علاقة سعر الصرف بميزان المدفوعات

علاقة سعر الصرف بميزان المدفوعات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتقد البعض أن سعر صرف العملة المحلية لا يرتبط بميزان المدفوعات ولا بالفائض أو العجز الذي يظهره، وهو اعتقاد غير صحيح لأن سعر صرف العملات المحلية له علاقة وثيقة بمركز ميزان المدفوعات الكلي طالما تتبع الدولة نظام الصرف الحر ولا تطبق التحديد الإداري.

ولا تربطه بسعر ثابت مع الدولار الأميركي أو مع أي عملة أخرى، وهو ما يتبين في ضوء استعراض أنظمة تحديد أسعار صرف العملات المحلية في دول الخليج وفي الدول العربية الأخرى، وهي الأنظمة المطبقة حالياً ومنذ عشرات السنين.

وكانت دول الخليج العربي الأعضاء في مجلس التعاون طبق نظام ربط عملاتها بالدولار الأميركي، وبالتالي كانت أسعار صرف عملاتها ثابتة مع الدولار الأميركي مهما تم من تغيرات عليه، فسعر صرف الدرهم الإماراتي على سبيل المثال ظل ثابتاً بالنسبة للدولار الأميركي منذ سنوات طويلة وحتى الوقت الحالي بالرغم من انخفاض الدولار ما يزيد على ثلث قيمته خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبالمثل كانت أغلب الدول الخليجية الأخرى «السعودية والبحرين وعمان وقطر».

أما بالنسبة للكويت فقد ظل سعر صرف الدينار الكويتي بالنسبة للدولار ثابتاً خلال السنوات الخمس الأخيرة بينما بدأ التغيير منذ 20 مايو الماضي عندما أعلنت الكويت فك ارتباط عملتها بالدولار الأميركي وربطها بسلة من العملات، حيث بدأ سعر صرف الدينار الكويتي في الارتفاع بالنسبة للدولار وأصبح يرتفع كلما انخفض سعر صرف الدولار الأميركي في أسواق الصرف الخارجية.

أما بالنسبة للدول العربية الأخرى التي لا تربط عملاتها بالدولار الأميركي، فإن مركز ميزان المدفوعات الكلي هو العامل الرئيسي الذي يساعد في تحديد سعر صرف عملاتها المحلية، وكلما حققت فائضاً في الميزان فإنه ينعكس إيجاباً على سعر الصرف.

والعكس صحيح، ويظهر ذلك واضحاً في كل من مصر وليبيا والمغرب، فمصر تطبق نظام صرف حر «تعويم حر» أما ليبيا فتربط عملتها بوحدة حقوق السحب الخاصة، وكذلك المغرب التي تربط عملتها بسلة خاصة من العملات «غير معلنة».

وبالتالي فإن أثر الفائض أو العجز في ميزان المدفوعات الكلي لهذه الدول ينعكس بالزيادة أو الخفض في سعر صرف عملاتها المحلية، بالإضافة إلى عوامل نقدية أخرى تساعد في تحديد السعر.

وباستعراض مركز ميزان المدفوعات بدولة الإمارات نجد انه بالرغم من زيادة الفائض في المركز الكلي له خلال السنوات الأخيرة على سبيل المثال حيث بلغ الفائض الكلي 3 .1 مليار دولار عام 2003.

وارتفع إلى 5 .3 مليارات دولار عام 2004 كما كان هناك فائض كبير خلال السنتين الأخيرتين نتيجة زيادة صادرات البترول وارتفاع سعر البرميل، بالرغم من زيادة هذا الفائض الكبير فإن سعر صرف الدرهم ظل ثابتاً نتيجة ربطه بالدولار الأميركي.

وطالما ظل هذا الربط قائماً فإن أي تغير في سعر صرف الدرهم بالنسبة للدولار الأميركي لا يمكن أن يتم إلا بموجب قرار إداري من السلطات النقدية للدولة.

