة الإسلامية يؤسس لانضمام الصين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تنعقد دورة «المنتدى الإماراتي- الصيني للصيرفة والتمويل الإسلامي» الأولى في الصين يومي 24 و25 مايو 2016، حيث تعد الفعالية الأولى المشتركة بين الصين ودولة الإمارات، والتي ستناقش فرص دخول الصين لعالم الاقتصاد الإسلامي من بوابة الصيرفة والتمويل الإسلامي وإدارة الأصول، وغيرها من القضايا الأخرى المرتبطة بالقطاعات الاقتصادية الرئيسة. ويشكل المنتدى استكمالاً للعلاقة الاستراتيجية التي تجمع بين الإمارات والصين.

وتكمن أهمية المنتدى في كونه منصة استراتيجية ينظمها «مركز دبي للصيرفة والتمويل الإسلامي» التابع لـ«جامعة حمدان بن محمد الذكية» و«مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي» و«نادي التمويل الإسلامي الصيني» و«مركز زي- شانغ للتواصل عبر الثقافات»، إلى جانب «تومسون رويترز» كشريك معرفة، ليمثل بذلك استكمالاً لجملة من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون بين الصين ودولة الإمارات.

إعادة النظر

وقال الدكتور منصور العور، رئيس «جامعة حمدان بن محمد الذكية»: «تتّجه المراكز الاقتصادية الكبرى في العالم اليوم نحو إعادة النظر بآليات المنظومة التقليدية وكفاءتها في تحقيق النمو الشامل والعادل والمستدام، وذلك بالتزامن مع تنامي قوة ومتانة المنظومة الاقتصادية الإسلامية في أعقاب الأزمة المالية 2008، التي أفرزت تداعيات سلبية واضحة طالت الاقتصاد العالمي.

وجاء قرار سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي»رعاه الله«، بإطلاق»مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي«، التي يشرف عليها سيدي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي الرئيس الأعلى لـ»جامعة حمدان بن محمد الذكية«، ليمثل انطلاقة قوية لإرساء دعائم متينة للاقتصاد الإسلامي الذي يرسم ملامح مرحلة جديدة قوامها النمو والازدهار والتقدّم للمجتمعات حول العالم».

عمق العلاقة

وأضاف العور: «يأتي»المنتدى الإماراتي- الصيني للصيرفة والتمويل الإسلامي«المرتقب ليؤكد عمق العلاقة الثنائية بين الإمارات والصين، والتي شهدت نقلة نوعية عقب الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى بكين خلال شهر ديسمبر 2015.

ووضعت الزيارة أسساً متينة لتعزيز الشراكة الفاعلة مع الصين باعتبارها من المراكز الاقتصادية العالمية الكبرى ذات التجربة العريقة في التنمية والإنتاج، تماشياً مع التوجهات الاستراتيجية لدولة الإمارات نحو تعزيز القطاعات غير النفطية، وبالأخص قطاعات المعرفة والعلوم والابتكارات.

لذا فإنّنا نتطلع بثقة وتفاؤل حيال المنتدى المنتظر الذي سيكون منعطفاً هاماً لتعزيز توجه الصين، وغيرها من القوى الاقتصادية العالمية، نحو الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي كرافد حيوي من روافد الاقتصاد العالمي، فضلاً عن تكثيف الجهود الوطنية والدولية المبذولة لدعم مسيرة تطوير المنظومة الاقتصادية الإسلامية لتشكل بذلك خياراً حقيقياً للشعوب والدول التي تبحث عن حلول للمعضلات الاقتصادية التاريخية وتسعى لتحقيق التنمية المستدامة».

معدلات نمو

وفي الصين على وجه التحديد، ثاني أكبر اقتصاد عالمي، بلغت معدلات النمو قبل الأزمة المالية العالمية نحو 10%، وبعد الأزمة تراجعت لما دون 6.5%وهو أدنى معدل خلال الـ 25 عاماً الماضية. وفي المقابل، تراجعت مؤشرات عدة، مثل الناتج الإجمالي المحلي ومستوى دخل الفرد، وتضررت خطط الإصلاح وتوسيع نقاط التنمية لتشمل الأرياف والمناطق النائية.

