للبرهنة على صدقية تقديراتها

السعودية تبارز مناوئيها على ساحة وفرتها النفطية

ت + ت - الحجم الطبيعي

فقد كتاب ماثيو سايمونس المعنون تحت اسم »شفق في الصحراء: «الصدمة النفطية السعودية القادمة للاقتصاد العالمي» الكثير من بريقه وجاذبيته، فبعدما كانت محتويات الكتاب تتصدر التحليلات النفطية.

وبعدما تألق اسم سايمونس رئيس بنك استثمارات الطاقة في أوساط المؤيدين لنظرية «ذروة النفط» والمناوئين للسياسة النفطية السعودية، بحيث صار أشبه بالكتاب المقدس لهذا المعسكر من السياسيين والمحللين، لما يحتويه من مزاعم تطول صدقية السياسية النفطية السعودية، وجهت لهذا الكتاب ضربات قاصمة للبرهنة على زيف إدعاءاته.

وجاءت الضربات من التحليلات التي ركزت على تفنيد الأسانيد التي أعتمد عليها سايمونس في خلوصه إلى استنتاج بأن المملكة السعودية بالغت في تقدير احتياطيها من النفط، وأن إنتاج حقولها النفطية آخذة في التراجع.

كما جاءت الضربات من التحرك الجاد من جانب المسؤولين النفطيين السعوديين لزيادة الطاقة الإنتاجية بما يبطل حجة سايمونس بأن السعودية لم تعد قادرة على زيادة طاقتها الإنتاجية.

وهو ما عكسه النشاط الضخم الذي تقوم به شركات التنقيب عن النفط والغاز في المملكة السعودية، بحيث صار التحدي الذي تواجهه هو العثور على شركات تعمل في مجال التنقيب والحفر.

علاوة على ما سبق، نشطت المملكة السعودية على ساحة المؤتمر الدولي للبترول الذي عقد مؤخراً في جوهانسبرغ للتأكيد على أن العالم يزخر بالوفرة النفطية، وأن الاحتياطات النفطية تكفي الاستهلاك العالمي لعقود قادمة.

بيد أن الشكوك التي أثارها الكتاب حول الاحتياطات النفطية قد غذت جدلا مستتراً بين منظمة أوبك والمملكة المتحدة بشأن مدى شفافية المعلومات بشأن الإنتاج والاحتياط النفطيين.

* ادعاءات مزيفة

ويبرز تحليل علي دانيشي مدير الهندسة البترولية في جامعة هيوستن والذي أمضى ما يزيد على 35 عاما في صناعة الغاز والنفط وله أوراق بحثية في تكنولوجيا وإدارة صناعة النفط والغاز، على أنه من الإسهامات الجادة في تفنيد مزاعم كتاب سايمونس، وهو يقر في تحليله بأن الكتاب أحتوى على ذخيرة من الحجج والأسانيد لمؤيدي نظرية «الذروة النفطية».

وأنه ليس المحلل الوحيد المعارض لأطروحات سايمونس بشأن النفط السعودي. بل انتقده محللون آخرون من العيار الثقيل على غرار ميشيل لينش الذي يعد من أبرز المعارضين لنظرية «ذروة النفط».

ويستعرض المحلل النفطي في البداية، بعض الإدعاءات التي وردت في كتاب سايمونس، من بينها التحذير من أنه ليس في مقدور المملكة العربية السعودية زيادة إنتاجها النفطي إلى 10 أو 12 أو حتى 15 مليون برميل يومياً خلال السنوات العشر أو العشرين المقبلة.

فما بال الحال إذا ما جرى الحديث عن فترة زمنية تمتد إلى نصف قرن، إلى جانب الإدعاء بأن البيانات عن الإنتاج السعودي لا توحي بأنه من الممكن أن يحافظ على نفس مستوياته لفترة تتراوح من5 إلى 10 سنوات.

ويخلص علي دانيشي في تحليله إلى أن وجهات نظر سايمونس بشأن إمكانيات الإنتاج السعودي قد جانبها الصواب. موضحا أن المستوى العالي من الإنتاج النفطي السعودي ليست مجرد حدثا وليد اللحظة، حيث أن المملكة العربية السعودية تمكنت من إنتاج ما يزيد على 9 ملايين برميل يوميا على مدى 13 عاما.