وحتى يمكن الوقوف على مدى الترابط الكبير بين ميزان المدفوعات وسعر الصرف فإنه يهمني أن أوضح بداية ماهية ميزان المدفوعات وماهية البنود التي يتضمنها وكيف تؤثر على سعر الصرف، فميزان المدفوعات هو المرآة التي تعكس معاملات الدولة من مدفوعات ومتحصلات بالنقد الأجنبي مع الخارج، والفائض فيه يعني أن المتحصلات من النقد الأجنبي تزيد على المدفوعات.

والعكس صحيح، كما أن المتحصلات المتزايدة من النقد الأجنبي تعني وفرة من النقد الأجنبي لدى المواطنين ولدى البنوك المحلية وشركات الصرافة.

وكلما تزايد المعروض من النقد الأجنبي «من صادرات أو متحصلات غير منظورة أو رأسمالية» عن المطلوب منه لمواجهة التزامات خارجية «لاستيراد بضائع أو خدمات أو تحويلات خاصة» فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض سعر الصرف باعتباره آلية مهمة من آليات النظام الرأسمالي الذي تحكمه أسواق العرض والطلب في تحديد الأسعار.

كما أن ميزان المدفوعات ينقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، الجزء الأول وينقسم إلى قسمين؛ الأول يتضمن الميزان التجاري الذي يوضح الواردات والصادرات السلعية والفائض أو العجز فيه، وكلما زادت الواردات عن الصادرات فإن صافي الميزان التجاري يكون عجزاً.

والعكس صحيح، أما القسم الآخر فإنه يتضمن باقي المعاملات الجارية «المعاملات غير المنظورة» وتتضمن في جانب المتحصلات مصاريف السفر والسياحة للقادمين إلى الإمارات وبعض البنود الفرعية الأخرى.

وفي جانب المدفوعات مصروفات العلاج والسياحة في الخارج وعوائد الاستثمار الأجنبي للأموال المستثمرة في الإمارات، بالإضافة إلى مصروفات سفارات الدولة وبعثاتها الرسمية في الخارج.

أما الجزء الثاني من ميزان المدفوعات فيتضمن الإعانات والمعونات والمساعدات الأخرى التي تحولها الدولة إلى الخارج ويسمى هذا الجزء التحويلات بدون مقابل، وكان يسمى في الماضي التحويلات من جانب واحد، أي أن المبالغ المدرجة به لا يأتي عنها مقابل مادي من الخارج فهي في الأصل معونات نقدية للخارج.

وسيكون من بينها التحويلات الخاصة المتعلقة بالمبادرة الكريمة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، باسم «دبي العطاء» لتأمين التعليم لمليون طفل حول العالم.

وهي المبادرة التي تعتبر إضافة جديدة للمبادرات الإنسانية التي تقوم بها الإمارات، وبالتالي فإن ما يتم تحويله تنفيذاً لهذه المبادرة سيتم تسجيله بميزان المدفوعات تحت هذا الجزء.

والجزء الثالث في ميزان المدفوعات يتضمن المعاملات الرأسمالية أي المبالغ المحولة من الخارج للاستثمار في الإمارات سواء للاستثمار المباشر في مشروعات إنتاجية وخدمية داخل الدولة أو للاستثمار غير المباشر، أي للتعامل في الأوراق المالية في البورصة «أسهم وسندات»، كما يتضمن أيضا التحويلات الرأسمالية للمواطنين الذين يستثمرون أموالهم خارج الدولة في مشروعات أجنبية.

وذلك بالإضافة إلى رؤوس الأموال التي يستردها الأجانب إلى دولهم بالخارج عندما تنتهي مشروعاتهم أو لا تستكمل، أما أرباح هذه المشروعات فإنها تدرج في الجزء الثاني من الميزان السابق الإشارة إليه «المعاملات غير المنظورة» سواء أكانت أرباحا محولة للخارج أو أرباحا مستردة من استثمارات المواطنين بالخارج.