لذا كان المخرج الأول للصين هو إعادة هيكلة قطاعها المالي كما عبّر عنه تشو شياو تشوان، محافظ البنك المركزي الصيني، خلال اجتماع مجموعة العشرين الذي انعقد في مدينة شنغهاي بتاريخ 26 فبراير من العام الحالي، حيث أكد أن الصين ذاهبة نحو استكمال خطتها في هيكلة القطاع المالي وإعادة النظر بجملة من الأمور، من بينها معدلات الفائدة وأسعار العملة الوطنية «اليوان»، وتوصيف العلاقة بين التمويل من خلال إصدار الصكوك الإسلامية وبين التنمية الشاملة في الصين من جهة ثانية.

قواسم مشتركة

وقال عبدالله محمد العور، المدير التنفيذي لـ «مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي»: «يوجد الكثير من القواسم المشتركة بين البلدين الصديقين من حيث الاستراتيجيات التنموية، فبعد المتغيرات الجذرية على خريطة الاقتصاد العالمي والتي تمثلت بانتقال الثقل نحو أسواق الشرق، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأعوام العشرة الأخيرة، ليصل إلى 100 مليار دولار في نهاية عام 2015.

وكذلك تعتبر الصين المستورد الأول للنفط من منطقة الخليج العربي، حيث تستورد ما قيمته 20 مليار دولار من النفط الإماراتي سنوياً».

«كما تشير الإحصائيات الأخيرة أن رصيد الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الصين بلغ 1.15 مليار دولار في نهاية العام 2014، وهناك أكثر من 4000 شركة صينية من مختلف التخصصات تعمل في الإمارات، وبلغ رصيد الاستثمارات الصينية المباشرة في الإمارات 1.66 مليار دولار مع زيادة قدرها 85.62 مليون دولار في الأشهر الـ9 الأولى من العام نفسه.

وعليه، فإن فرص تطوير هذه العلاقات تبدو كبيرة ومتاحة أكثر من أي وقت مضى، وتعزز التوجهات الجديدة لكلا البلدين في تبادل الخبرات والعبر من التجارب التنموية».

توجّه نحو بدائل مؤسسية مالية ذات مسؤولية عالية

عبر العديد من المسؤولين الصينيين عن نيّة الحكومة الصينية تمويل المشاريع ذات العلاقة بخطة إعادة إحياء طريق الحرير بواسطة إصدار صكوك إسلامية، حيث قال بن بينغ تشونغ تشيونغ مدير منطقة آسيا والمحيط الهادي بمجموعة الشريعة الاستشارية والمقيم في هونج كونج: «في ظل استراتيجية حزام واحد - طريق واحد، تبدي الشركات الصينية المملوكة للدولة والشركات الخاصة استعداداً أكبر لاستكشاف التمويل الإسلامي».

وأضاف: «إن مشروع سكك الحديد في إقليم شاندونغ في شرق البلاد يستطلع إصدار صكوك لجمع ما يصل إلى 30 مليار يوان (4.7 مليارات دولار) لخط سكك حديد عالي السرعة. وستكون تلك العملية، في حال نجاحها، من أكبر إصدارات الصكوك على الإطلاق.

وبعد إنشاء «البنك الآسيوي للاستثمارات في البنية التحتية»، واصلت الصين توجهاتها نحو صياغة بدائل عن المؤسسات المالية التقليدية مثل «البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي»، فاتجهت نحو تأسيس «البنك الآسيوي للتنمية».

دور كبير

ويتوقع الخبراء أن يلعب «البنك الآسيوي للاستثمارات في البنية التحتية»، والذي تعتبر دولة الإمارات عضواً مؤسساً فيه، دوراً كبيراً في تعزيز التوجه العالمي نحو الاقتصاد الإسلامي.

وبهذا الخصوص يقول الدكتور منصور العور:«منذ تأسيس «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، بتنا نشهد تحولاً تدريجياً إيجابياً في مسار العولمة، فالبنك الذي شاركت في تأسيسه 57 دولة ومن ضمنها دولة الإمارات، يشهد نقاشاً واسعاً حول تبني أدوات وصيغ التمويل الإسلامي.

ويعود السبب الرئيس وراء مثل هذه المناقشات حول القناعة المتزايدة بأننا في مرحلة لا تحتمل المغامرة وأن العالم يحتاج لسياسات مالية آمنة تدعم النمو وتحفظ استدامته، خاصةً أن تأسيس هذا البنك جاء كرد فعل طبيعي على تعثّر البنوك التجارية التقليدية وعدم قدرتها على الصمود في وجه الأزمات المالية، الأمر الذي سيشكل قفزة كبيرة للاقتصاد الإسلامي في مسيرته نحو العالمية.