وهي انتجت خلال السنوات الثلاث الأخيرة حوالي عشرة ملايين برميل يوميا، وبإضافة الغاز الطبيعي، فإن الإنتاج السعودي يوازي 12 مليون برميل يوميا. وجاء التذبذب في مستويات إنتاج السعودية من النفط كاستجابة من جانبها للتغييرات في الطلب، وذلك في إطار الرغبة السعودية بأن تكون لاعبا مسيطرا في عالم الطاقة، كما جاءت سرعة هذه التغييرات بوتيرة معقولة.

ويشير المحلل إلى أن الجانب الأكبر من القلق على مستويات الإمداد، يأتي من الهامش الضئيل والمحدود في الفارق بين الطلب والعرض. وتركت هذه الهوامش السوق غير محصن للتوقفات الصغيرة والعرضية في الإمداد العالمي واستدرك علي دانيشي في تحليله موضحا أن وتتفهم المملكة العربية السعودية أسوة بدول أوبك الأخرى تتفهم مثل هذا الوضع.

وفند المحلل فرضية سايمونس بشأن تدهور إنتاجية الحقول النفطية السعودية بسبب استخدام أسلوب الحقن بالمياه في عمليات الإنتاج، موضحا أن هذا الأسلوب من الأساليب المعتاد استخدامها والتي غير ممكن تجنبها في إنتاج الغاز والنفط، حيث يساعد الحقن بالمياه في تعزيز الإنتاج عن طريق استخراج النفط الخام إلى الخارج من مكمنه عبر الحفظ على قوة ضغط تدفعه إلى الخارج .

ويتم استخدام هذا الأسلوب في تكساس بشكل يومي، حيث يتم إنتاج ما يزيد على مليون برميل يوميا من النفط، وتزيد نسبة الماء على الزيت بمعدل 3 مرات، فيما تبلغ هذه النسبة بالنسبة للمملكة العربية السعودية حوالي مرة واحدة.

وعندما يؤخذ في الاعتبار قيام المملكة السعودية بإنتاج مستويات عالية من النفط على مدى فترة زمنية طويلة. فأن هذا المعدل المنخفض لنسبة الماء إلى الزيت، يعد دليلا على مدى سمك وحجم مكامن النفط السعودية.

وتابع المحلل إثبات زيف ادعاءات كتاب سايمونس بإشارته إلى أن تكلفة إنتاج برميل من المياه تتراوح بين 10. 0 و 00. 2 دولار ووفقا لأسعار اليوم، وأنه بالإمكان إنتاج 20 برميل من الماء لإنتاج برميل واحد من زيت النفط بتكلفة مقبولة، ولكن السعودية مازالت بعيدة تماما عن هذا المستوى. وأشار المحلل أن الاحتياطيات النفطية السعودية تقدر بما يزيد على 260 مليار برميل.

ويمكن للتكنولوجيات الجديدة أن تزيد هذه الكمية كما حدث بالنسبة لبحر الشمال، حيث أن تطبيق التكنولوجيات الجديدة من شأنه أن يعزز الإنتاج، بل ويؤدي إلى زيادته، في حال إذا ما رغبت السعودية في ذلك، فعلى سبيل المثال في جنوب حقل الشيبه، كانت تنتج الفجوات الأفقية ما يزيد على 3 آلاف برميل يوميا، وهي الآن تنتج 10 آلاف برميل يوميا عن طريق استخدام أساليب تكنولوجية متقدمة.

خطوات عملية لزيادة الطاقة الإنتاجية

وعلى خط موازٍ للتحليلات التي تبرهن على زيف إدعاءات كتاب سايمونس التي استهدفت النيل من صورة المملكة السعودية كلاعب رئيسي في سوق النفط، اتخذت المملكة السعودية خطوات على ارض الواقع لزيادة طاقتها الإنتاجية والتي لم تحظ بنفس البريق الإعلامي الذي حظي به كتاب سا يمونس.

وفي هذا السياق، تفيد المعلومات، بأنه خلال الأشهر الأخيرة، وقعت شركة آرامكو السعودية على اتفاقيات عديدة مع شركات الحفر والتنقيب، بحيث ارتفع عدد هذه الشركات في الوقت الراهن إلى نحو 70 شركة للتنقيب عن النفط مقابل 55 شركة في عام 2004 و20 شركة في منتصف عقد التسعينات.

