ترامب وحربه التجارية مع الصين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما شعر دونالد ترامب عندما أصبح رئيسا بفارق كبير بين سياسته والسياسة التي رسمها عندما كان مرشحاً رئاسياً. فمؤخراً، فإن الرجل الذي وسم الحكومة الصينية سابقا بأنها دولة تناور بالعملة.

وفرض على وارداتها تعرفة جمركية تبلغ 45%، واتهمها بأنها تنهب الاقتصاد الأميركي في أكبر سرقة عالمية في التاريخ، أصدر توجيهاته لأبرز مسؤوليه التجاريين للتحقيق فيما إذا كان يتعين إجراء تحقيق لتحديد ما إذا كانت الصين هي في الحقيقة لصاً عالمياً، وما إذا كان يتعين معاقبتها.

وسيبحث الممثل التجاري الأميركي روبرت لايثزر الآن في الادعاءات القائلة إن الصين تسرق التكنولوجيا والملكية الفكرية من الشركات الأميركية. وقد ينجم عن هذه العملية اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات اقتصادية ضد الصين خارج حدود منظمة التجارة العالمية، حيث تمكنت عبر ذلك من حل نزاعات تجارية في العقود الأخيرة. وتعهد ترامب أن تكون هذه الإجراءات مجرد بداية.

وتأتي هذه الخطوة كعملية كبح أملتها معايير 2016 التي أطلقها ترامب، لكنها واحدة من الخطوات الأولى التي اتخذتها الإدارة الأميركية إزاء نزاع أوسع نطاقا مع الصين بشأن التجارة. وتحسبا لهذا الإجراء الأخير من قبل ترامب، حذرت الحكومة الصينية من مخاطر نشوب «حرب تجارية» بين أكبر اقتصادين في العالم.

وفي غضون ذلك تركز إدارة ترامب على إقناع الصين بتعطيل برنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية، للحيلولة دون تمكن بيونيانغ من وضع رأس نووي على صاروخ يستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة. وتستخدم كل وسيلة ممكنة. وتطلق على هذه العملية اسم «إطلاق بالوعة من الدجاج على الصين».

ويدعي مسؤولو الإدارة الأميركية أن التدقيق في سياسات الملكية الفكرية الصينية لا علاقة لها بكوريا الشمالية، لكن ترامب نفسه افترض عكس ذلك، وقال مؤخرا في هذا الصدد: «إذا ساعدتنا الصين في النزاع مع كوريا الشمالية فسيكون شعوري تجاه التجارة معها مختلفاً».

ويبدو أن المنطق يقول إن تهديد أميركا بفرض تعرفة على السلع الصينية، علاوة على التهديد بفرض عقوبات على البنوك والشركات الصينية التي تتعامل مع حكومة بيونغيانغ، كل ذلك قد يجبر بكين على قطع شريان الحياة عن كوريا الشمالية، التي تربطها اتفاقية دفاع مع الصين وتعتمد عليها في 90% من تجارتها.

وحرمان بيونغيانغ من حليفها الوحيد في العالم، فإن الواردات التي لا غنى عنها كالطعام والوقود، يجبرها على تفكيك برنامجها النووي مقابل حصولها على المساعدات الاقتصادية.

ونشر وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيين ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس مقالا في «وول ستريت» أهابا فيه بالصين بأن تستعيد هيبتها كقوة عظمى، في حين أشارا إلى الوسائل المختلفة التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها أن تستعرض عضلاتها في الحي الصيني، بما في ذلك نشر منظومة دفاع مضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية، ما قد يشعر بكين بالقلق بأن هذا المنظومة ستوجه ضد ترسانتها الصاروخية.

وذكر خبير اقتصادي صيني في جامعة فيودان بشنغهاي، أن الاقتصاد الصيني أقوى وأكثر تفرعا من أن يتعرض للتقييد بفعل العقوبات الأميركية المحدودة أو من خلال اتخاذ إجراءات تجارية ثأرية. كما أبدى تشككه العميق بقدرة الإدارة الأميركية على تملق الحكومة الصينية وجعلها تعزل كوريا الشمالية.

وقال في هذا الصدد: «حتى إذا اضطرت الصين لقطع كل روابطها الاقتصادية مع كوريا الشمالية، فإن بيونغيانغ لن تتخلى عن برنامجها النووي مع ذلك، لأنه تعتبره حيوياً لبقائها، لذلك فإن بكين لا ترغب بفعل أي شيء للضغط على حليفتها الشمالية». ومع ذلك، فإن تهديدات ترامب باتخاذ إجراءات عسكرية ضد كوريا الشمالية شجعت الصين على إيقاف وارداتها من الفحم من حليفتها الشيوعية، لكن هذه حالة استثنائية.

وبكلمات أخرى، فإنه لا يمكن لإدارة ترامب إقناع الحكومة الصينية العمل ضد مصالحها الخاصة، ولكن يمكنها محاولة إجبار بيونغيانغ على عكس برنامجها الخاص بالأسلحة النووية من خلال إقناع بكين أن ذلك يصب في صالحها. لكن تحقيق ذلك يتطلب إجراءات دراماتيكية كبيرة، تتمثل بالاقتراب من حافة حروب تجارية وحتى حروب حقيقية لا يرغب أحد بحدوثها.

 

 

كاتب أميركي

Email