جهل ترامب باقتصاديات الهجرة

ليندا شافيز

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الوثيقة الأكثر تجاهلاً التي صدرت خلال حملته الانتخابية في العام 2015 بعنوان «إصلاح أوضاع الهجرة التي ستجعل من أميركا عظيمةً مجدداً».

بأنه «قبل إصدار أي بطاقة خضراء جديدة للعمال الأجانب سيصار إلى أخذ فترة استراحة لدفع أصحاب العمل إلى التوظيف من أوساط العمال الأميركيين والمهاجرين العاطلين عن العمل في البلاد».

وطرح أيضاً تعقيد عملية توظيف أصحاب العمل لموظفين من ذوي المهارات العالية المولودين أجانب بعرقلة تأشيرات السفر من نوع «إتش 1 بي»، وأوقف تمويل برامج اللاجئين، وأنهى برنامج التبادل «جيه 1» الذي يخول استقدام العمال الأجانب. ولم يكن مفاجئاً لجوء البيت الأبيض في بداية أغسطس الماضي إلى وضع ثقله لفرض القيود الأكثر صرامةً على الهجرة الشرعية التي تطرح في حوالي 100 عام.

ومن المتوقع أن يعمد قانون «إصلاح الهجرة الأميركية من أجل اقتصاد أقوى»، المعروف باسم «ريز» والذي قدمه السناتوران طوم كوتون وديفيد بيرديو بدعم من الإدارة الأميركية إلى اقتطاع 41 % فوراً من الهجرة الشرعية إلى الولايات المتحدة، على أن يتحقق نصف هذه النسبة خلال عشر سنوات، ويطبق نظام النقاط الذي يمنح الأفضلية للناطقين باللغة الإنجليزية، ويختزل على نطاق واسع الرعاية العائلية باستثناء الزوجات والأولاد دون سن 18، ويغير على نحو دراماتيكي الوجه الديموغرافي للمهاجرين الجدد.

وعلى الرغم من أن قانون «ريز» تغيب عنه اللغة الاستفزازية للقوانين السابقة إلا أن غايته تبدو مشابهة وتقضي بإقصاء المهاجرين. وسيكون لقانون «ريز» وفقاً لتحليلات معهد دراسات سياسة الهجرة، تأثير مباشر على الهجرة من المكسيك وجمهورية الدومينيكان والفلبين والصين والهند وفيتنام، لأنه على الرغم من إظهار بعض المهاجرين هامش الأهلية المطلوب بناءً على النظام الجديد القائم على الكفاءة، فإن العديد لن يفعلوا مما سيؤدي إلى إصدار تأشيرات أقل.

وعلى الرغم من ادعاء عدد من مناصري القانون بأنه سيحسّن من نوعية المهاجرين الوافدين إلى البلاد عبر استقدام الكفاءات، فإن خسارة المهاجرين من عديمي الخبرات بموجب القانون سيطرح مشكلةً أساسية.

ويفترض واضعو الوثيقة وإدارة ترامب أن الأميركيين العاطلين عن العمل أو الذين سقطوا من لائحة القوى العاملة أصلاً، سيتهافتون على القيام بالوظائف التي لا تتطلب مهارة لدى المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين.

لكن لا توجد أدلة تثبت حصول ذلك. فهل سيسارع الأميركيون المستفيدون من منافع البطالة أو العجز إلى القيام بأعمال الحصاد وحلب الأبقار والتنظيف وتبديل الأسقف حتى لو كان الأجر الذي سيتلقون أعلى مما يتقاضاه المهاجرون حالياً؟ أحد الأسباب التي تدفع المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين للقيام بتلك الأعمال هي أنها تلائم مهاراتهم.

وتؤكد دراسة لإحصاء العمالة الأميركية أن «ثلثي المهن الثلاثين ذات الارتفاع التوظيفي الأضخم المتوقع بين أعوام 2012 و 2022 لا تتطلب تعليماً ما بعد الثانوية».

ويعتبر النظام الحالي بكافة عيوبه أكثر تلاؤماً مع سوق العمل الأميركي من قانون «ريز». وإذا ما أراد الكونغرس وإدارة ترامب تحسين نظام الهجرة، فإن الانتقال إلى برنامج أكثر ارتكازاً على المهارات يعتبر فكرة جيدة شرط أن يراعي الحاجة لمجموعة واسعة من المهارات في أوساط المهاجرين بمن فيهم ذوو المهارات المنخفضة.

والأهم أن يأتي النظام مرناً ومتجهاً إلى السوق دون أن يغفل الصعوبات الديمغرافية الحقيقية في البلاد، وأبرز تلك، كما في كافة الدول الصناعية، انخفاض معدل الولادات في ظل تقدم السكان في العمر. وتلوح أمامنا نذر أزمة ضمان اجتماعي ورعاية طبية يتسبب بها تقلص عمر السكان.

ينبغي لغاية سياسة الهجرة المنطقية أن تتجسد في استقدام العمال الذين تحتاجهم أميركا. ولا بدّ لسياسة الهجرة الخاصة بالقرن الواحد والعشرين ألا تعود إلى ذهنية بداية القرن العشرين المتعصبة والقائلة بأن مجموعات محددة دون سواها ستصنع الأميركيين الأخيار.

لقد أثبت الاعتقاد أنه مغلوط في العام 1917 وهو ليس على قدر أقل من الخطأ اليوم. وتظل أميركا تلك المنارة المشعة التي تحدث عنها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان والتي ضمن حدود المنطق والحاجة القومية «تفتح ذراعيها لكل من يمتلك النية والتفكير للوصول». ولا بد للخطوة الأولى أن تتلخص في حماية المستفيدين من القانون المؤجل للوافدين في مرحلة الطفولة، الذين يعتبرون أميركيين بكل ما للكلمة من معنى.

Email