وتخطط شركة آرامكو لأن يصل عدد الشركات العاملة في مجال الحفر والتنقيب إلى 110 شركة، وهي تواجه تحديا في الاستعانة بمثل هذا العدد من شركات بسبب المنافسة الشرسة على معدات وأجهزة الحفر.

ويعكس هذا العدد الضخم من الشركات العاملة في مجال الحفر والتنقيب سياسة المملكة الرامية إلى إضافة نحو 3 ملايين برميل يوميا إلى الطاقة الإنتاجية. ، وهو ما يمثل زيادة نسبتها 30 % عن مستوى الإنتاج الحالي الذي يبلغ 5. 9 ملايين برميل.

وتشير التقديرات إلى أنه في أصعب الظروف، سيكون بمقدور المملكة السعودية أن ترفع إنتاجها إلى 11 مليون برميل يوميا. وتتطلع شركة آرامكو إلى سيناريو يكون بمقدورها فيه تعزيز الإنتاج إلى 15 مليون برميل يوميا إذا ما كان هناك طلبا في السوق العالمي يبر ذلك وتتوقع التقديرات بأن تتجاوز تكلفة حفر آبار جديدة بما يرتبط بها من بنية تحتية نجو 14 مليار دولار.

ويقدر محللون على غرار جمال قرشي المحلل في شركة «بي إف سي» لاستشارات الطاقة بأنه إذا ما نجحت السعودية في تنفيذ خططها، فأنه سوف تهدأ حالة التشدد السائدة في أسواق النفط على المدى المتوسط.

وهو ما سوف يسهم في تخفيض أسعار النفط، خاصة وأن الإنتاج النفطي السعودي الجديد سيأتي في وقت سيتدفق فيه النفط من غرب إفريقيا والبرازيل وآسيا الوسطى وخليج المكسيك. الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة كبيرة في مستويات الإمداد.

وأرجع محللون أسباب اهتمام السعودية بزيادة مستويات إنتاجها إلى تطلعها إلى استعادة نفوذها في تحديد أسعار النفط بالأسواق العالمية، حيث إنه بمقدور المملكة العربية السعودية أن تتبنى سياسة مرنة في الإنتاج بأن تتوسع في إنتاجها، إذا ما شعرت بوجود تشدد في الأسواق.

وأن تقلص إنتاجها إذا ما قيمت بأن هناك تخمة في السوق. وذلك على خلاف الحال بالنسبة لروسيا الدولة غير العضو في أوبك والتي مثل هذا الهامش المرن في إدارة مستويات إنتاجها وفقا لاحتياجات السوق العالمي.

وقد أكسب هذا الوضع السعودية قدرة ضخمة على التأثير في الأسعار، ولكن هذه القدرة في الآونة الأخيرة تعرضت للتآكل نتيجة لتراجع الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، وبالتالي.

وعلى الرغم من أن التقديرات تشير إلى أن ارتفاع أسعار النفط سيدر على المملكة السعودية خلال العام الجاري عوائد قيمتها 145 مليار دولار، إلا أن السعودية ترغب في استعادة نفوذها على أسواق النفط، عن طريق امتلاك طاقة إنتاجية تمكنها من التأثير في السوق من خلال الإضافة أو الخصم، لاسيما وأن الشطر الأعظم من طاقتها الإنتاجية من نوع النفط الثقيل الذي لا تقبل عليه مصافي التكرير.

وتفيد التقديرات بأن معظم النفط الجديد سيأتي من تطوير حقول كالقطيف والخرسانية، كما أن السعودية ستجري تطويرات إضافية جديدة إلى حقل شيبه والذي ينتج 500 ألف برميل يوميا.

وبالطبع ومن وجهة نظر بعض المحللين، فان قيام المملكة السعودية بإجراء زيادات ضخمة في مستويات إنتاجها، ليس بالمسألة السهلة، حيث أن معظم حقولها النفطية، هي حقول بحرية، وهو أمر يملي ضرورة الاستعانة بأعداد كبيرة من شركات التنقيب والحفر، واستخدام تقنيات جديدة ومتطورة.