لذا فإنّنا ننظر بأهمية بالغة للدور الذي سيقوم به «المنتدى الإماراتي -الصيني للصيرفة والتمويل الإسلامي» من خلال تعميم الخبرات في مجال الصيرفة والتمويل الإسلامي لكافة البنوك الآسيوية، ومن بينها هذا البنك الأممي الجديد».

نموذج جديد

قال عبد الله العور: «إن دولة الإمارات ماضية باتجاه بناء نموذج جديد ومتقدم من التنمية التي تتسم بالاستدامة والفاعلية في الأداء الاقتصادي، وفي توجيه نتائج هذا الأداء نحو تعزيز قطاعات الإنتاج غير النفطي، واستحداث قطاعات جديدة تعتمد على التقنيات الحديثة. ومما لا شك فيه أن الاطلاع عن كثب على التجربة الصينية في هذا السياق سيوفر المعرفة المادية الملموسة لإرساء دعائم هذه التنمية.

أما بالنسبة للصين، فهي بحاجة أكثر من أي وقت مضى لإعادة هيكلة اقتصادها وعلى وجه الخصوص قطاعها المالي وإلى استحداث أدوات تمويل جديدة ترعى الاستثمارات وتحميها من المغامرة، وفي هذا الإطار نحن نتوقع أن يكون الدور الأكبر للتمويل الإسلامي وهو قيمة تستطيع دبي أن تضيفها لمنظومة الاقتصاد الصيني».

دلالات مهمة لمشاريع تحمل أبعاداً تنموية

تعد الدلالات التي يحملها التوجه الصيني نحو تبني الصيرفة والتمويل الإسلامي، خاصةً في مشاريع البنى التحتية ذات العلاقة بطريق الحرير أو غيره من المشاريع التي تحمل أبعاداً تنموية في الصين والدول النامية الواقعة على ضفاف طريق الحرير، ذات أهمية علمية عالية للغاية.

وبعد هذه التجربة الغنية في التنمية والتفوق الإنتاجي، تشكل سياسات الصين الجديدة التي تبحث عن آليات مستدامة للتنمية خير دليل على وجود فرصة كبيرة لدى الاقتصاد الإسلامي في إثبات قدرته على استكمال تجربة النمو من ناحية وتجنيبها النكسات من ناحية ثانية.

وتشير هذه السياسات إلى أن العالم بأسره يبحث عن بديل، ليس لتحقيق التنمية على المدى القصير، بل لجعل التنمية مساراً دائم التطور يؤسس لقاعدة اجتماعية متينة يُبنى عليها مشروع الدولة الاقتصادي كجزء من مشروع اقتصاد عالمي قائم على العدالة والمسؤولية.

%5

كان الاقتصاد العالمي، قبل الأزمة، يسير بسرعة إلى الأمام، حيث بلغ متوسط نمو الناتج الإجمالي 5%، أي أنه سجل في العام 2007 نمواً إجمالياً تاريخياً بمعدل 25%. لكن بين ليلة وضحاها انعكست الدفة، وتوجه الاقتصاد العالمي بالسرعة نفسها نحو حافة الهاوية.

ومنذ عام 2007 حتى اللحظة سجلت معدلات النمو تراجعاً ضخماً وصل إلى 50% في المراكز الاقتصادية الكبيرة مثل اليابان والصين والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، بل وصلت معدلات النمو حدود الصفر في بعض دول الاتحاد الأوروبي، وارتفع الدين العالمي بمقدار 57 مليار دولار ليبلغ 199 تريليون دولار أو ما يعادل 286% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حسب دراسة أجرتها شركة الاستشارات «ماكينزي أند كو».

%10

مما لا شك فيه أن الاقتصاد الصيني دفع، من قوته وحجمه وتطلعاته التنموية، ثمن مغامرات آليات التمويل والاستثمار العالمي التي كانت ولا تزال سائدة في أسواق المال التقليدية.

حيث نقلت صحيفة «تشاينا سكيوريتيز» عن «لي وي» رئيس مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة في الصين قوله: «خلال السنوات الثلاثين الماضية من الإصلاحات والانفتاح، سجل إجمالي الناتج المحلي الصيني نمواً سنوياً بلغ نحو 10%، لكن هذا المعدل انخفض لـ 6,5% وسيكون من الصعب جداً استعادة الوتيرة السابقة من النمو وعوامل الإعاقة الرئيسية هي التباطؤ الاقتصادي العالمي المحتمل».

Email