ونتيجة المعاملات المدرجة في الأجزاء الثلاثة لميزان المدفوعات يظهر الفائض أو العجز الكلي للميزان، فالفائض يعني زيادة المتحصلات الكلية بالنقد الأجنبي عن المدفوعات الكلية المدرجة في الميزان، والعكس صحيح.

وبالتالي فإن زيادة عرض النقد الأجنبي على البنوك نتيجة هذا الفائض في الميزان تؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية طالما تأخذ الدولة بنظام التعويم الحر في تحديد سعر صرف عملتها بعيداً عن الربط بعملة أو عملات رئيسية وبعيداً عن تدخل البنوك المركزية في تحديد سعر الصرف، وطالما كانت في نطاق القواعد الرئيسية للنظام النقدي العالمي الذي يضع قواعد كاملة لتحديد سعر الصرف في اتفاقية صندوق النقد الدولي «الملحق الثالث».

على أن سعر صرف العملة المحلية ومركز ميزان المدفوعات يشكلان أداتين مهمتين في تخطيط السياسة النقدية للدولة وفي مقدمتها التضخم واتجاهات أسعار السلع في أسواقها المحلية، ولبيان أثر سعر الصرف بالنسبة لأسعار السلع والخدمات المحلية على سبيل المثال أذكر أن ربط سعر صرف العملة المحلية بالدولار الأميركي وعدم رفعه في حالة انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي (عملة الربط) يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المتداولة في الأسواق المحلية خاصة تلك السلع المستوردة من دول أجنبية غير الولايات المتحدة.

وبفرض أن سعر صرف الدولار الأميركي انخفض أمام اليورو بمقدار الثلث «وهو ما حدث فعلاً» فإن قيمة السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي والتي يتم دفع قيمتها بالدولار الأميركي من جملة المتحصلات الدولارية تزيد بهذه النسبة أي بالثلث بالرغم من استيراد نفس الكميات منها دون زيادة.

وبالتالي فإن السلع الأوروبية التي تباع في الأسواق المحلية ترتفع أسعارها بالمقارنة بالأسعار السائدة قبل انخفاض الدولار الأميركي.

كما أن السلع الأوروبية التي تدخل في مكونات انتاج صناعات محلية تؤدي إلى أسعار السلع المنتجة محليا، وهكذا يصبح هناك موجة من ارتفاع الأسعار داخل الأسواق المحلية تؤثر على كل السلع والخدمات في الأسواق المحلية، وبالتالي يزيد معدل التضخم ويرتفع الخط البياني للأسعار بوجه عام.

من هنا فإن تحركات سعر صرف العملة المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية ترتبط بشكل كبير بمركز ميزان المدفوعات وما يحققه من فائض أو عجز.

وطالما حقق ميزان مدفوعات الإمارات فائضاً كبيراً خلال عام 2006 بلغ 5 .3 مليارات دولار وفقاً للتقديرات الأولية بالمقارنة بما كان عليه خلال الأعوام السابقة، فإن ذلك لابد أن يكون له أثره الواضح على سعر صرف الدرهم بعيدا عن سعر صرف الدولار الذي ظل ينخفض بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة نتيجة عجز متزايد في ميزان المدفوعات الأميركي.

حيث بلغ عجز المعاملات الجارية 0 .811 مليار دولار خلال عام 2006، وبالتالي يمتد هذا الأثر إلى أسعار السلع والخدمات المحلية التي تهم كل المواطنين و المقيمين.

ويهمنا الإشارة هنا إلى أن عدم تحريك سعر صرف العملة المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية يؤدي إلى خسائر ضخمة للدولة والى ضياع ثروات اقتصادية تصل إلى مليارات، بينما يمكن الاستفادة منها في بنود إنسانية محلياً وعلى الصعيدين العربي والعالمي، مثلما هو الحال في مبادرة «دبي العطاء».

مستشار وكاتب اقتصادي مصري

moc.liamtoh@000yrsamle_Y

Email