وبالتالي، تجد المملكة العربية السعودية نفسها في وضع يملي عليها دفع تكلفة ضخمة، خصوصا وأن سوق الحفر والتنقيب مصاب بالحمى، نظرا لمحدودية عدد الشركات العاملة في هذا المجال، ويدلل محللون على ذلك، بأن شركة «آرامكو» ستدفع لشركة «روان كوس » .

ومقرها هيوستون ما يتراوح بين 100 و105 آلاف دولار عن اليوم الواحد لكل حفار من الحفارات الأربعة التي ستبدأ في مطلع العام المقبل ولمدة ثلاث سنوات عمليات الحفر والتنقيب عن الآبار النفطية في الخليج العربي. وقد وقعت السعودية مع شركة روان على عقد باستخدام 5 حفارات، ولكن أحد تلك الحفارات قد فقد خلال ضرب إعصار كاترينا لخليج المكسيك.

كما يواجه السعوديون تحديات فنية، فالمشاريع النفطية باهظة التكلفة والتعقيد، حيث لا ينحصر الأمر في حفر الآبار، بل يستلزم كذلك، بناء بنية تحتية ضخمة لفصل النفط عن الغاز، وحقن الحقول بالمياه للحفاظ على قوة الضغط ونقل النفط عبر أنابيب إلى المصافي.

فعلى سبيل المثال، ووفقا للتقديرات، يستلزم تطوير حقل خريص ليصل إنتاجه إلى 2. 1 مليون برميل، يستلزم حفر 400 بئر، وإذا ما قام كل حفار بحفر من 6 إلى 7 آبار كل عام فهذا سيتطلب 20 حفاراً في موقع العمل لمدة 3 سنوات كما أن الحقل يحتاج إلى مليوني برميل يوميا من المياه لحقن الآبار وهو ما يتطلب مد أنابيب وتسهيلات لنقل المياه.

وأخذاً في الاعتبار كل هذه العوامل، فإن رفع الإنتاج إلى 5. 12 مليون برميل يوميا، يمثل هدفا طموحا، لاسيما وان السعودية تريد إضافة طاقة إنتاجية كافية تعوض التراجع في إنتاج الحقول المتواجدة والذي يتراوح بين 400 ألف و500 ألف برميل سنويا.

وبالتالي، فهي تواجه في تنفيذ خططها، تحديا رئيسيا يتمثل في تعبئة الحفارات وأجهزة الحفر والموارد البشرية على نحو يكفل لها تحقيق الأهداف وفقا لمواعيدها المحددة.

بيد أن المحللين يرون بأنه بإمكان السعودية تحقيق هذه الأهداف، طالما أن هناك طلبا عالميا يبرر ذلك، حيث أن المحك الرئيسي هنا يكمن ليس في القدرة الإنتاجية السعودية، ولكن في وتيرة نمو الطلب العالمي على النفط.

* مؤتمر البترول العالمي

وتتحرك المملكة السعودية على جبهة مؤتمرات الطاقة الدولية لتأكيد أطروحاتها بأن العالم لا يعاني نضوباً في الموارد النفطية، بل هو زاخر بالوفرة، وكان آخر هذه المؤتمرات، المؤتمر الدولي للبترول والذي عقد مؤخرا في جوهانسبيرج بجنوب إفريقيا.

حيث عبر رئيس شركة «إيكسون موبيل » أكبر شركة نفط على مستوى العالم، عن نفس وجهات نظر علي النعيمي وزير النفط السعودي والتي أكد فيها أن بلاده التي تعتبر أكبر منتج للنفط في العالم سوف تقوم بمضاعفة قاعدة احتياطياتها المؤكدة، وهو ما سوف يضيف 200 مليار برميل إلى المستوى الحالي من الاحتياطات والذي يقدر بحوالي 264 مليار برميل.

مضيفا بأنه توجد وفرة من النفط متاحة لتلبية الطلب في المستقبل، وأن السبب وراء ارتفاع الأسعار هو القيود التي تعاني منها الصناعة النفطية فيما يتعلق بالنية التحتية. من جانبه، قال ريكس تيليريسون رئيس شركة إيكسون موبيل إنه ربما مازال لدي 3 تريليونات برميل موجودة في الحقول النفطية التقليدية ومستودعات الرمال النفطية والمصادر الأخرى، وان الأسعار لن تظل مرتفعة إلى الأبد.

كتب مجدي عبيد:

Email